المغرب الذي كان 2 كان يظهر على صهوة جواد أبيض مزين بقماش حريري أخضر مذهب بعد بلوغه سن العشرين، قرر ولتر هاريس، وهو سليل أحد أغنى العائلات البريطانية، التي تعمل في البحار، الهجرة إلى المغرب، حطت به السفينة في طنجة في 1886، ويستقر في منزل يعرف إلى اليوم بـ "فيلا هاريس"، وقد عاش لسنوات في مغرب القرن 19، التي حاك فيها الاستعمار مخططاته للسيطرة على المملكة الشريفة، وتمكن هذا المغامر المثير للجدل من اتقان الدارجة المغربية، وتشبه بالمغاربة، واعتمدته جريدة "تايمز" مراسلا لها، وخلال إقامته سيتمكن من دخول قصور السلطان، ولقاء زعماء القبائل، وترك لنا كتابا بعنوان "المغرب الذي كان"، والذي سننير بعض زواياه في هذه السلسلة من الحلقات، بالسفر بين دروب وقصور المملكة الشريفة. عصام الناصيري يستمر هاريس في سرد قصة البعثة الخاصة الإنجليزية، التي نزلت في مراكش، بالقول "لقد وجد ممثلو القوى العظمى أنفسهم واقفين برؤوسهم العارية تحت الشمس الملتهبة، أمام السلطان الذي يحتمي من الحر بمظلة ملكية"، مضيفا "ولا ينكر أحد أن المشهد كان متميزا بنكهة شرقية خالصة". يصف الراوي ساحة القصر التي يدخلها لأول مرة، قائلا "تمتد مساحة ساحة القصر، حيت يتم استقبال الضيوف على مئات الأمتار، بسواري ضخمة مزركشة، وتحيط بها جدران صفراء سميكة، وتخترقها بوابات رخامية على جانبي الساحة، وأسفل السواري تظهر الأرضيات المسطحة مرمرية الملمس، وعلى بعد أمتار تنتصب أشجار الزيتون والأكاليبتوس". بعيدا نحو الجنوب يتذكر هاريس، أن أشعة الصباح تسطع على منظر مدهش، بخلفية قمم جبال الأطلس الوردية، ومن الصعب أن يتخيل المرء مشهدا يوازي هذا الجمال، من حيث رؤية المناظر وسحر الهندسة. وسط ساحة قصر السلطان بمراكش، ظل الوزير الإنجليزي ممتطيا بغلته، محاطا برجال من القصر يرتدون جلابيب بيضاء، وخلف وفد الأوربيين بأزيائهم الموحدة، اصطفت أكياس الهدايا التي أرسلتها الحكومة البريطانية لسلطان المملكة الشريفة، بتعبير الراوي. يصف هاريس لحظة دخول السلطان على الوفد البريطاني، "صدحت الأبواق وفتحت بوابة كبيرة خضراء، وظهر خدام القصر بطرابيشهم الحمراء، وبدؤوا يعزفون على الطبول، وينفخون في الأبواق والمزامير". أخيرا سيظهر السلطان على صهوة جواد أبيض مزين بقماش حريري أخضر مذهب، بجانبه يمسك أحد الحراس مظلة مخزنية مسطحة بزركشات حمراء، مطرزة بالذهب، وبجانبهم خدم مهمتهم التلويح بأقمشة حريرية في الهواء، لإبعاد الذباب عن شخصه المقدس. يقول هاريس أن خلف السلطان كان يقف وزراء وأعيان الدولة، بملابس بيضاء خفيفة، وبجانبه العبيد والخدم واقفون على شكل حلقة تحيط بأسيادها، وعندما يمر سمو جلالته، يبادر أحد الحراس، ويصرخ بصوت مرتفع "الله يبارك فعمر سيدي"، ومع تقدم الموكب من تمثيلية السفارة الإنجليزية، ينقسم الجمع إلى فريقين، واحد إلى اليمين وآخر إلى اليسار، ويتقدم الملك مرفوقا برئيس التشريفات السلطانية وخادم والوزراء. ينحني ممثلو البعثة الإنجليزية أمام مولاي الحسن، ويحيونه، ويقدم الحاجب الوزير الإنجليزي إلى سمو جلالته الذي يرحب بقدومه، وبعدها يتلو السير وليام نص الخطاب الذي يحمله، وسلم رسائل اعتماده المغلفة بثوب حريري إلى السلطان، الذي تسلمها منه، وأدخل ثنية ثوب جلبابه بين أصابعه المقدسة، وبعد كلمات تقديم الوفد البريطاني، رحب بهم مولاي الحسن بحفاوة، قبل أن يستدير بحصانه ويغادر الساحة، متجها لإحدى القاعات الداخلية لقصره، وسط هتافات شعبه وهدير المدافع، وضجيج الموسيقى الشعبية.