رسائل إلى بن طريف البرغواطي 2 الحكام الأمويون كانوا يطالبون بالمزيد من الفتيات العواتق لإرسالهن إلى الشام في كتابه "سبع رسائل إلى صالح بن طريف" يحاول الباحث والأديب شعيب حليفي إعادة كتابة تاريخ أربعة قرون ضائعة من التاريخ الرسمي المغربي، والتي تُعرف بإمارة برغواطة، ببلاد تامسنا، بمثابة رواية أخرى لما جرى انطلاقا من العودة إلى كل المصادر المعلومة. الكتاب محاولة لإعادة تركيب تاريخ في حكاية متحررة من حقائق "زائفة" بقيت طويلا، باعتبارها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية، أو عن أي سلطة خارجية.في هذه الحلقات نسافر مع صاحب "مساءات الشوق" في متنه التاريخي والأدبي، وهو يخاطب شخصية تاريخية لفها الغموض وكثرت حولها الأقاويل. إعداد: عزيز المجدوب سلاما، بويا الأكبر، صالح بن طريف المصمودي الذي رسم للحياة خزائنها المليئة بالأسرار والحكمة. سأروي لكَ ما تعرف تفاصيله، وربما تضحك مما ستسمعُ وأنت هناك في السماء، ستعجب من تأويلات جنحت بعيدا عن أصل الحكاية التي كانت فكرة صغيرة وبسيطة، ثم نمت وترعرعت كما كان ينبغي لها أن تنمو، برية ووحشية، في أرضها الصامدة والمصمودية. لماذا يريدون منك أن تكون كما ألفوا، نسخة من هذا أو ذاك؟ ولماذا لا يستوعبون أن بهذه البلاد، ومنذ أبكر الأوقات، رجالا ونساء يمكن أن يكونوا كما هم، يفكرون، ويبدعون، ويسوسون، ولهم المبادرة الحرة والشجاعة في إقامة دولة من روح وثقافة هذه الأرض. لا أعرف البداية البعيدة، ولكنني متأكد أن والدك، طريف المصمودي، أحد الأمازيغ والذي كان قائدا وكشافا، تحت إمرته جنود من الفرسان المؤمنين بالخلود، وُلد مسلما لأن أباه اعتنق الإسلام، في الحملات الأولى، وآمن بالقيم الكبرى التي هي مبادئ الأمازيغ في صراعهم الطويل مع الرومان وغيرهم من الغزاة القادمين من الشمال، ثم أصبح واحدا من حماة الإسلام والمدافعين عنه. ارتبط اسمه بالممهد الأول لفتح الأندلس، عبر تكتيك حربي لفارس متمرس، له قدرة إعطاء الإشارة لبداية تاريخ جديد في تلك البلاد. مرت سنوات الفتح، وأحس طريف بأن الأرض الراسخة التي أرسَوا مراسيها تميد بفعل ضعف القلوب والعقول، لا سيما في عهد الخليفة الأموي، هشام بن عبد الملك، الذي جعل عبيد الله بن الحبحاب واليا على إفريقيا، وبعد توليته، ولى، بدوره، عمر بن عبد الله المرادي عاملا على طنجة والمغرب الأقصى، ونصب ابنه اسماعيل عاملا على سوس وتامسنا.. كنتَ، آنذاك، شابا يافعا، وتدرك كل ما جرى. ولعلك يا صاحبي قد ضربت الأرض، ورفعتَ سيفك عاليا، وكسرت غِمده وصرخت، كما فعل ميسرة المدغري، وهو يطلق صرخة الغضب حينما ساءت سيرة الحكام، وباتوا يطالبون بالمزيد من الفتيات العواتق لإرسالهن إلى الشام، ويفرضون الضرائب الثقيلة وغير المشروعة، كأنهم في بلاد أهلها مجرد عبيد وإماء !! ألم يشأ الحاكم العربي أن يصنع كما صنع الروم بوشم أيادي حُرّاسهم من الأمازيغ ليتميزوا عن الآخرين؟ قال ابن عذارى يصف الحاكم الأموي: "وأساء السيرة، وتعدى في الصدقات والعُشر، وأراد تخميس البربر، وزعم أنهم فيْء المسلمين. وذلك ما لم يرتكبه عامل قبله. وإنما كان الولاة يخمسون من لم يُجب للإسلام. فكان فعله الذميم هذا سببا لنقض البلاد ووقوع الفتن العظيمة المؤدية إلى كثير القتل في العباد. نعوذ بالله من الظلم الذي هو وبال على أهله".( ص81). يذكر أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى سنة 967م)، والذي عاش في بغداد أيام البرغواطيين: كتبَ هشام بن عبد الملك إلى عامله على افريقية: أما بعد، فإن أمير المؤمنين رأى ما كان يبعث به موسى بن نصير إلى عبد الملك بن مروان رحمه الله وأراد مثله منك، وعندك من الجواري البربريات المالِئات للأعين الآخذات للقلوب، ما هو مُعوَز لنا بالشام وما ولاه. فتلطف في الانتقاء، وتوخ أنيق الجمال، عظيم الأكفال وسعة الصدور، ولين الأجساد، ورقة الأنامل وسبوطة العصب، وجدالة الأسوق، وجثول الفروع، ونجالة الأعين، وسهولة الخدود، وصغر الأفواه، وحسن الثغور، وشطاط الأجسام، واعتدال القوام، ورخامة الكلام. ومع ذلك، فاقصد رشدة وطهارة المنشأ. فأنهن يتخذن أمهات أولاد والسلام" (الطالبي، ص40)