العلاقات المغربية الجزائرية…التاريخ الشقي

البلدان الجاران تقربهما الجغرافيا وتبعدهما حسابات التاريخ وضغائن الحاضر تزداد العلاقات المغربية الجزائرية غموضا، بسبب التطورات المتسارعة التي تشهدها الجارة الشرقية، آخرها دخول الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في غيبوبة حادة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع بإحدى مصحات باريس، وقبلها الموقف الجزائري المتشدد من المشروع المقترح الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة، والموقف الرسمي من مشروع الحكم الذاتي الذي يدافع عنه المغرب لحل سياسي للقضية الوطنية في إطار السيادة المغربية. تجري هذه التطورات، رغم التطمينات الصادرة عن القيادة الجزائرية حول مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية، آخرها تصريحات وزيري الخارجية والداخلية الجزائريين اللذين أكدا من المغرب أن هذه العلاقات "تشهد تحولا إيجابيا شهرا بعد شهر، وأن البلدين لديهما الطموح نفسه لتطوير العلاقات الثنائية والارتقاء بها على مستوى جميع المجالات.لكن خلف هذه التصريحات الدبلوماسية الموجهة إلى الاستهلاك الإعلامي، تطبخ العلاقات بين البلدين الجارين على نار ملتهبة حد الاحتراق تعكسها مواقف البلد الجار حول عدد من القضايا التي تهم المغرب (ملف الحدود، ملف الصحراء، ملف التهريب والمخدرات، دعم جبهة بوليساريو الانفصالية، ملف التسليح، ملف الإرهاب...)، ما يجعل السؤال حول العلاقات ما بعد بوتفليقة (بعد عمر طويل) مشروعا بحثا عن انفراجات تمكن حكام الدولة الشقيقة من تغليب فضيلة الحوار ومصلحة شعوب المنطقة في أفق بناء وحدة المغرب العربي الكبير، وتجسيد حلم شعوبه في الوحدة وإزالة الحواجز والحدود في إطار كيان قوي وموحد لمواجهة التحديات العالمية التي لم تعد تعبأ بالكيانات الصغيرة مقابل إعطاء الاعتبار للتكتلات الاقتصادية والسياسية الكبرى في ظل المنافسة الشرسة السياسية والاجتماعية.ولفهم تشعبات العلاقات المغربية الجزائرية، يدعونا عدد من الباحثين والمؤرخين إلى النبش في تربة التاريخ والذاكرة المشتركة للبلدين، إذ يمكن العثور على بعض عناصر الأجوبة على استمرار انفجار بؤر التوتر في حقول العلاقات الثنائية.وفي هذا الصدد يقول الموساوي العجلاوي، في دراسة بعنوان "العلاقات المغربية الجزائرية: التاريخ و السياسة والذاكرة المتوترة"، إن "العلاقات المغربية الجزائرية حبلى بالذاكرة المتوترة التي تقرأ الماضي من خلال الحاضر وتشعباته، إذ ما زالت أحداث الماضي تلبس حلل الحاضر بمختلف تلواناته، ناهيك أن دهاليز الثورة الجزائرية التي قادها بنبلة وأصحابه كانت استثنائية في تاريخ المغاربي، فتجاذبت الثورة الجزائرية قوى متعددة، وتسربت الصراعات داخل القيادات السياسية والعسكرية مباشرة بعد قيام الثورة في 1 نونبر 1954، وتسارعت الاغتيالات في صفوف القادة الجزائريين قبل أن تحصل الجزائر على استقلالها في الخامس من يوليوز من السنة نفسها. وعزا مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، في دراسة سابقة له، أسباب التوتر إلى اختلاف التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب ذو رصيد تاريخي في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة ذلك أنه "مصدر السلطات والإمبراطوريات ونقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال إفريقيا، بالمقابل، فإن الجزائر تسعى إلى انتشال نفسها من غموض تاريخي وإيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة إلى مأزق حاد، دواؤه الوحيد الذوبان في وحدة المغرب العربــــي.وتبلور ذلك بوضوح في التمايز الذي عرفه كلا النظامين السياسيين للبلدين: نظام ملكي في المغرب وآخر جمهوري في الجزائر، وما استتبع ذلك من تنامي خوف مغربي من تمدد جزائري للهيمنة عليه، سيما في ظل الحضور المتعاظم عربيا وإفريقيا ودوليا للجزائر. وبرز هذا بوضوح، حسب الخلفي، في مضامين الحرب الإعلامية الأيديولوجية بين البلدين مباشرة، بعد حرب الرمال سنة 1963، إذ اعتبر العاهل المغربي أن طبيعة النظام الذي اختارته بلاده هي التي تقلق الجزائر، واعتبرت الجزائر أن الاشتراكية هي التي تقلق المغرب، كما يفسر هذا العامل أحد الأسباب التي كانت وراء الدعم الجزائري لبعض فصائل المعارضة المغربية (وجبهة بوليساريو في ما بعد).بعد حرب الرمال وملف ترسيم الحدود الذي غاض الجزائر، عرفت العلاقات بين البلدين منعرجا خطيرا سنة 1994 بعد قرار إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر من قبل الأخيرة، على خلفية الأحداث الإرهابية التي شهدها فندق أطلس أسني بمراكش.الحدث الإرهابي وقع 24 غشت من السنة نفسها، حين استهدف مسلحون جزائريون ومغاربة فندقا يعج بالسياح في قلب المدينة الحمراء، ما دفع المغرب، حينها، إلى اتهام المخابرات الجزائرية بالوقوف وراء الهجوم الإرهابي، وفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين وهو ما ردت عليه حينها الحكومة الجزائرية بإعلانها من طرف واحد إغلاق الحدود البرية بين البلدين، الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى اليوم.وأضيف ملف الحدود إلى ملفات عالقة أخرى تنتظر حلها من أجل علاقات طبيعية وسليمة بين بلدين محكومين بقدر الجغرافيا والتاريخ.وفي هذا الصدد، يعتقد الكاتب أحمد الخمسي، في موضوع بعنوان "من أجل أفق آخر للعلاقات المغربية الجزائرية" أن رسم أفق آخر لهذه العلاقات مهمة جوهرية للعقل السياسي المغربي، مادامت السياسة الخارجية المغربية محكومة بالقدرة على هضم تبعات السياسة الخارجية الجزائرية المرتبطة بالمغرب. يوسف الساكت

العلاقات المغربية الجزائرية…التاريخ الشقي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إصابة 48 أمنيا بالسمارة في هجوم انفصاليين

انتحار شاب مجهول بالحسيمة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات