التغطية الصحية مهددة بالفشل

الخبير بونوال: لا عذر للحكومة في الإخفاق في تنزيل هذا الورش الملكي الاجتماعي قال يوسف بونوال، المتخصص في الصحة العمومية والتغطية الصحية، إنه رغم تحديد فاتح دجنبر 2022، للاستفادة من التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، فإن تنزيلها على أرض الواقع صادف مشاكل عديدة، ما يهدد بألا ينعكس على التصور الإستراتيجي الذي وضع قبليا من أجل تسطير هذا الورش الملكي الاجتماعي. وأكد الخبير أن الحكومة وقعت في خطأ، وهو رغبتها في تعميم التغطية الصحية، رغم تدني الجودة وعدم وجود أطقم بشرية وطبية كافية، وغياب مراكز استشفائية قريبة من المواطن، تنضاف إلى ذلك، إشكالية الحكامة، من خلال التأخر في تفعيل مؤسسات متخصصة إلى الوجود، من قبيل الهيأة العليا للصحة ومجموعة من الوكالات لتدبير العرض الصحي، مبرزا أن تمويل المشروع يبقى من أهم الإشكالات المثارة لضمان استدامة دائمة للعرض الصحي، طالبا جميع الخواص بالمساهمة إلى جانب الدولة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي الذي تبناه المغرب بعد جائحة "كورونا". في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: مصطفى لطفي - تصوير (عبد اللطيف مفيق) < تعميم التغطية الصحية هو مشروع ملكي بامتياز. الملك باعتباره رئيس الدولة الضامن للاستقرار الاجتماعي للمغاربة أخذ المبادرة من أجل أن يستفيد كل المواطنين من التغطية الصحية، وبالتالي فهذه الضمانة الملكية تلزم جميع المتدخلين الذين سيشرفون على عملية التنزيل بضرورة توفير الشروط الكفيلة من أجل إنجاحه. لكن رغم اعتبار فاتح دجنبر 2022 يوما تاريخيا، لأن جميع المغاربة من هذا التاريخ أصبحوا مستفيدين من التغطية الصحية كيفما كان وضعهم الاجتماعي والمهني، إلا أنه تصادفه مشاكل وعراقيل. للأسف الحكومة الحالية، وهي حكومة " كفاءات " كما تدعي، لم تستفد من خلاصات تقريرين مهمين حول موضوع الحماية الاجتماعية لمؤسستين لهما أهمية في رصد ودراسة المشاريع الكبرى المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تقريرا المرصد الوطني للتنمية الاجتماعية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ماهي أهم الخطوط العريضة لهاذين التقريرين؟ > التقريران خلصا إلى أن التغطية الصحية تعاني اختلالين هيكليي، وهما ضرورة توفير التمويل الكافي لضمان الاستدامة في تقديم الخدمات الصحية، وكذلك التوفر على حكامة في تسيير المؤسسات المرتبطة بمنظومة الصحة العمومية والحماية الاجتماعية. ورش التغطية الصحية يدخل في إطار الدولة الاجتماعية، والتي يجب توفير شروطها، أولها تفعيل الفصل 31 من الدستور المتقدم، دستور 2011 الذي يمنح الحق في الرعاية الصحية لجميع المغاربة وفي كل مناطق المغرب، أي أنها صارت حقا من الحقوق الأساسية المرتبطة بالمواطنة. يلاحظ وجود تعثر في تفعيل هذه المبادرة على أرض الواقع؟ > الموضوع الذي يثير التخوف هو أجرأة وتنزيل التغطية الصحية، بصفتي مختصا في الصحة العمومية والحماية الاجتماعية، متخوف ألا ينعكس هذا التنزيل على التصور الإستراتيجي الذي وضع قبليا من أجل تسطير هذا الورش الاجتماعي، للأسف هناك بوادر تحيل على هذا التخوف، منها أن العديد من المواطنين الذين استفادوا من "راميد"، ويتجاوز عددهم عشرة ملايين، تحولوا بشكل مباشر إلى نظام التأمين الإجباري على المرض "أمو"، وهو ما طرح إشكالات عديدة منها أن "أمو" يشترط مقابلا ماديا للخدمات الصحية، في حين أن نظام "راميد" قسم المستفيد منه إلى فقير معفي من الأداء وهش، يؤدي قسطا محددا مقابل الاستفادة من الخدمات الصحية. ما حدث أن العديد من المستفيدين من "راميد" صاروا ملزمين بالمساهمة في النظام الجديد بمساهمات لا تقل عن 120 درهما شهريا لكل عائلة، بل هناك من وجدوا أنفسهم مطالبين بمبالغ كبيرة تراكمت لشهور، وهو ما تسبب في ارتباك وبلبلة وعدم الثقة في هذه المبادرة الاجتماعية القيمة، في حين أن أهم عنصر لنجاحها هو الإيمان بها من قبل المواطنين. تدني جودة العرض الصحي في نظرك هل 51 مليار درهم قادرة على تمويل هذا المشروع الضخم؟ > مسألة التمويل تبقى من النقط المثيرة التي يطرحها تنزيل هذا الورش الاجتماعي الإستراتيجي، إذ أن ميزانيتها محددة في 51 مليار درهم في أفق 2025، مع تخصيص غلاف في حدود 14 مليارا من أجل تمويل تكلفة التغطية الصحية خلال السنة الجارية 2023، ليرتفع الغلاف إلى 51 مليار درهم، إذا أضفنا التعويضات العائلية والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل. سيتم التمويل بنسبة 50% اعتمادا على مساهمات المستفيدين، والباقي ممول من قبل ميزانية الدولة. التمويل يعد شرطا هيكليا وليس ظرفيا، لأن المشكل الذي يعانيه العرض الصحي هو تدني الجودة وعدم وجود أطقم بشرية وطبية كافية، وغياب مراكز استشفائية قريبة من المواطن، كل هذا في حاجة إلى نظرة إستراتيجية في عملية التمويل لضمان استدامة العرض الصحي. في ما يخص الحكامة، هناك مشروع تأسيس الهيأة العليا للصحة ومجموعة من وكالات لتدبير العرض الصحي، إلا أن كل هذه الخطوات ما زالت متأخرة، ربما تعود إلى ترقب صدور مراسيم وقوانين تؤطر هذه المؤسسات، وبالتالي لا يمكن الحديث عن نجاح الورش دون وجود حكامة موازية تسهر على عملية تسييره. تجويد العرض الصحي انتقدت جهات الحكومة بتسرعها في إنزال هذا المشروع، هل هذا صحيح؟ > فعلا كان هناك تسرع وسرعة في عملية تنزيل التغطية الصحية، بحكم وجود سقف زمني من أجل تعميمها على الجميع في نهاية 2022، هذه المبادرة لا تقتصر فقط على التغطية الصحية، بل تمتد إلى الحماية الاجتماعية في أفق 2025، أي أن يستفيد المغاربة من حق التقاعد. الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة، هو رغبتها في تعميم التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، دون الأخذ بعين الاعتبار معطى أساسي، وهو العرض الصحي، الذي للأسف لم يهيأ بشكل متميز، يمكنن أن يستفيد منه المغاربة بجودة عالية، سيما أن جميع المنظمات العالمية، من بينها منظمة الصحة العالمية، تركز على أربع توصيات من بينها تجويد العرض الصحي وأيضا الولوجية، بصيغة أخرى، نتساءل، ماذا قدمنا للمواطنين البعيدين عن المركز أو القاطنين في القرى والأرياف، والذين يشكلون قوة وكثافة سكانية مهمة، خصوصا أنه لا يجب التمييز بين المغاربة في الاستفادة من الخدمات مهما كانت، فالكل سواسية حسب الدستور. يجب تدبير العلاقة بين القطاعين الخاص والعام هل سيكون للمصحات الخاصة دور في هذا الورش؟ > هذه معضلة أخرى أيضا، فالعلاقة بين القطاع العمومي والخاص في الصحة، على الحكومة تدبيرها بشكل طارئ، سيما وسط الجدل المثار حول التعريفة الوطنية المرجعية، والتي لا يمكن الحديث عن نجاح هذا الورش دون الحسم فيها نهائيا، لهذا يجب أن يكون هناك حوار مسؤول بين جميع المتدخلين في القطاع الصحي العمومي والخاص، ويجب تغليب الحس الوطني ومراقبة وتفعيل القانون، لتوفير عرض صحي متميز يحترم آدمية المغاربة، وهو لن يتحقق في حال عدم إشراك القطاع الخاص في هذا الورش. يجب أن نحتكم للمؤشرات الرقمية والنتائج، فهي تشير إلى ضرورة الرفع من ميزانية قطاع، إلى 12 في المائة من الناتج الداخلي الخام، التي حددتها منظمة الصحية العالمية، كما أن مؤشر معدل التنمية البشرية لا يجب أن يبقى في رتب متأخرة، إذ يجب تنزيل الرؤية الإستراتيجية لـ2013، والتي كان من بين أهدافها وجود مراكز استشفائية جهوية بكل الجهات. احتقان اجتماعي < لا عذر للحكومة في عدم إنجاح هذا التنزيل، أولا، لأن هناك احتقانا اجتماعيا، ورغبة ملحة للاستفادة من الخدمات الصحية، ثانيا توفرها على جميع الضمانات لذلك، أهمها الضمانة الملكية، والنص الدستوري الذي سيقطع الطريق على أي تنظيم سياسي يحاول المزايدة على هذا المشروع أو استغلاله سياسيا لأهداف انتخابية، ما يعني أن جميع الأحزاب السياسية سواء في الأغلبية أو المعارضة، عليها أن تتوحد وتوفر الظروف الكاملة لإنجاحه، ينضاف إلى ذلك، أن الحكومة تصف نفسها بحكومة "الكفاءات"، والتعريف اللغوي لكلمة كفاءة هو الإنسان القادر بوسائل مادية وبشرية على تحقيق النتيجة المرجوة. يجب دعم المشروع ماليا هناك قولة شهيرة للمغاربة وهي "الهم كي هزوه غير ماليه"، والحس الوطني لا يمكن المزايدة عليه من قبل أي كان، شرط أن يلمس الواقع، مثلا هناك مجموعة من المؤسسات الاقتصادية،بنوكا أو مجموعات اقتصادية أومؤسسات صناعية، استفادت كثيرا من قوانين تحفيزية والظروف والجو العام الذي يميز الاقتصاد الوطني. حاليا المغرب في حاجة ماسة لمساهمة هؤلاء جميعا في إنجاح هذا الورش، لأن بوجود سلم اجتماعي، وعلى رأسه استفادة المغربي من الرعاية الصحية، سيكون له أثر مباشر على الاقتصاد المغربي، إذ سنكون أمام مستهلك مثالي، نجح في توفير مصاريف العلاج، ما سيمكنه من الرفع من مستوى إنفاقه دون قيود، لأنه حسب الأبجديات الاقتصادية، إذا كان الاستهلاك ضعيفا فهذا يؤدي إلى حدوث أزمة اقتصادية، وهو ما لاحظناه خلال أزمة جائحة كورونا، إذ لحسن الحظ تدخلت "هيبة" الدولة في تدبير المرحلة، والنتيجة أن ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية تقوت بشكل غير مسبوق، وصارت إيجابية جدا على نقيض فترة ما قبل كورونا، وبالتالي هذه الثقة يجب أن تستمر بشكل إيجابي، على أساس أن كل من له الإمكانية والقدرة، عليه أن يعمل على إنجاح هذا التنزيل، عبر المساهمة المالية إلى جانب الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، لضمان عرض صحي مستدام، لأن الصحة العمومية من الشروط الضابطة لما هو اجتماعي، وفي غيابها لا يمكن الحديث عن سلم اقتصادي أو سياسي، الذي يتميز به المغرب حاليا. وهذه مؤشرات إيجابية يمكن أن تستثمر حتى يتسنى للكل أن يساهم في توفير الظروف الملائمة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، الذي صار شعار الدولة ما بعد مرحلة جائحة "كورونا"، وذلك بسلم اجتماعي، آليته الفعلية، توفير التغطية الصحية. ورطة رئيس الحكومة هناك مجموعة من المؤشرات السلبية أثناء تنزيل التغطية الصحية، إذ تكفي زيارة مكاتب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتلاحظ اكتظاظ المواطنين للاحتجاج على مبالغ مالية ملزمين بدفعها للاستفادة من هذا النظام الصحي الجديد، والأمر نفسه حدث عندما حلوا بالمستشفيات، وألزموا بدفع مقابل للعلاج، وهو ما يتعارض مع ما علموا به أن الجميع يحق له الاستفادة من العلاج انطلاقا من فاتح دجنبر 2022. كما أن تصريحات رئيس الحكومة في هذا الموضوع، كانت في غير محلها، عندما شدد على أن على الجميع أن يؤدي مساهمة مقابل العلاج، في حين كان عليه أن يترفع عن ذلك، لتفادي خطاب تيئيسي، كأنه يقول للمغاربة من سدد سيستفيد من العلاج ومن لم يفعل يحرم منه، لهذا يجب أن تكون هناك سياسة تواصلية لتوضيح العديد من الأمور للمواطنين، من قبيل، أن بداية أي مشروع كبير وطموح مهما كان، ومنه طبعا تعميم التغطية الصحية، سيعرف مشاكل في بدايته لن تتجاوز شهرين على الأكثر، رغم أنه في الواقع مرت أربعة أشهر على تنزيل التغطية الصحية، ومازلنا لم نستطع تجاوز أغلب مشاكلها. في سطور - دكتور في الاقتصاد التطبيقي - متخصص في الصحة العمومية و التغطية الصحية - خريج جامعة السوربون تخصص "دمقرطة الصحة" - حاصل على ماستر في القانون المقارن من جامعة بيربينيون - حاصل على ماستر متخصص في المالية الصغرى من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء - سلك الدكتوراه تخصص القانون العام - مسير لمجموعة من المقاولات - عضو المجلس الوطني لحزب الحركة الشعبية

التغطية الصحية مهددة بالفشل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الحبس لرئيس جماعة سابق

القضاء ينتصر للأم الحاضنة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات