لا يمكن للقانون وحده استئصاله مهما بلغ من تشدد وحزم (2/2) عادت المطالبات بإلغاء زواج القاصرات لتطفو على السطح مجددا في المغرب، في ظل مبادرات تشريعية ومراسلات موجهة إلى رئيس الحكومة والبرلمان ووزارة العدل ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، من أجل تعديل القانون المتعلق بزواج من هن دون الـ 18 سنة. تنتشر الظاهرة بشكل كبير خاصة في البوادي، وينظم متطوعون يعملون مع جمعية "إيطو" حلقات توعية للسكان حول المشاكل الناجمة عن تزويج القاصرات رغما عنهن، سواء على المستوى القانوني أو الصحي أو الاجتماعي، بالإضافة إلى فتح نقاشات معهم حول الموضوع، وتوزيع هبات على المعوزين، وفق تقرير سابق من وكالة "فرنس برس". لكن هذا العمل، وفقا لما تراه نجاة إيخيش، رئيسة الجمعية، "يتسم بالحساسية، نظرا لأن الموضوع يعد من المحرمات المجتمعية، ومن اللازم العمل أولا على كسب ثقة مخاطبينا، وخصوصا الإنصات إليهم». لكن فدوى رجواني، عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان في سوس ماسة، ربطت بين انتشار ظاهرة زواج القاصرات ومشكل "سلب حربة المرأة". وتقول رجواني في حديث لها، إنه سلب لحق المرأة في "التعليم، ولحقها في اختيار شريك حياتها، لأن غالبًا ما يكون زواج القاصرات رغما عنها، ناهيك عن الضرر الجسدي والنفسي على صحة الفتاة ويمكن العودة إلى أرقام وفيات النساء خلال الوضع وسترون كيف أن أغلبهن قاصرات». الاستثناء يصبح القاعدة ذكر الفريق النيابي لحزب الأحرار، في مقدمة مقترحه القانوني الذي قدمه، أن الدراسات "بينت أن 99 في المائة من هذه الزيجات لا تنجح، حيث تتعرض الطفلات إلى العنف، والمشاكل الأسرية، إضافة إلى عدم تحمل المسؤولية وعدم الدراية بالعلاقات الجنسية". ونقول إن "قانون الأسرة جعل تزويج القاصرات استثنائيا بأمر من القاضي، فيما أن الإحصائيات تثبت أن الاستثناء أصبح هو الأصل، وأن أكثر من 80 في المائة إلى 90 في المائة من طلبات الاستثناء، قد تم قبولها من قبل القضاة الذين عرضت عليهم هذه القضايا". ويرى برلماني من الفريق النيابي أنه "من الطبيعي أن يتدخل المجتمع المدني لتغيير العقليات، من جهة، ومن جهة أخرى، العمل على إلغاء هذا الاستثناء». بين القانون والدين وإن كان الفصل 19 من مدونة الأسرة المغربية المتبناة منذ 2004، يحظر زواج الفتيات اللواتي تقل أعمارهن عن 18 سنة، إلا أن مادتين في الفصل نفسه، تتيحان للقاضي فرصة القيام باستثناءات وعدم الالتزام بهذه القاعدة. وتعتبر منظمة العفو الدولية أن "هناك العديد من مواد القانون الجنائي المغربي في ما يخص المرأة، تحتاج إلى التعديل لحمايتها من العنف والتمييز». وهناك من يرى أن "القانون لوحده لا يكفي في الحد من زواج القاصرات، إذ في كثير من الأحيان يتم استغلال مواد من مدونة الأسرة في هذا الشأن، لذلك فإن مسألة تزويج القاصرات بالمغرب تستدعي معالجة شاملة تهم مجموعة من المستويات اجتماعية ثقافية وحتى اقتصادية، بالإضافة إلى ضرورة توعية أولياء الأمور بخطورة هذه الظاهرة". ويذهب البعض الآخر في الاتجاه نفسه، للقول إن "استمرار زواج القاصرات مرتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، لأن العديد من العائلات تلجأ إلى تزويج بناتها لإنقاذهن من الفقر، وأحيانا تكون البنت القاصر هي التي تطلب الزواج لإنقاذ نفسها من الوضع الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في البوادي والقرى". ونجد بعض الفاعلين الدينيين "يؤيدون هذا الزواج ويرفضون التجاوب مع الدعوات الحقوقية بتحديد سن الزواج في 18 عاما، وهذه العوامل كلها تساعد على أن زواج القاصرات لا يزال حاضرا وبنسب مرتفعة". إن "زواج القاصرات كظاهرة، لا يمكن للقانون وحده استئصالها مهما بلغ من تشدد وحزم، بل يجب النظر ومعالجة مسبباتها من خلال نشر ثقافة تجرمها وتزدريها، ابتداء من المناهج التربوية التي يجب تنقيتها من أي إشارة لإمكانية تزويج الطفلات تحت أي ذريعة ولو دينية، وهنا مطلوب من فقهاء الإسلام المعتدل والمتنور مراجعة كل التراث الديني الذي يرى في تزويج الصغيرات جزءاً من الدين". يذكر أن المادة 20 من مدونة الأسرة تنص على أنه "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على ألا يقل سن المأذون له عن 16 عاما، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي. وفي جميع الأحوال، ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج". *طالب باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط .