“الـبـراريـك” تـهـزم الـدولـة

الحكومة ترفع الراية البيضاء وتقر باستحالة القضاء على مدن الصفيح دون "تربية" رجال السلطة لجأت الدولة وأجهزتها الأمنية، يوم الثلاثاء 2 يونيو الجاري، إلى الحل السهل، حين قررت اللجوء إلى استعمال القوة العمومية لفض تجمع سكاني بكاريان سنطرال بالدار البيضاء يرفض قاطنوه إخلاء المكان، رغم صدور أحكام قضائية بالإفراغ صادرة في حق سكان 42 براكة وكوخا صفيحيا بالمكان نفسه ، ما تسبب في مواجهة بين المعنيين والعناصر الأمنية بمختلف تشكيلاتها، كادت تتطور إلى مأساة، حين صعد شاب إلىسطح براكة وهدد بصب قنينة بنزين على جسده وإشعال النار فيه.وعوض أن ينتهي التدخل الأمني إلى حل المشكل وتنفيذ الأحكام القضائية المعلقة، زاد تعقيده أكثر، حين فتح لحوالي 24 شابا من قاطني الكاريان نفسه ملفا قضائيا جديدا بعد اعتقالهم بتهمة العصيان وتهديد القوات العمومية، علما أن السلطات الإدارية حاولت إعطاء توضيحات حول الحادث، حين وصفت مطالب الرافضين في الانخراط في عملية إعادة الإيواء بالمطالب التعجيزية، التي "لا تستند على أي أساس قانوني، تحركها أطماع شخصية ومضاربات عقارية، في الوقت الذي قدمت لهم المصالح المختصة كل التسهيلات وفق ما يسمح به القانون".وعادت الولاية، لتبرير هذه التوضيحات، إلى إحصاء سنة 2008، إذ بلغ عدد البراريك المحصية بكريان سنطرال إلى 4640 براكة كانت تقطن بها 6902 أسرة، هدمت منها إلى غاية ثاني يونيو الجاري 3926 براكة، أي بنسبة تقارب 90 في المائة، مضيفا أن كل الأسر المستوفية للشروط استفادت إما من بقعة أرضية، أو من شقة لا يتعدى سعرها 100 ألف درهم، علما أن ثمنها في سوق العقار يفوق 350 ألف درهم.لكن التوضيح الأهم الذي كان من المفروض أن تدرجه الولاية في بلاغها، يتعلق بمسؤولية جهات أخرى، غير السكان والمستفيدين، يعرف الجميع أن مصلحتها تكمن، بالضبط، في استمرار هذه الفظاعات واستنبات أكبر عدد ممكن من البراريك والتجمعات العشوائية.هذا الوضع، يحسب لنبيل بن عبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، جرأة التعبير عنه بصوت مرتفع، حين اتهم أعوان السلطة المحلية بعرقلة البرنامج الوطني لمحاربة السكن غير اللائق، مؤكدا، في لقاء رسمي داخل قبة البرلمان، أن جزءا كبيرا من اختلالات مشروع مدن بون صفيح تتحمل مسؤوليته السلطات المحلية بمختلف المدن. ولم يتردد بنعبد الله، في كشف توفره على اعترافات محلية تؤكد أن الملف يعاني ممارسات فاسدة، في إشارة إلى أعوان السطة، خاصة الشيوخ والمقدمين.وكشف بنعبد الله عن عدد من المعطيات الصادمة، حين قال إن الحكومة تملك إرادة قوية وبرنامجا فعالا تشتغل على تنزيله بكل عزم من أجل إنهاء ملف دور الصفيح، لكن إرادة أخرى تعاكس هذا الطموح وتعمل على استنبات دور صفيح جديدة ضدا على القانون، موضحا أن الحكومة أحصت في البداية ما مجموعه 270 ألف أسرة تستقر بدور الصفيح، وتم إسكان 230 ألف أسرة من أصل 270 ألفا، واكتشفت الحكومة، في إحصاء جديد، استنبات 100 ألف براكة و376 ألف أسرة عوض العدد السابق، الذي لم يكن يتجاوز 270 ألف أسرة. وتعي الدولة جيدا صعوبة القضاء على مدن الصفيح في الأجل المنظور، لأن الأمر يتجاوز بكثير مجرد إجراءات إدارية ومشاريع قوانين وبرامج وشراكات للسكن وإرادة ورؤية مهما بلغ وضوحها، ويلتقي عند حدود نظام فاسد يمد أذرعه الأخطبوطية في جميع الإدارات والمصالح والوزارات ويمتد إلى مختلف المدن المغربية، وأنتج لنفسه مقومات الصمود والمقاومة ضد جميع السياسات والنوايا والتوجيهات التي تردد منذ بداية القرن الجاري شعار "مدن بدون صفيح".إن المشكل سياسي في العمق بسلوكات قديمة تتربى وتعيش في أحواض كبيرة مزودة بخراطيم الأوكسجين التي تستمدها من صمت وتواطؤ عدد من المسؤولين الذين يوفرون الحماية إلى بعضهم في احترام تام للتسلسل الإداري.يوسف الساكت

“الـبـراريـك” تـهـزم الـدولـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ولاة وعمال في قفص الاتهام

الربيع العربي...ربيع البناء العشوائي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات