برغواطة… نهاية تراجيدية

رسائل إلى بن طريف البرغواطي 1 سادس ملوكهم عبد الله أبي الأنصار كان سخيا ظريفا يفي بالعهد ويكافئ على الهدية بأضعافها في كتابه "سبع رسائل إلى صالح بن طريف" يحاول الباحث والأديب شعيب حليفي إعادة كتابة تاريخ أربعة قرون ضائعة من التاريخ الرسمي المغربي، والتي تُعرف بإمارة برغواطة، ببلاد بتامسنا، بمثابة رواية أخرى لما جرى انطلاقا من العودة إلى كل المصادر المعلومة. الكتاب محاولة لإعادة تركيب تاريخ في حكاية متحررة من حقائق "زائفة" بقيت طويلا، باعتبارها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية، أو عن أي سلطة خارجية.في هذه الحلقات نسافر مع صاحب "مساءات الشوق" في متنه التاريخي والأدبي، وهو يخاطب شخصية تاريخية لفها الغموض وكثرت حولها الأقاويل. إعداد: عزيز المجدوب الكتابة عن إمارة برغواطة أشبه بالولوج إلى رواية ملحمية ذات نهايات تراجيدية متعددة، تمنح الدّاني منها روحا متجددة، تؤمن باحتمالات الحقيقة بنفس درجة الخيال، أمام سيرة مغرب في لحظة تاريخية تنمو وسط مساحة مشرعة، الحياة فيها من حلم وواقع، ومن نهار ممتد لا يتعاقب معه شيء وإنما يسير إلى جانبه ليل طويل، كأنهما في سباق لمسافة لا معلومة من أجل الوصول إلى النهاية لتحديد البداية، هل تكون لليل ثم للنهار أم العكس؟ كتابات كثيرة تعود إلى الفترة ما بين القرن الثامن والرابع عشر الميلاديين، لمؤرخين وجغرافيين وإخباريين وبُلدانيين وأدباء وشعراء وفقهاء ورحالة، تحدثوا عن دولة، استمرت خلال كل هذه الفترة، بأخبار ومعلومات دون الاستناد إلى وثيقة واحدة، باستثناء شهادة لا يوجد لها أصل لمبعوث بُرغواطي في سفارة إلى الحَكَم المستنصر بقرطبة سنة 963م، وأخرى لنسابة أندلسي لا أثر لِما تم الاستشهاد به، عنده أو عند غيره. كما توجد أيضا تأليفات حديثة، مغربية ومشرقية وغربية، محدودة العدد، اعتمدت على تلك الكتابات القديمة، إما بالنقل والتأكيد أو بالنقد والتمحيص، في حين، أن الحاجة تدعو إلى دراسات أخرى أكثر جرأة تعتمد على تطور علوم الحفريات التي ستكون لها كلمتها، وكذلك معاودة قراءة هذا التاريخ، وملء عديد الفراغات فيه. ظهرت إمارة بُرغواطة في سياق يمتلك جُل المداخل الرئيسية لفهم أسباب وجودها واختياراتها، وبسطت نفوذها على جغرافيا عُرفت ببلاد تامسنا، الغنية بأنهارها ووديانها وبحرها، والخصيبة بسهولها وما تجود به من زروع وقطان وما عرفته من أشجار مثمرة وحيوانات وطيور وأسماك، وما ميّزها من عادات عريقة. بلاد بكل هذه المواصفات، يسكنها المصامدة وقبائل أمازيغية أخرى، حَكمها سبعة "ملوك" وتلاهم آخرون. وإذا كانت القراءة الأفقية لما كُتب عن بلاد تامسنا وأهلها تفرز استنتاجا عاما، فهو " أن أهل السُّنة (الدولة العباسية) قد قاموا بتشويه صورة طريف، مؤسس دولة بُرغواطة وأولاده، والمبالغة في تصوير خروجهم عن الإسلام؛ لكي يُنفّروا الناس منه ومن حركته ويبعثوا الحماس لمحاربيهم" غير أن في ثنايا الصفحات القليلة، عند ابن حوقل والبكري، والتي شكلت المصدر العام لباقي الكتابات، تضمينات تحمل في تضاعيفها أوصافا مشرقة للبرغواطيين، لم يكن ممكنا طمسها، ومما جاء فيها: أول ملوكهم طريف بن مالك كان على ديانة الإسلام شجاعا ومقداما. ثاني ملوكهم صالح بن طريف "كان من أهل العلم والخير". ثالث ملوكهم إلياس بن صالح و"كان طاهرا عفيفا لم يلتبس بشيء من الدنيا". رابع ملوكهم يونس بن إلياس "رحل إلى المشرق وحج"، وكان فارسا مِقداما عمل على توسيع مجال تامسنا وجعل هيبة كبيرة لبُرغواطة. خامس ملوكهم محمد أبو غفير وكان "متنسكا زاهدا تاركا الدنيا مُقبلا على الآخرة، متشددا على نفسه في الطعام والشراب". سادس ملوكهم عبد الله أبي الأنصار و"كان سخيا ظريفا يفي بالعهد ويحفظ الجار، ويكافئ على الهدية بأضعافها". أما سابع ملوكهم عيسى أبي منصور، فقد قالوا فيه بأنه " سار بسيرة أبيه". كما أن من جاء بعد سابعهم كان شجاعا ومِقداما، مات مستشهدا في الدفاع عن بلاد تامسنا وحريتها. بعد الموحّدين الذين كانت تامسنا، برجالها ونسائها، وقد طالهم الشتات في حوافّ البلاد، تقضّ مضاجعهم، تلاشى ذكر بُرغواطة. ومع المرينيين، تم التخلي عن الاسم الأول واستُعيضَ عنه باسم الشاوية دون أن تفقد الذاكرة شيئا من هويتها التي كانت حاضرة، مع تعاقب الدول. -التاريخ مثل غربال بعيون واسعة، تَسقط منه الكثير من الأشياء ولا يبقى إلا اليسير. -أين يسقط هذا الكثير ولا نُدركه اليوم بالوثيقة؟. - يسقط ليصبح سمادا يُخصِّبُ خيالنا الجمعي.. فنراه ماثلا في مجرى أيامنا. - انتظرْ.. ! في خضم هذا السماد برائحته الحارّة، سأكتبُ، رسائلي إلى صالح بن طريف. - هل عاد أخيرا .. أم يتأهبُ للعودة !! - هو لن يعود، لن يعود. ولكنه ينتظر عودتنا نحن بشغف.. وها أنا أكاتبه.

برغواطة… نهاية تراجيدية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

النصـب علـى البنـوك... "زيـدوه فيلـة"

رد البال

مقالات ذات صلة