مؤيدات استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية

الجباري: هيمنة السلطة التنفيذية على النيابة تضعنا في مواجهة "ديكتاتورية" مقنعة بـ"الديمقراطية" يرى عبد الرزاق الجباري، قاض بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، وعضو نادي قضاة المغرب أنه على هامش الحراك القضائي الذي تعيشه البلاد، هناك مجموعة من القضايا غير المتفق حولها، ومنها طبيعة مؤسسة النيابة العامة من حيث التبعية للسلطة التنفيذية أو استقلاليتها، إذ يتجاذب تلك الطبيعة اتجاهان رئيسيان، أولهما يدعو إلى تكريس تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية، ممثلة في وزراة العدل والحريات، وذلك إبقاء لما هو عليه الوضع راهنا، بينما يصبو ثانيهما إلى استقلالها والعمل على تحريرها من قبضة وتوجيه هذه الأخيرة، ومن المؤيدات التي يمكن أن تنبني عليها فكرة استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية هناك مؤيد فلسفي، يتجلى في أن قضاة النيابة العامة جزء لا يتجزأ من "السلطة القضائية"، بل إنهم، وإلى جانب قضاة الأحكام، يعدون بمثابة القطب التي تدور حوله رحى تلك السلطة، لا باعتبارها وظيفة، وإنما ركيزة هامة من ركائز الدولة الديمقراطية الحديثة، خلافا لما يراد لهم من تنميط وتحجير يجردهم من الصفة القضائية التي وُسِموا بها منذ أول دستور للمملكة إلى الآن. ولعل ما يزيد من وضوح هذه المكانة فلسفيا، هو ترتيب السلطة القضائية وفق المفهوم الذي تبناه الدستور الجديد قضاء الحكم والنيابة العامة- ضمن باقي السلط، حيث كانت منذ أن وضعت اللمسات الأولى لفكرة "فصل السلط" التي نادى بها المفكر الشهير مونتيسكيو ؛ وبعدما تلقفتها كل الأنظمة السياسية في العالم ؛ في الرتبة الثالثة، وتسبقها على التوالي: السلطتان التشريعية والتنفيذية. وتتأتى دلالة هذا الترتيب فيما يتسم به من طابع رقابي لا غير، فالسلطة التنفيذية، هي الجهة المسؤولة عن تسيير الشؤون السياسية العامة للدولة، بينما تتحدد وظيفة السلطة التشريعية في رقابة عمل السلطة الأولى؛ إما بصفة قبلية، وذلك بوضع قوانين مؤطرة لعملها، وإما بصفة بعدية عن طريق مساءلتها في البرلمان. في حين، تتمثل وظيفة السلطة القضائية في ضبط ورقابة السلطتين معا، بغية كبح جماح تغولهما وتسلطهما المحتملين. لذلك، فمن غير المستساغ أن نُوهِم بفكرة تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية، كما لو أنها ضرورة منقذة لـ"الممارسة الديمقراطية"، نظرا لما في ذلك من انتهاك لاستقلالية السلطة القضائية عموما، والتي تستلزم بالضرورة عدم تبعية أهم مداخيلها المؤسساتية (النيابة العامة) لأي جهة كيف ما كانت.أما المؤيد الثاني حسب الجباري لاستقلال النيابة العامة فهو دستوري فالسلطة القضائية بمكَونيها، هي تلك الجهة التي تراقب عمل باقي السلط والمؤسسات طبقا لما يقتضيه القانون، فالدستور المغربي، لم يشذ عن تلك القاعدة، بل عزز استقلاليتها وأمعن في تكريسها، وذلك بتحرير النيابة العامة من رقبة السلطة التنفيذية وفق الفصل 107 على أن:"السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"، دون تمييز بين قضاء الحكم وقضاء النيابة العامة؛ مما يؤكد أن "السلطة المتبوعة" حسب الفصل 110، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون من إحدى السلطتين: التشريعية أو التنفيذية، وإنما هي محصورة على السلطة القضائية، وذلك انسجاما مع مبدأ "استقلال القضاء" المنصوص عليه في الفصل 107 المذكور، مع مراعاة التعاون بينها، والذي لا يعني قط التبعية والخضوع. والفصل 110 على أنه:"يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون"، وكما هو معلوم من الفكر القانوني بالضرورة، فإن السلطة القضائية هي من تتفرد بمهام تطبيق القانون، وذلك بإصدار أحكامها وقراراتها التي يوكل أمر تنفيذها إلى السلطة التنفيذية ؛ فشتان بين "تطبيق" القانون الذي تختص به السلطة القضائية (قضاء الحكم والنيابة العامة) حصرا، وتنفيذه الذي تختص به الإدارة (السلطة التنفيذية)، مما يدل على أن قضاة النيابة العامة مشمولون بمقتضيات الفصل 107 المكرس لاستقلال السلطة القضائية عن باقي السلط.ويأتي المؤيد الحقوقي في الرتبة الثالثة، إذ أن مجمل التوجهات الحقوقية ذات البعد الكوني، أدانت، وبشدة، فكرة تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية في كثير من المحطات، إذ ارتقت من خلالها بحق المجتمع في الاستقلال الحقيقي للسلطة القضائية إلى علو المراتب دون مراعاتها لمصالح من يعض على إبقاء الوضع كما هو عليه الآن بالنواجد، ومنها "إدانةُ الجمهوريةِ الفرنسية -التي يقتبس منها النظام القضائي المغربي- من أجل عدم استقلالية نيابتها العامة عن السلطة التنفيذية، وذلك من لدن المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، وفق قرارين صادرين عنها على التوالي: بتاريخ 29-03-2010 و20-11-2011 "، و إدانة دولة المكسيك من أجل تبعية النيابة العامة للسلطة التنفيذية، وذلك من طرف اللجنة الأمريكية الدولية لحقوق الإنسان، التي شددت في تقريرها المتعلق بحالة حقوق الإنسان بها:"على ضرورة أن يتمتع مكتب المدعي العام بالاستقلالية اللازمة عن السلطة التنفيذية، وأن يتمتع بضمانات عدم جواز نقله، وغير ذلك من الضمانات الدستورية الممنوحة لأعضاء السلطة القضائية". أما فيما يخص المؤيد القانوني فيرى الجباري، أن المادة 51 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على أنه "يشرف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية، ويبلغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها"، أضحت غير دستورية في ظل الدستور الجديد، إذ أن المفهوم الضيق والتقليدي لـ"السياسة الجنائية" هو المعتمد من طرف المملكة المغربية، والذي يتأتى حسب الفقيه Feurbach في: "مجموع الوسائل الزجرية التي تواجه بها الجريمة من طرف الدولة"، عكس المفهوم الواسع والمعاصر الذي يقوم على أساس الوقاية قبل ارتكاب الجريمة، وهي بهذا المعنى التقليدي، تكاد تكون مرادفة لاصطلاح القانون الجنائي (التجريم والعقاب)، الذي يندرج سنه ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطة التشريعية (الفصلان 70 و71 من الدستور) وليس للسلطة التنفيذية (وزارة العدل والحريات) التي يبقى دورها بهذا الخصوص منحسرا، في القيام بالدور التبليغي لمضمون "السياسة الجنائية" إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها، مع الإشراف على تنفيذ ما تم تطبيقه من قبلهم، باعتبارهم قضاة أوكل لهم المشرع الدستوري مهام تطبيق القانون وليس تنفيذه (الفصل 110 من الدستور). كريمة مصلي

مؤيدات استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الديربي نهاية أبريل بملعب محمد الخامس

دراسة في القانون: قراءة لقانونين مهملين حول إلزامية التعليم في المغرب (الحلقة الأخيرة)

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات