ضريف: تاريخ اليسار حافل بإخفاقات التوحيد

المحلل السياسي أكد أن خطاب توحيد اليسار يعود بقوة كلما أحس أنه يعيش وضعا متأزما يقول محمد ضريف، في الحوار التالي، إن اليسار عاش عبر تاريخه تشرذما بفعل تناقضات لم يفلح في تجاوزها إلى حدود الآن.ويضيف المحلل السياسي، أن ما ميز سلوك اليسار في الماضي كان هو تهربه من النقد الذاتي، إذ كان يحمل مسؤولية إخفاقاته إلى الأطراف الأخرى. ويؤكد أنه قبل مجيء الربيع العربي، لم يكن اليسار وفيا مع نفسه، في ما يتصل بأسباب التفرقة التي يعانيها، وكان حينما توجه إليه الانتقادات بهذا الشأن، يلتف حولها ويُلقي المسؤولية على الآخرين، بمعنى أنه كان يتهرب من مواجهة نفسه بشكل صريح، ومن تحمل المسؤولية، لكن بعد الربيع العربي وفوز الإسلاميين في الانتخابات أصبح اليسار ملزما أن يواجه واقعه بوعي عار، بمعنى أنه لم يعد يتهرب من مواجهة الذات، بحكم أن الربيع العربي فرض عليه أن يقوم بنقد ذاتي... يُلاحظ المتتبعون للشأن السياسي والحزبي، عودة خطاب توحيد اليسار بقوة إلى الواجهة، خاصة بعد النتائج التي أفضت إليها انتخابات 25 نونبر، التي مكنت حزب العدالة والتنمية من الفوز ومهدت له الطريق ليقود الحكومة، ما تقييمكم لهذه المسألة؟ من الملفت أن خطاب توحيد اليسار يعود بقوة كلما أحس اليسار بأنه يعيش وضعا مأزوما، أو يواجه تحديات يقف عاجزا أمام مواجهتها، من هنا تنشأ الرغبة في التكتل في إطار عائلة واحدة من أجل تجاوز الظرفيات الصعبة. أكيد أن الربيع العربي وما أفرزه من صعود الجماعات الإسلامية إلى مراكز القرار، منح لدعوات توحيد اليسار شحنة جديدة، خاصة في ظل ما يلاحظ من تراجع الوزن الانتخابي للأحزاب المحسوبة على اليسار. قبل مجيء الربيع العربي، لم يكن اليسار وفيا مع نفسه، في ما يتصل بأسباب التفرقة التي يعانيها، وكان حينما توجه إليه الانتقادات بهذا الشأن، يلتف حولها ويُلقي المسؤولية على الآخرين. بمعنى أنه كان يتهرب من مواجهة نفسه بشكل صريح، ومن تحمل المسؤولية، لكن بعد الربيع العربي وفوز الإسلاميين في الانتخابات أصبح اليسار ملزما أن يواجه واقعه بوعي عار. وبمعنى آخر أن اليسار لم يعد يتهرب من مواجهة الذات، بحكم أن الربيع العربي فرض عليه أن يقوم بنقد ذاتي، ولكن من زاوية تُركز كثيرا على أن هناك خطرا يتهدد هذا اليسار بما يجعله مضطرا إلى مراجعة العديد من القضايا التي كان يطرحها على المستوى السياسي أو الإيديولوجي أو التنظيمي، لذلك ما يميز تداعيات الربيع العربي أنه أحدث فرزا إيديولوجيا وسياسيا في الساحة المغربية والعربية بشكل عام، ونحن اليوم نتحدث من جهة، عن تيار محافظ يعتبر أن هناك صراعا حول القيم، في مقابل تيار حداثي وداخله يحتل خطاب اليسار موقعا متميزا، وبالتالي أصبح سؤال إعادة بناء وحدة اليسار يطرح من داخل جبهة الحداثة أكثر مما يطرح من زاوية اليسار بمعزل عن القيم الأخرى التي لا تشاطره الرأي فيها العديد من القوى، ولكن تجمعها به تبنيها لقيم الحداثة. لماذا تفشل محاولات توحيد اليسار، رغم وجود مبادرات ذهبت إلى أبعد مدى ممكن من قبيل عقد تحالف لليسار، هل ينم ذلك عن غياب الشروط الموضوعية رغم توفر الإرادة السياسية؟ يمكن أن نقول إن تاريخ اليسار هو تاريخ إخفاق الدعوات المنادية إلى توحيده. عاش اليسار عبر تاريخه تشرذما بفعل تناقضات. في لحظة من اللحظات كنا نتحدث عن يسار تقليدي، وأشير هنا إلى مرحلة الستينات في مقابل يسار جديد، ثم بعد ذلك بدأنا نتحدث عن يسار حكومي ويسار جذري، بمعنى أن التناقضات كانت ضمن مكونات اليسار نفسه، وبالتالي كانت هذه التناقضات تُفضي إلى التشرذم تنظيميا وسياسيا.رغم ذلك، يلاحظ بالنسبة إلى الحالة المغربية أن اليسار المغربي شكل عبر تاريخه قوة إيديولوجية رغم ضعفه التنظيمي، بمعنى أن اليسار كان أكثر إسهاما في إثارة النقاش العمومي وكانت أطروحاته هي التي تحظى بالاهتمام في الفضاء العمومي، وبشكل أساسي في الفضاء الجامعي. وكان بالتالي يشكل قوة اقتراحية، لكن هذه القوة الاقتراحية والإيديولوجية لم تواكبها قوة سياسية، إذ لا يخفى أن اليسار عاش أزمات تنظيمية حادة. وكما سبق أن أشرت إلى ذلك، فتاريخ اليسار هو تاريخ إخفاق الدعوات إلى توحيده، ومرد هذا الإخفاق إلى عدة اعتبارات، ذاتية وموضوعية.لقد واكبنا مبادرة توحيد قوى اليسار التي تبنتها خمسة مكونات حزبية محسوبة على اليسار، يتزعمها حزب التقدم والاشتراكية، والحزب العمالي، وجبهة القوى الديمقراطية، إلى جانب الاتحاد الاشتراكي ، مباشرة بعد الانتخابات الجماعية لسنة 2009. وشكلت تجربة الحزب الاشتراكي الموحد انطلاقا من اندماج حصل بين منظمة العمل الديمقراطي الشعبي وقوى يسارية أخرى، ، ثم انبثاق الحزب الاشتراكي الموحد بعد اندماج جمعية الوفاء للديمقراطية المنشقة عن الاتحاد الاشتراكي، تجربة أخرى ضمن تجارب محاولات توحيد اليسار. وما يزال الحزب الاشتراكي الموحد يسعى إلى تأسيس تحالف ديمقراطي. لقد كانت هناك العديد من المبادرات الهادفة إلى توحيد صف اليسار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم تتكلل بالنجاح؟ بمعنى لماذا لم تفض فعليا إلى توحيد اليسار؟وللإجابة عن هذا السؤال لا ينبغي تجاهل السؤال الجوهري حول من يمثل اليسار في المغرب، هل يمثله الاتحاد الاشتراكي أم التقدم والاشتراكية، أم الحزب العمالي أم جبهة القوى الديمقراطية، أم الحزب الاشتراكي الموحد؟هناك العديد من التعبيرات التنظيمية لليسار، وأكيد أن المدخل الأساسي للخوض في قضية توحيد اليسار ينبغي أن يُجيب عن هذا السؤال.لقد أخفقت مبادرات توحيد اليسار بفعل تناقضات بنيوية، وجزء من هذه التناقضات يتجلى في تجربة تحالف ثمانية أحزاب كانت تنتمي إلى المعارضة والحكومة، قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في 25 نوفمبر، إذ لاحظنا وجود أحزاب يسارية مثل اليسار الأخضر والحزب العمالي إلى جانب أحزاب تعتبر يمينية أو محسوبة على الوسط. ولم تجد هذه الأحزاب من مبرر لانخراطها في هذه المبادرة التي أثارت ردود فعل متباينة داخل الأوساط السياسية والرأي العام الوطني، بين معارض ومتحفظ، سوى أن عهد المرجعية الإيديولوجية ولى وأن الأساسي يتجلى في وحدة البرامج، مما يعقد مهام هؤلاء الذين يدعون إلى توحيد اليسار. إعادة تحديد اليسار خطوة في اتجاه التوحيد هل من مُعيقات توحيد اليسار أنه يفتقر إلى إستراتيجية متكاملة وواضحة في هذا المجال، ما يجعل من مبادراته مجرد ردود فعل ناتجة عن ظروف خاصة أو طارئة؟ لكي نوحد عائلة تضم العديد من مكونات اليسار، ينبغي أن نحدد أي يسار نقصد، هل هو اليسار التقليدي أم الجذري أم الثوري أم اليسار الحكومي أم المخزني، حتى؟ نلاحظ وجود رموز كانت تنتمي إلى اليسار في السابق أسست أحزابا اعتبرت من صنيعة الدولة. سؤال إعادة تحديد اليسار خطوة أساسية في اتجاه مبادرة التوحيد. لقد كان هناك وضوح في التحديدات التي تم اعتمادها بين اليسار واليمين حينما كان العالم منقسما إلى معسكرين، وكان الصراع واضحا بين اليسار واليمين وبين الخيار الليبرالي والاشتراكي. الوضع يختلف، اليوم، إذ صرنا أمام واقع يجمع في الخانة نفسها قوى متباينة إيديولوجيا، مثلا القوى الليبرالية التي أصبحت تعتبر نفسها قوى ليبرالية اجتماعية تشترك مع اليسار في الدعوة إلى قيم الحداثة، وهذا يجعل اليسار يلتقي مع قوى أخرى كان يعتبرها مناوئة، وبالتالي يبرز السؤال حول هل سنعتمد تحديدات جديدة بالنسبة إلى تعريف اليسار، أم سيظل يرتكز في تعريف نفسه على تحديدات أصبحت ربما متجاوزة. في سطور - أستاذ العلوم السياسية- دكتوراه دولة في العلوم السياسية سنة 1988 - باحث متخصص في الحركات الإسلامية - المؤسس والمدير المسؤول عن "المجلة المغربية لعلم الاجتماع"- أصدر عدة مؤلفات في مواضيع تتناول الشؤون السياسية والحركات الإسلامية أجرى الحوار: جمال بورفيسي

ضريف: تاريخ اليسار حافل بإخفاقات التوحيد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الموقف من الصحراء يفرق الرفاق

الاتحاد الاشتراكي في قفص الاتهام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات