اتساع دائرة مجتمع الشارع يهزم مؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية ليست هناك أرقام رسمية بخصوص عدد المشردين بالمغرب، إذ في الوقت الذي تقول فيها تقارير حكومية إن عددهم لا يتجاوز عتبة 4 آلاف شخص، تقدر منظمات الإغاثة أن العدد يفوق 6 آلاف قاسمهم المشترك البيئة المتردية والأوضاع المزرية، في حين تحذر إحصاءات دولية من تزايد نسبة الأطفال والمراهقين في صفوف مجتمع الشارع. وأغلب هؤلاء المشردين من الذكور، إذ لا تشكل الإناث إلا نسبة ضئيلة لكنها في تزايد، ذلك أنه من أصل عينة تتألف من 8 آلاف طفل، وجد باحثون أن نسبة 46 في المائة منهم لم يبلغوا سن السادسة قد تعرضوا لاعتداء جنسي بالعنف، وغالبا ما يكون صادرا عن مشردين بالغين أكبر سنا من الضحايا، إذ اشتكت عينة من 600 طفل من اغتصابات متتالية وجماعية أو استغلال جنسي أو اعتداء مادي. ويأتي التسول في مقدمة الأعمال التي يزاولها المشردون بنسبة 18 في المائة، يأتي بعدها مسح الأحذية وبيع الأكياس البلاستيكية بـ 15 في المائة وغسل السيارات بـ 13 في المائة ثم السرقة بـ 6 في المائة، كما تفيد بعض الأرقام الرسمية الصادرة بمناسبة الملتقى العربي الإفريقي حول الاستغلال الجنسي للأطفال. ويعاني معظم المشردين مشاكل صحية وأمراضا متنوعة، والتي غالبا ما تكون مزمنة، منها: مرض السرطان، والأمراض التناسلية والمنقولة جنسيا، وأمراض تتعلق بسوء التغذية، والإصابة بالطفيليات، وأمراض الأسنان واللثة، وأمراض المفاصل التنكسية، والتهاب الكبد، والتليف الكبدي، والدوالي أيضا وتعزى إصابتهم بالأمراض السابقة إلى العديد من الأسباب، أبرزها عدم تمكنهم من زيارة المستشفى أو المراكز الصحية، وافتقارهم للنظافة الشخصية، بسبب قلة الوعي حول مدى أهميتها، بالإضافة إلى النوم في الخارج بمختلف الظروف الجوية، وتناول الأطعمة قليلة القيمة الغذائية، والعيش مع آخرين يفتقرون للبيئة الصحية بشكل كامل. وبخصوص الصحة النفسية يصبح الشخص المشرد عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض النفسية، كانفصام الشخصية، والاكتئاب والقلق والاضطراب الثنائي القطب والاضطرابات المتعلقة بتعاطي المخدرات، وتشير معظم الدراسات الميدانية إلى أن الأمراض العقلية والتشرد تخضع لعلاقة وثيقة، والتي يمكن وصفها بالعلاقات الثنائية الاتجاه. ووصلت خطورة الوضع حد استنفار البرلمان، إذ تساءل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، عبر سؤال كتابي، عن أدوار ونجاعة مؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية، ومراكز الإيواء، "خاصة أن ظاهرة التشرد بأبعادها ومخاطرها المتعددة، تهدد جديا طمأنينة وسكينة وسلامة المواطنات والمواطنين في الفضاءات العامة، وتتطلب ضرورة تبني مقاربة شاملة ومتكاملة لمواجهتها". وشكك الفريق المذكور في مدى فعالية التدابير والإجراءات المتخذة بتعاون مع باقي السلطات العمومية المعنية للحد من هذه الظاهرة، والحلول اللازمة للتصدي الفعال والناجع لها. واتسعت دائرة انتشار ظاهرة التشرد باختلاف النسب والظروف حسب المناطق والجهات، خاصة في ضواحي المدن الكبرى التي أصبحت شوارعها وفضاءاتها العامة والخاصة ملجأ كل من لا مسكن له، بالمبيت بأبواب العمارات، والمحلات التجارية، وبالدور المهجورة والآيلة للسقوط، وبمداخل المؤسسات العمومية والتي في طور البناء، الأمر الذي يطرح إشكاليات عدة من خطر على هؤلاء المتشردين، ومن حماية للفضاء العام والمواطنين. ياسين قطيب