نواميس في قواميس السياسة : أحزاب الوبر… بدو السياسة

في معجم المعاني الجامع. يعني الوبَر (بفتح الباء)، صوف الإبل والأرانب ونحوها. ويقال أهل الوبر للأفراد الذين يتخذون بيوتهم من الوبر، وهي بيوت تشبه الخيام. ويقصد بالوبْر (بتسكين الباء)، حيوان بري يعيش بصورة جماعية، تكون محل إقامتهم بين الشقوق الصخرية. يتميز بحذره الشديد، وكثرة تغييره لسكنه، خاصة إذا ما تعرض لهجوم بشري. في الثقافة السياسية المغربية، نجد صفة "الوبَر" لصيقة بحزب سياسي. والراجح أن الكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي، محمد اليازغي، هو أول من أطلق صفة الوبر على الحزب الوطني الديمقراطي، إبان تأسيسه من قبل أرسلان الجديدي، في صيف 1981، بعد انشقاق قاده الأخير داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، قبل أن يصبح الحزب في مهب الريح، بعد رحيل معظم قياداته إلى الأصالة والمعاصرة، رغم محاولات أمين عام الحزب، عبد الله القادري، إحياء الحزب مجددا.في البداية أعلن الحزب نفسه، ممثلا للعالم القروي، وهنا يلتقي الهدف مع صفة أهل الوبر (البدو الذي يسكنون الخيام). وتميز الخطاب الحزبي لقائد التنظيم، أرسلان الجديدي، بلغة تستميل البوادي، في فترة الانتخابات، ولعل هذا التوجه تبرز بعض الكلمات التي ما تزال عالقة، في مخيلة الكثير من الأحزاب السياسية، يوم قال مؤسس الحزب، إنه هدفه "يرد الدنيا كلها بقر"، كان الفكرة تعني الاهتمام بالعالم القروي، وتنمية نشاط تربية المواشي بمساعدة الفلاحين الصغار، لكن طريقة التعبير عن الفكرة، جعلت الحزب موضوع سخرية من قبل باقي الأحزاب، سيما في المعارضة آنذاك.ولأن أهل الوبر، معروفون بكثرة تنقلهم، لأنهم بدو رحل، يعيشون في الخيام ولا يستقرون في مكان، فإن لفظ الوبر كان يفيد، هذه الحقيقة تعبيرا عن الثقافة السياسية السائدة، ويتعلق الأمر بظاهرة الترحال السياسي. فكما هو الحال بالنسبة إلى أحزاب كثيرة، ولدت من رحم الإدارة، فإن الحزب الذي حمل صفة "حزب الوبر"، تأسس بدوره على قاعدة منتخبين وبرلمانيين، قدموا من أحزاب أخرى، في إطار عملية ترحال واسعة، وهو ما يفسر تموقع الحزب داخل الأغلبية الحكومية، مباشرة بعد تأسيسه. حقيقة انساب صفة الوبر على الحزب المذكور، تفسرها أيضا، ثقافة سياسية كانت تغذيها المعارضة في صراعها مع القصر، في فترة الثمانينات، وذلك باستهداف كل الأحزاب التي أغنت الساحة السياسية، تارة بوصفها بأحزاب الإدارة، وتارة أخرى بأحزاب "كوكوت مينوت"، نسبة إلى سرعة تأسيسها في مطابخ وزارة الداخلية.لقد تحول الخطاب الحزبي، القائم على الاهتمام بشؤون العالم القروي، إلى صفة قدحية، تروم التقليل من هبة الحزب وقدرته على التأطير، والاستقطاب، والتأكيد على أنه صفة "أهل الوبر"، تلازم مثل هذه التنظيمات السياسية، التي تتأسس خارج الإرادة الشعبية، وتعبر عن توجه معين داخل الدولة، يومها كانت وزارة الداخلية هي الجهاز الوصي على تشكيل وتفتيت الأحزاب، وتوجيه خطابها وصناعة قياداتها أيضا. وبذلك، فإن صفة "الوبر"، طبعت القاموس السياسي المغربي، وبات اللفظ ملازما لحزب سياسي، بعينه، للتدليل على ظروف نشأته، ورمزية خطابه، في ظل ثقافة سياسية، كانت وما تزال، قائمة على التنابز بالألقاب والصفات، بعيدا عن قواعد التنافس السياسي، غير أن التعددية السياسية، وإن صنعها النظام لاعتبارات التحكم في السلطة، أفادت المغرب كثيرا، وساعدت على تطوير الديمقراطية المحلية، وبناء المؤسسات وضمان تمثيلية حزبية لكافة فئات المجتمع، دون تمييز أو إقصاء بخلاف ما يقع في بلدان أخرى، استفاقت متأخرة من أجل بناء دولة المؤسسات، دولة جامعة بهويات متعددة بتعدد تقاليد سكانها. أما الوبر، فهي صفة عابرة، وإن لقيت تداولا كبيرا في الثقافة السياسية. إحسان الحافظي

نواميس في قواميس السياسة : أحزاب الوبر… بدو السياسة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مذكرات قــــاض : ولجت المعهد العالي للقضاء ومديره طردني من محاضرة

خطابات الحسن الثاني النارية : خطاب المسيرة الخضراء أثار ضجة في الجزائر(1/2)

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات