الحسيني: بوتفليقة آخر حراس النظام الجزائري

الباحث في العلوم السياسية أكد أن التغيير ينبغي أن يطول المؤسسة العسكرية لينعكس على المؤسسات السياسية الأخرى قال تاج الدين الحسيني، الباحث في العلوم السياسية، إن مغادرة الرئيس الجزائري للحكم قد تكون لها بعض النتائج التي تبقى خاضعة للمزيد من الفحص والتقييم، مؤكدا في الوقت نفسه أن الحاكم الفعلي للجزائر ليس هو بوتفليقة، بل نوع من التحالف القائم بين المؤسسة العسكرية بالأساس، التي تلعب دورا محوريا في آلية اتخاذ القرار، وجبهة التحرير الجزائرية التي كانت تتخوف في انتخابات السنة الماضية من أن يُسحب البساط من تحت قدميها بسبب صعود الإسلاميين في المنطقة العربية. وأوضح الحسيني، في حوار مع «الصباح»، أنه بغياب بوتفليقة، سيختفي آخر رمز من الحرس القديم الذي ساهم في بناء جزائر ما بعد الاستقلال. كيف تُقيمون العلاقات المغربية الجزائرية على ضوء الأخبار المتواترة حول مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهل ثمة مجال أن تتعبأ الدبلوماسية المغربية لمواكبة مرحلة ما بعد بوتفليقة؟ لفهم العلاقات المغربية الجزائرية ينبغي الرجوع إلى الوراء، أي إلى التاريخ، إذ كيف أن شعبين يتقاسمان العديد من العوامل المشتركة الدينية واللغوية والثقافية، وخاضا نضالا واحدا ضد الاستعمار وظلا لزمن يتطلعان إلى تحقيق حلم وحدة المغرب العربي، وكيف أن الطموحات في هذه الوحدة كانت كبيرة، وهو ما تجسد في مؤتمر طنجة (1958)، الذي انكب على العديد من القضايا المحورية، من ضمنها بحث قيام اتحاد فدرالي بين البلدان المغاربية، لكن كل تلك الآمال لم يكتب لها أن تتحقق على أرض الواقع، فقد لاحظنا منذ البداية أن المغرب اختار الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والليبرالية الاقتصادية، عكس اختيار الجزائر التي تبنت نظام الحزب الوحيد لفترة طويلة.لقد تسارعت الأحداث كثيرا بالنسبة إلى العلاقات الثنائية المغربية الجزائرية، ولعب عبد العزيز بوتفليقة منذ البداية دورا مركزيا في هذه العلاقات بحيث تقلد عدة مناصب وهو صغير السن، بدءا بمنصب وزير الخارجية، واعتُبر من طرف الكثيرين بمثابة «دينامو» الدبلوماسية الجزائرية على عهد الرئيس هواري بومدين، وبالتالي، فإن تطور العلاقات المغربية الجزائرية ارتبط بالدور الذي لعبه بوتفليقة من هذا الجانب أو ذاك. لاحظنا، في السياق نفسه، أن العلاقة بين المغرب والجزائر طبعتها بالخصوص حرب الرمال التي اندلعت في أوائل الستينات وهي حرب انتهت بشكل ظل يشعر معها الكثير من الجزائريين بنهائية وقطعية الحدود الموروثة عن الاستعمار، خاصة أن مؤتمر أديس أبابا الذي صادق على ميثاق الوحدة الإفريقية، أكد على مبدأ عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار. هل يمكن الحديث عن مركزية الصحراء في الأزمة بين البلدين؟ ظهر واضحا وجود تناقض، أو لنقل صراعا في العلاقة بين المغرب والجزائر، تمت تزكيته إثر مطالبة المغرب باسترجاع الصحراء سيرا على النهج نفسه الذي اتبعه بشأن استرجاع طرفاية وسيدي إفني، لكن مرة أخرى، ظهر واضحا أن الرئيس هواري بومدين بدعم من بوتفليقة الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية، آنذاك، اعتبر أن الصحراء ستكون «حجرة في الحذاء المغربي»، ولاحظنا خلال معركة أمغالا في سبعينات القرن الماضي، كيف أن جل المعتقيلن، أو الأسرى كانوا من الضباط والجنود الجزائريين،وظهر مرة أخرى التفوق الميداني للمغرب، وهو شيء لم تبتلعه القيادات الجزائرية خاصة المؤسسة العسكرية. عرفت العلاقات المغربية الجزائرية غموضا في الرؤية تميز بنوع من الحلحلة في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، إذ لاحظنا أن مشروع بناء المغرب العربي والتوقيع على اتفاقية مراكش سنة 1989 كان في الواقع بمبادرة الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس بن جديد. هذه المبادرة رغم أنها بدأت تعطي ثمارها، إلا أنها سرعان ما اعترضتها مجددا صعوبات وعراقيل، ففي 1994 وقع الاعتداء الإرهابي الذي استهدف فندق أطلس إسني، وهو ما دفع المغرب إلى فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين، مما أدى بالتالي إلى رد فعل جزائري المتمثل، ليس فقط في فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة في إطار المعاملة بالمثل، بل في إغلاق الحدود البرية بين البلدين. والغريب أن بوتفليقة الذي تولى الحكم في أواخر التسعينات سار في الاتجاه نفسه، ورغم ظهور بوادر معالجة الأزمة بفتح الحدود ولجوء المغرب إلى إلغاء التأشيرة، لم تتخذ السلطات الجزائرية أي مبادرة في اتجاه فتح الحدود التي ما تزال مغلقة إلى حدود اليوم، في وضعية فريدة من نوعها في علاقة أطراف المجتمع الدولي.يمكن أن نلاحظ في خضم التطور السريع بالنسبة إلى العلاقات المغربية الجزائرية أن الطابع الأكثر قوة هو قضية الصحراء، التي أصبحت بالنسبة إلى الجزائر طريقا للهيمنة منحتها مبررات لكي تتسلح بقوة لم يسبق لها مثيل بالنسبة إلى دولة نامية. أكثر من ذلك، الجزائر في مسيرتها هاته احتكرت مسألة اللاجئين، وفرضت أن يقيموا فزق ترابها في تندوف وترعاهم عن طريق أجهزة المخابرات والمؤسسة العسكرية، وتصبح ناطقا قويا باسم «بوليساريو» وما يسمى بالجمهورية الصحراوية المزعومة، في المنتديات والمحافل الدولية، وبالتالي هذا النوع من الصراع المفتوح تجاه المغرب لم يكن إلا ليؤزم العلاقات بين البلدين، ولاشك أن بوتفليقة ساهم، بعد تنصيبه رئيسا للجزائر، في التطور السلبي الذي يطبع هذه العلاقات. كيف تُقيمون مستقبل هذه العلاقات؟ أعتقد أن بوتفليقة، رغم وضعه الصحي وما يقال في البيانات حول تحسنها، لن يترشح لولاية رئاسية رابعة، بفعل المرض وعامل السن، وغياب الظروف والملاسات التي أدت إلى ترشحه للولاية السابقة، وبالتالي بغيابه، سيختفي آخر رمز من الحرس القديم الذي ساهم في بناء جزائر ما بعد الاستقلال. مغادرة الرئيس للحكم قد تكون لها بعض النتائج التي تبقى خاضعة للمزيد من الفحص والتقييم، لسبب بسيط وهو أن الحاكم الفعلي للجزائر ليس هو بوتفليقة بل نوع من التحالف القائم بين المؤسسة العسكرية بالأساس،التي تلعب دورا محوريا في آلية اتخاذ القرار، و جبهة التحرير الجزائرية التي كانت تتخوف في انتخابات السنة الماضية من أن يُسحب البساط من تحت قدميها بسبب صعود الإسلاميين في المنطقة العربية. يُخطئ الكثيرون عندما يظنون أن مغادرة بوتفليقة لدواليب الحكم ستفتح الطريق للعلاقات المغربية الجزائرية لتعود إلى سابق عهدها، أي تلك العلاقات القائمة على التصالح والتعاون الثنائي. أظن أن التغيير يجب أن يكون في قلب المؤسسة العسكرية قبل أن ينعكس على المؤسسات السياسية بطريقة عملية.بطبيعة الحال، كان الكثيرون يعتقدون مع بداية الربيع العربي أن الجزائر ستخضع للمصير نفسه، لكن هذه التكهنات كانت خاطئة، لأن الجزائر عرفت عشر سنوات من الحرب الأهلية خلفت ضحايا كثرا، ولم يكن أي جزائري يرغب في أن تتكرر تلك المأساة، ثم أكثر من هذا وذاك، المؤسسة العسكرية كما قلت تحكم البلد بقبضة من حديد، وتحول دن قيام انتفاضات أو تحركات ضخمة.إلى جانب كل ذلك، تتوفر الجزائر على فائض من العملة الصعبة يقدر بحوالي 200 مليار دولار، وهذا الفائض يمكن ضخه في أي وقت، لسد الثغرات ومعالجة العديد من المطالب والإشكالات الاجتماعية. التعاون بين البلدين مفتاح القوة دوليالا أعتقد أن تغييرا جذريا سيطرأ على آلية اتخاذ القرار بالجزائر، اللهم إلا إذا أدت الانتخابات التشريعية والمحلية المقبلة إلى ظهور أحزاب بإمكانها أن تتحرر من هيمنة المؤسسة العسكرية لتعبر فعلا عن طموحات الشعب الجزائري التي تعتبر المغرب والجزائر شعبا واحد، وتعتبر أن التعاون الثنائي بين المغرب والجزائر أساسي لبلوغ مركز القوة في العلاقات الدولية. إن المنطقة لن تعرف الازدهار والتنمية الحقيقية إلا بتفعيل اتحاد المغرب العربي، باعتبارها مؤسسة لها دور في المنطقة وتشكل منطلقا للدفاع عن مصالح الشعوب من منطلق القوة في مواجهة الاتحاد الأوربي وباقي التكتلات الأخرى. أعتقد أن هذه هواجس تراود كل مواطن في المغرب والجزائر، والأمل في أن تتقدم الديمقراطية في الجزائر أكثر مما هي عليه الآن، بحكم أن تعميق مسلسل الدمقرطة والحكامة الرشيدة هو الذي يمكن أن يدفع بأصوات الجماهير إلى التأثير على آلية اتخاذ القرار، ويدفع ببوتفليقة أو بمن سيخلفه بمجاراة التيار والدفع بطموح بناء الوحدة المغاربية إلى نهايته.لن يحدث، إذن، تحول جذري أوما يمكن أن نسميه المنعطف في العلاقات المغربية الجزائرية، فالمسألة لا ترتبط بشخصية الحاكم الجديد في الجزائر، بل بمدى التطور الديمقراطي الذي ستعرفه البلاد ومدى الضغوط التي تمارسها جهات أجنبية بسبب الواقع الذي يفرضه تنامي الإرهاب في منطقة الساحل وجنوب الصحراء بالخصوص، وتفرضه الضعوطات الدولية بخصوص الأمن في منطقة المتوسط. وأظن أن هذه هي الإرهاصات التي يمكن أن تحدث بعض التغييرات النوعية على مستوى العلاقات المغربية الجزائرية. أجرى الحوار: جمال بورفيسي

الحسيني: بوتفليقة آخر حراس النظام الجزائري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إصابة 48 أمنيا بالسمارة في هجوم انفصاليين

انتحار شاب مجهول بالحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات