من 1914 إلى 2014… قرن من المشاريع والإنجازات

من ملجأ للمتقاعدين في عهد ليوطي إلى قطب عالمي للاستثمارات الخارجية خلال الفترة التاريخية الممتدة بين 1914 إلى 2014، عرفت الجديدة عاصمة دكالة عدة تحولات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية، نقلتها بسرعة فائقة وملحوظة من مدينة كان يريدها المقيم العام الفرنسي ليوطي شبيهة بدوفيل الفرنسية، مدينة متقاعدين وتجمعا سكانيا يعيش على ما تنتجه العملاقة الدارالبيضاء، إلى مدينة تستهوي بفرصها الاستثمارية وتجذب بمنتوجها الثقافي والسياحي وتسحر بنموها الآخذ في تزايد. ويمكن تقسيم مئوية الجديدة إلى ثلاث فترات تاريخية متميزة عن بعضها البعض بالنظر إلى خصوصياتها: الفترة الأولى من 1914 و1956 خلال هذه الفترة رزخت الجديدة وكباقي المملكة المغربية تحت وطأة الحماية الفرنسية ، وكان يحلو للفرنسيين تسميتها مازكان تحريفا لاسمها البرتغالي مازكاو الذي كان أعطي لها منذ سنة 1541 ميلادية . مع دخول الفرنسيين إليها اتضحت نواياهم بداية الأمر في الإبقاء عليها منتجعا سياحيا هادئا شبيها بدوفيل الفرنسية ، يكون ملاذا للمتقاعدين منهم لينعموا بالهدوء والسكينة وهي نية تجلت واضحة في اللوحة النحاسية التي تم تثبيتها في حديقة ليوطي محمد الخامس لاحقا. تذكر المصادر أن سكان الجديدة سنة 1914 لم يكن يتجاوزون 14 ألف نسمة وذلك يرجع إلى ماذكرته الطبيبة الفرنسية دولانوي أو مدام شابو إلى كثرة الأوبئة المعدية ومنها التيفوس والجذري والسل والطاعون ، والتي فتكت بأعداد لاحصر لها من الساكنة وجعلت أمد الحياة جد قصير . الأمر الذي دفع سلطات الحماية إلى بناء أول مستشفى بالمغرب سنة 1916 يحمل لاحقا إسم بطل التحرير محمد الخامس ، وعززته سنة 1920 بمستشفى لازاريت للأمراض المعدية سيدي يحيى . وكانت الصيدليات الأولى بداية الثلاثينات على يد مانيتي وكرار والإيطالي أنكراو، وكانت فرنسا تهدف من وراء ذلك توفير بيئة صحية خالية من الأمراض لفائدة رعاياها الذين لم يكن يتعد عددهم يومذاك 697 فردا. وبموازاة مع ذلك شيدت السلطات الفرنسية مجموعة من المرافق التي كانت تلبي حاجة الفرنسيين بمدينة الجديدة. ونظرا للنشاط التجاري لها وخاصة المرتبط به بالميدان الفلاحي ، إذ ذكرت المدونة المغربية للتجارة الخارجية ، أن الجديدة كانت أول مصدر للبيض على الصعيد الوطني ومن تجاره بن الشرقي مولاي سعيد ومولاي امحمد ومايير أبرجيل وأبرجيل بنحاس وحسب الباحث الجيلالي ظريف فإن الجديدة صدرت سنة 1919، 108 مليون وحدة من البيض ، وأن شارع ألبير الأول الذي سيصبح شارع محمد الخامس بعيد الاستقلال هو الذي كان يتحتضن مجموعة من الهرية والشركات الصغيرة التي كانت متخصصة في تهيئة المنتوجات افلاحية لتصديرها نحو الوطن الأم فرنسا.وارتباطا بذلك بادرت فرنسا سنة 1917 إلى بناء بنك دولة المغرب ببناية اسحاق برودو التي هدمت سنة 1986 وأصبحت الآن هي قيسارية النصر ، وفي سنة 1924 بني المقر الجديد للبنك بشارع محمد الخامس. في سنة 1921 تم بناء مقر لأول مكتب شريف للبريد والتلغراف ببناية مايير كوهين المحاذي لسينما مدام ديفور. في سنة 1923، أكملت فرنسا بناء المسرح البلدي، وفي التاريخ ذاته كذلك بناء أول قاعة رياضية مغطاة بالمغرب أطلقت عليها قاعة البلدية للأفراح تحمل الآن اسم المرحوم نجيب النعامي. في الفترة بين 1925 و1930 كانت البدايات الأولى لأول حي صناعي نهاية سيدي الضاوي ، انتشرت به ماكينة الشرويطة لصناعة الجوارب والأغطية لجنود الحلفاء المشاركين في الحرب العالمية الثانية بين 1939 و1945 ومجموعة من الفابريكات لتصبير منتوجات فلاحية وسمكية كانت تصدر نحو فرنسا عبر ميناء المدينة. في سنة 1938 شيدت خامس محافظة عقارية على الصعيد الوطني وذلك لتسهيل الاستعمار الخاص لأجود الأراضي الفلاحية بدكالة. وفي سنة 1952 ستقوم شركة باكي الفرنسية ببناء فندق مرحبا على شكل مركب بحري من تصميم مهندس إسباني ، وفي السنة نفسها بنيت قاعة السينما مرحبا . وكل هذه المباني والمصالح كانت في اتجاه تلبية حاجية الجالية الفرنسية والأوربية التي كانت تتوافد على الجديدة. وهذا التوسع الذي عرفته الجديدة كان يخضع لأول تصميم تهيئة للمدينة كان صدر سنة 1918 وعلى أساسه حددت التنمية المجالية للمدينة لفترة امتدت إلى سنة 1936. المرحلة الثانية من 1956 إلى 1983 تميزت هذه المرحلة التي امتدت على مدى باعتماد الجديدة في جميع حاجياتها على الدارالبيضاء، على خلفية أن ميناء هذه الأخير همش بشكل كبير الوظيفة التي كانت لميناء الجديدة وبالتالي انكمش الدور الذي لعبته الجديدة في المرحلة الاستعمارية ، وظلت كما أرادها ليوطي مدينة سياحة صيفية لجيرانها المراكشيين تستيقظ صيفا لتنام بقية فصول السنة. وفي سنة 1969 سيتم الإعلان عن إحداث إقليم الجديدة ، وهو حدث تاريخي سيكون الخطوة الأولى التي تمهد للجديدة أن تنهي العيش في معطف الدارالبيضاء، وبذلك سيتقبل بيرو عرب أول مقر للعمالة، صالح المزيلي أول العمال ليتعاقب إلى الآن كل من أحمد الفيزازي وكمال الكانوني والعلوي لمراني والمتقي الله ومولاي العربي الوزاني ومحمد الكراوي وفريد الوراق وأحمد عرفة وأحمد شوقي ومحمد الفاسي الفهري وإدريس الخزاني ومحمد اليزيد زلو وبصفة مؤقتة مولاي أحمد الوزاني فالعامل الحالي معاذ الجامعي ، وتعاقبت مجالس بلدية منذ أول رئيس للبلدية موسى سعيد ومرورا بعبدالكريم الخطيب ومحمد أرسلان الجديدي والطاهر المصمودي ومحمد أرسلان لجديدي وأحمد فيصل القادري وعبداللطيف التومي وجمال بنربيعة إلى عبدالحكيم سجدة. الفترة الثالثة من 1983 إلى 2014 تعد هذه الفترة حاسمة ومسؤولة عن التحولات الكبرى والعميقة في البنى الديموغرافية والعمرانية والإقتصادية الاجتماعية ، فخلال 30 سنة تمكنت الجديدة أن تنمو في صمت رهيب ، ليكتشف الكل أن عملاقا آخر ولد هذه المرة جنوب الدارالبيضاء وبوظائف هذه الأخيرة بل منافسا لها عاصمة لثاني قطب اقتصادي بالمملكة. حدثان هامان الأول سنة 1984 ويتعلق بانطلاق أنشطة الجرف الأصفر كأكبر ميناء معدني بإفريقيا والجرف الأصفر، والثاني سنة 1989 أرخ لميلاد جامعة شعيب الدكالي، على أساسهما وقعت كل التحولات العميقة في البنية الديموغرافية للمدينة التي كانت تعتمد سابقا على تزايد طبيعي للولادات ، فغذت تستقبل توافد ساكنة من مختلف تراب المملكة بحكم أنها انتقلت من الوظيفتين السياحية والفلاحية إلى الوظيفة الصناعية والجامعية، ومنذ ذلك الوقت بدأ عمران المدينة يتحول ومدارها الحضري يتوسع ليتجاوز منذ 1984 ليتعدى مقابر موتاها باسيدي بوافي وسيدي موسى وسيدي الباين والروضة الجديدة والتي كانت هي حدود المدينة ، ومنذ ذلك الوقت توسعت المدينة جهة السعادة وكدية بن إدريس والقدس والجوهرة وقرب الكليات والنجد والسلام وملك الشيخ لتعرف أكبر طفرة عمرانية سنة 2011 ببناء حي جديد بالمطار بوأ الجديدة أن تكون أكبر أوراش البناء على الصعيد الوطني ، وكان من الطبيعي مقارنة ب1914 أن يتضاعف سكان المدينة 80 مرة عندما يتجاوزون اليوم 160 ألف نسمة. لكن من غرائب هذه المدينة أنها استطاعت بين 2010 و2014 و بالسرعة النهائية أن تصل إلى نادي المدن الفاعلة اقتصاديا وثقافيا بالمملكة السعيدة ، فخلال فترة أربع سنوات امتلكت مواصفات مدينة عصرية تستجيب في خدماتها للمعايير الدولية ، بداية باستصلاح المسرح البلدي سنة 2011 وجمالية المدخل الجنوبي وافتتاح المستشفى الجديد وبداية الخدمات الطبية الاستعجالية وتدشين الوحدة التجارية مرجان ومركب العدالة والامتداد العمراني جهة المطار ، كانت كلها تحولات مجالية هامة جعلت المدينة تنشر أنشطتها وحيويتها عبر كل أطرافها بعد أن كانت متركزة على النواة القديمة لها وبشارع محمد الخامس وما يتفرع عنه من دروب. وكان التحول الثقافي بمهرجان جوهرة وملحونيات وغيرهما ، أكسب الجديدة أجندة ثقافية متنوعة ، جعلت الفعل الثقافي رافعة أساسية للاستقطاب السياحي الذي تدعم بمنتجع مازكان وبانفتاح الجديدة على الدارالبيضاء بواسطة الطريق السيار وبإشراف العامل معاذ الجامعي على تفعيل اتفاقية تنمية بلاد بولعوان. وفي ما يشبه الختم فإن الجديدة مدينة للملوك العلويين في جميع مراحلها التاريخية، فعلى يدالسلطان سيدي محمد بن عبدالله تحررت سنة 1769 وعلى يدالمغفور له الحسن الثاني انطلقت وفي عهد جلالة الملك محمد السادس نصره الله نمت وازدهرت عاصمة لإقليم عنوانه أرض الاستثمارات والفرص الواعدة.

من 1914 إلى 2014… قرن من المشاريع والإنجازات

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إقليم الجديدة يوفر المناخ الملائم للاستثمار

توأمات الإقليم خبرات متبادلة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات