الأحزاب وسوء فهم الشأن الانتخابي

يفترض أن يركز النقاش بشأن التقطيع الترابي حول نموذج الجماعة التي نريد، سواء تعلق الأمر بالصلاحيات أو الاختصاصات التي تمارسها أو الإمكانيات التي توفرها لها الدولة للقيام بأعمالها، وكذا توفير الشروط لها باعتبارها كيانا قائم الذات يستطيع الاعتماد قدر المستطاع على إمكانياته الذاتية. إن الأمر يتطلب نقاشا عموميا يشارك فيه كل الفاعلين السياسيين، فلا يمكن أن نتصور نقاشا بناء ينحصر في خلفيات الإعداد البشري أو المجالي، أو نقاشا يدور في حلقة فارغة تهم عدد الكيلومترات في الدائرة ومساحتها وحدودها الترابية، بل إن النقاش الحقيقي يجب أن يكون حول الأدوار المنوطة بالجماعة الترابية وبالمنتخب، وهو نقاش بدأ فعلا مع موضوع الجهوية لكنه عاد أدراجه إلى منطق الاستفراد بالقرار.لا يختلف اثنان حول أمرين، أولهما ضعف البنية الحزبية بالمغرب، سواء كذات تنظيمية أو كحامل للأفكار والمبادرات، فالأحزاب السياسية منتجة لرد الفعل وليس الفعل، ولعل الخلاف الدائر الآن حول التقطيع الترابي، وسلطات وزارة الداخلية فيها، نموذج على أنها ترد على فعل جس النبض حول نمط الاقتراع ولم تبادر للفعل منذ مدة بعيدة عن الاستحقاقات لتطرح المقترحات والبدائل في هذا الموضوع أو غيره. فهي تبدو مرة أخرى، كأنها كانت تنتظر مبادرة ملكية في التقطيع الانتخابي أيضا. الأمر الثاني، الذي يحد من دور الأحزاب في مجال التقطيع، يكمن في الافتقاد إلى معطيات دقيقة محينة حول حقيقة الوضع المجالي بالمغرب. فهل ما كان يعرف بالمناطق الفلاحية بالمغرب ظل قاعدة ثابتة؟ ما هي وضعية المخزون المائي وخريطته؟ الموارد الباطنية ومكانها، الثروة البشرية، تمركزها وأنشطتها وأوضاعها؟ الثروة الاقتصادية مراكزها ومرتكزاتها؟ أسئلة وأخرى، تشكل مجتمعة قاعدة ضرورية لتقطيع ترابي يخدم التنمية والاستقرار. ومن هنا يطرح السؤال المركزي، أي جماعة ترابية نريد؟ فإذا كانت الغاية هو اجتياز مرحلة انتخابية تضمن الاستمرار في الماضي، فكل نقاشات حول القوانين الانتخابية، وعلى رأسها التقطيع الانتخابي، تبقى مجرد تبديد للجهد والوقت وبالتالي غايته قد تكون صرف النظر عن إشكاليات عميقة أو إخفاقات مهينة تكلف المغرب سنوات من المعاناة.أما إذا كان الاختيار هو جماعات ترابية قائدة للتنمية، فيستحسن فتح نقاش عمومي هادئ وتوفير بنك للمعلومات يسعف كل المتدخلين على صياغة القرار السياسي السليم، وبالتالي نكون أمام خيارين إما تأجيل الانتخابات الجماعية، وهنا نكون أمام حتمية استمرار الوضع الملتبس، التسيير بدستورين في الوقت نفسه، أو التضحية بخمس سنوات أخرى وإجراء انتخابات محلية وجهوية وما ينتج عنها من مؤسسات دستورية، ولكنها تكون مرحلة انتقالية مؤسسة لمفهوم جديد للانتخابات أولا، أي العمل على تأهيل الثقافة السياسية نحو ثقافة المشاركة، بدلا من ثقافة الخنوع أو الثقافة الرعوية، ومراجعة أدوار الإدارة الترابية وإخضاعها للقانون تحت سلطة حكومية مسؤولة. ي. ق

الأحزاب وسوء فهم الشأن الانتخابي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأحزاب تنظر إلى التقطيع كـ"وزيعة" سياسية

تتويج "الدموع بالكحل" بمهرجان المسرح بمكناس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات