سلوكيات لا إسلامية

شارك رشيد غلام، أحد أعضاء جماعة العدل والإحسان، في برنامج تلفزيوني على قناة عربية تقدمه الفنانة أصالة. البرنامج فني ويتطرق للغناء والفن والطرب. أحد المواقع المغربية نقل الفيديو كاملا منذ بضعة أيام، ما جعل رشيد غلام عرضة للعديد من الانتقادات لأسباب واهية. من الطبيعي أن يعجب البعض بالبرنامج والبعض الآخر لا، لأنها مسألة أذواق. من الطبيعي أيضا أن يعجب البعض بالصوت الجميل لرشيد غلام وأن لا يفعل البعض الآخر ، لأنها أيضا مسألة أذواق. لكن المشكلة في العديد من التعليقات التي رفضت مشاركة رشيد غلام في البرنامج، ليس لأن صوته غير جميل بالنسبة إليها، ولا لأن البرنامج رديء حسب أذواقها، بل فقط لأن رشيد غلام "تنحى عن طريق الصواب" بعد أن كان يؤدي الأناشيد الإسلامية وصار اليوم "يتقرب لأهل المغنى" و "يجلس في السنين الأخيرة مع نساء ومقدمات برامج متبرجات"، مما "لا يصح لشاب مسلم متدين ترعرع في جو ملتزم". البعض الآخر لامَهُ بسبب ملابس الفنانة أصالة، مقدمة البرنامج (وكأنه على ضيف البرنامج أن يتدخل في ملابس المقدم(ة)). تعليق آخر اعتبر أن "جلوس رجل ليغني أمام امرأة متبرجة أمام أنظار الملايين ليس من الإسلام في شيء". هذا يقودنا إلى نقطتين تستحقان الطرح. النقطة الأولى تتعلق بإعلامنا. ألا نستحق بعدُ إعلاما يشبهنا؛ يقدم لنا صورتنا الحقيقية بكل انعكاساتها المؤلمة والمشرقة؟ إلى متى سنستمر في مشاهدة صورنا (المغلوطة أحيانا) في إعلام الآخر؟ النقطة الثانية، وهي أساسية، جدا، ترجع إلى تلك الرغبة لدى البعض في فرضِ الوصاية باسم الدين على اختيارات الآخرين. رشيد غلام عضو في جماعة العدل والإحسان، أي نعم. لكنه مواطن باختياراته الخاصة التي ليس من حق أحد مصادرتُها مادامت لا تؤثر على اختيارات الآخرين. غلام لم يفرض على كل المنشدين أن يقوموا باختياره ولا أن يشاركوا في برامج فنية على التلفزيون. مساره واختياراته الفنية أمر يخصّه وحده؛ ويبقى من حق من لا يوافقه الاختيار أن لا يتابع تلك البرامج، لا أن يصادر حق رشيد غلام في المشاركة فيها. هذا كله يقودنا إلى نقاش آخر ليس أقل أهمية: تلك الرغبة العميقة لدى البعض لمحاسبة الجميع، باسم الدين. لأننا مجتمع إسلامي، ليس من حقك الحديث عن حرية العقيدة ولا عن الحريات الفردية. لأننا مجتمع إسلامي، لا يحق لنا مشاهدة برامج الغناء في إعلامنا العمومي. لأننا مجتمع إسلامي، لا يحق لنا الغناء ولا الرقص. لأننا مجتمع إسلامي، لا يمكننا أن نضع تماثيل تمجد شخصياتنا التاريخية، لأن التماثيل أصنام (وكأن عابرا سيصادف تمثالا لعبد الكريم الخطابي وسيقرر، فجأة، عبادته والخروجَ عن الإسلام). لكن في الوقت نفسه، فلا أحد يضع سلوكياتنا اليومية موضع تساؤل. نحن بلد إسلامي. لكن لا أحد ينزعج من كم النفايات التي نرميها في الشارع؛ ومن كم السب والشتم والكلام المهين الذي نستعمله خلال خلافاتنا، حتى البسيطة منها؛ ومن أنانيتنا وأسلوب سياقتنا، ومن الرشوة التي نأخذها ونعطيها، ومن التماطل والغش في العمل، ومن الكذب والنفاق. الشخص نفسه الذي يكذب ويغش في عمله ويعطي الرشوة ولا يحترم قانون السير ويسب سائقا آخر في إشارات المرور ويرمي النفايات في الفضاءات العامة ويتبول في الشارع ويمارس العنف، قد يرفع في وجهك سلاح "الإسلام" إن تحدثت عن منظومة قيم لا تناسبه. سلاح "المجتمع الإسلامي" نخرجه حين يتعلق الأمر بالفن وبالحريات الفردية وبالحرية في الإبداع وبحرية المعتقد، لكننا ننساه حين يتعلق الأمر بسلوكياتنا اليومية وبأسلوب تعاملنا. لنتأمل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، لنتمالك أعصابنا ولنحاول أن نكون موضوعيين إلى أكبر حد. أليست للأسف هي المجتمعات التي (في أغلبها، مع بعض الاستثناءات القليلة) تعاني مشاكل حقيقة في المواطنة وفي السلوكيات الأخلاقية؟ الأسباب فعلا معقدة وليست جميعها مرتبطة بالإسلام أو بطريقة ممارسته. لكن، لتكن لدينا الجرأة كي نعترف أن الإسلام هو خطاب نستعمله، وليس سلوكا حقيقيا ينعكس على أخلاقياتنا. هو سلاح نواجه به من نرفض قيمَهم وأفكارَهم، لكنه ليس منظومةَ قيم تحكم تصرفاتنا وسلوكياتنا اليومية. ختاما، غناءُ غلام ليس من الإسلام في شيء، والحرية في الإبداع ليست من الإسلام في شيء، والحريات الفردية ليست من الإسلام في شيء... والسب؟ والسلوكيات غير المواطنة؟ وعدم احترام القانون؟ وعدم احترام الآخر؟ والغش؟ والعنف...؟سناء العاجي, كاتبة

سلوكيات لا إسلامية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

دراسة في القانون : السياسة الجنائية في ضوء المستجدات الدستورية

"مرحبا" هدية التوأم صفاء وهناء للأطفال

مقالات ذات صلة