استقلال النيابة العامة … طموح معلق

يثير تفعيل شعار استقلال السلطة القضائية، نقاشات واسعة في الساحة، متأرجحة بين متفائل لما تلوكه الألسن من تطمينات، وغاضب من غياب الضمانات الضرورية لترسيخ استقلالية حقيقية ضمانا لسيادة القانون وحقوق المتقاضين، بعيدا عن أي ضغوطات أو تدخلات، ولإقرار هيبة الدولة ومؤسسة العدالة، بعيدا عن الشعارات الفضفاضة البعيدة عن أرض الواقع.وتبقى استقلالية القضاء، برأي عدة متدخلين في منظومته، المقياس الحقيقي لدرجة جدية الدولة في ديموقراطيتها المعلنة وتطبيق متعهداتها وما تعلن عنه من شعارات لتكريس دولة الحق والقانون، ليبقى استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل والحريات، مطمحا آنيا متجددا يتلون بألوان مختلفة بتباين الجهة المصدرة لرأيها في هذه الاستقلالية ودرجة تثبيتها في الواقع.ويرى عبد العزيز الغازي، المحامي بهيأة المحامين بفاس، أن هذه الاستقلالية ليست قائمة على أرض الواقع، خاصة في ظل استمرارية تبعية النيابة العامة المباشرة إلى وزارة العدل والحريات التي تشرف عليها بشكل مباشر، مشيرا إلى أنه رغم التعديلات التي جاء بها الدستور الجديد، فتحقيق هذه الاستقلالية مؤجل، إلى أجل غير مسمى.وبرأيه فطالما أن رئاسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، للملك كسلطة تنفيذية، فاستقلال القضاء بنفسه، موضوع نقاش وجدل، بل "غير قائم على المستوى الدستوري"، ولذلك فهو يرى أن شعار استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، "للاستهلاك الإعلامي فقط طالما أن القضاء بنفسه غير مستقل"، متمنيا أن يأتي يوم تفعل فيه الحقيقة بشكل ملموس في الواقع.استقلال السلطة القضائية، استقلالا حقيقيا، مطمح يراود هذا المحامي وغيره من زملائه في المهن المرتبطة بجهاز العدل لإحقاق العدالة والتأسيس لدولة الحق والقانون، التي يلعب القضاء فيها دوره الأساسي والحاسم خاصة في إرساء التوازنات الاجتماعية القضائية على أساس تطبيق القانون واحترامه وجعله فوق الجميع وبعيدا عن أي سلطة، يمكن أن تؤثر عليه بشكل من الأشكال. شعار الاستقلالية يثير لبسا ليس فقط للمحامي عبد العزيز الغازي وغيره من المحامين الطامحين إلى حصة أكبر من استقلالية ضامنة لسيادة القانون واحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات، بل حتى نادي القضاة الذي طالما جهر وكشف مختلف مظاهر التدخل في استقلال القضاء، التي "عادة ما تأتي من وزارة العدل والحريات والسلطة التنفيذية عن طريق النيابة العامة". وأكثر من ذلك قدم النادي في إحدى دورات مجلسه الوطني، وثيقة للمطالبة باستقلال النيابة العامة عن وزارة العدل، موقعة من مئات القضاة من مختلف محاكم الوطن، اعتبرت وثيقة خالدة في تاريخ المغرب أسوة بوثيقة المطالبة بالاستقلال، وتشكل خارطة طريق حقيقية لتفعيل استقلالية حقيقية للسلطة القضائية عن باقي السلط المتعارف عليها والمنصوص عليها دستوريا.ويبقى ترسيخ دولة الحق والمؤسسات وتوسيع الحريات الجماعية والفردية وضمان ممارستها ودسترة التوصيات الصادرة عن هيأة الإنصاف والمصالحة والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة بشكل كامل ومتكامل، وضمان سيادة القانون والمساواة أمامه.. بعض من مطالب صدحت بها أفواه عدة متدخلين، ولا تحتاج إلا إلى إرادة حقيقية.هذه الاستقلالية، برأي المحامي عبد العزيز الغازي، لا يمكن أن تتحقق إلا بتعديل المقتضيات الدستورية الخاصة بتنظيم السلطة القضائية بجعلها سلطة مستقلة في تنظيمها واختصاصها، والارتقاء بالقضاء كسلطة بعيدا عن الشعارات والضغوطات والتدخلات التي تذيب طموحه في الاستقلال، كما حدث بنظره، في المحاكمات السياسية خلال مراحل سابقة.ويأمل في تحقيق سلطة قضائية قوية قائمة الذات وعلى الاستقلال المطلق عن كل السلطات والأجهزة وكل ما يمكن أن يؤثر فيها وفي قراراتها، لأن "بناء الدولة الحديثة يفرض مثل هذه الاستقلالية" لأن القضاء والنيابة العامة واستقلالهما الكامل والشامل عن الوزارة، جزء لا يتجزأ من أسس البناء القويم والسليم للسلطة القضائية. حميد الأبيض (فاس)

استقلال النيابة العامة … طموح معلق

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الديربي نهاية أبريل بملعب محمد الخامس

دراسة في القانون: قراءة لقانونين مهملين حول إلزامية التعليم في المغرب (الحلقة الأخيرة)

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات