البيضـاء … هبـة المينـاء

جمعية الميناء تحتفي بمرور مائة سنة على تشييد معلمة صنعت تاريخ المدينة قديما قال المؤرخ اليوناني «هيرودوت» عبارته الشهيرة «مصر هبة النيل » في إشارة إلى الدور الفعال الذي قام به نهر النيل في قيام الحضارة المصرية التي عاين المؤرخ اليوناني معالمها، وهي المقولة ذاتها التي عقب عليها الكثيرون بل حاولوا قلبها والذهاب إلى أن العكس هو الصحيح.المنطق نفسه يسري على علاقة الدار البيضاء بالميناء الذي اعتبر الكثير من المؤرخين المعاصرين أنه كان سببا في نهضة المدينة وتبوئها الصدارة منذ قرر ليوطي إنشاءه قبل قرن من الزمان على وجه التحديد، فيعاد طرح السؤال من جديد: هل البيضاء هبة الميناء أم أن العكس هو الصحيح. وكيف ساهم الميناء في نهضة المدينة؟ وكيف ساهمت بموقعها الإستراتيجي من تمكينه لعب أدوار اقتصادية واجتماعية ساهمت في رسم ملامح المغرب المعاصر؟مناسبة استرجاع هذا الحديث، قرب انطلاق احتفالية مرور مائة سنة على إنشاء ميناء الدار البيضاء، والتي تصادف يوم 2 أبريل المقبل، وتنظمها جمعية ميناء الدار البيضاء بشراكة مع عدد من المؤسسات الاقتصادية والثقافية والتنموية، وتتضمن عددا من الأنشطة التعريفية للميناء والأدوار التي لعبها منذ تأسيسه قبل قرن من الزمان. ميناء صنع تاريخ مدينة وحكاية ميناء الدار البيضاء، حكاية ميناء غير وجه المدينة التي أضحت قلب المغرب الاقتصادي، ومنطلق جل التحولات الجوهرية التي شهدها على مدار القرن العشرين، ما حكاية هذا الميناء؟ وكيف تم إنشاؤه؟ وهي المقاصد والمرامي التي توختها إدارة الحماية الفرنسية من تشييده؟ وكيف تحدى ليوطي الطبيعة وركب مغامرة بناء ميناء بمواصفات عالمية؟خلال القرون الوسطى، لم يكن في الموقع الحالي لمدينة الدار البيضاء، ما يميزه عن بقية الحواضر المغربية خاصة العريقة منها مثل سلا والرباط وفاس ومكناس وتطوان وحتى الصويرة، بل لم تكن «أنفا» رغم قدم استقرار الوجود البشري بها منذ آلاف السنين كما دلت على ذلك الحفريات التي تم اكتشافها في ما بعد، سوى مجرد قرية صغيرة دكها زلزال سنة 1755م عن آخرها وأتى على جل مقومات الحياة فيها. بعد ذلك قرر السلطان محمد بن عبد الله بعث الحياة فيها من جديد، وأمر بإعادة بنائها خلال النصف الأخير من القرن الثامن عشر، ومنذ ذلك الحين شرعت الحاضرة الجديدة، التي حملت اسم «الدار البيضاء» خلال هذه الفترة، في فرض مكانتها تدريجيا وسط الحواضر المغربية، إلى حدود العقد الأول من القرن العشرين حين ستشهد طفرة سريعة وغير مسبوقة، لم تشهدها باقي الثغور المغربية المشرعة سواء على المحيط الأطلسي أو على الواجهة المتوسطية.ويعتبر بعض الباحثين المهتمين بتاريخ الدار البيضاء أن بوادر التحول فيها بدأت على نحو تدريجي منذ منتصف القرن 19م، فهذا الدكتور محمد فلاح العلوي، في دراسة سابقة له، يرى أن ارتباط الدار البيضاء بالأجانب يعود إلى بداية القرن التاسع عشر إبان توسع سياسة الانفتاح الاقتصادي التي بدأت منذ حوالي منتصف القرن التاسع عشر.ويضيف العلوي أن الدار البيضاء قبل هذا التاريخ كانت مجرد «ميناء صغير عرف رواجا تجاريا محدودا مقتصرا على تجارة الحبوب والصوف حتى حوالي سنة 1850 لتبدأ الحاضرة الصغيرة مرحلة جديدة من تاريخها ارتبطت بتوافد جالية أجنبية إليها بشكل متزايد تدريجيا مفضلة الاستقرار في هذا الثغر الساحلي الذي لم يكن قبل ذلك سوى مرفإ صغير جدا تحيط به الضيعات الفلاحية ولا يتعدى سكانه من المغاربة شوى ما يقارب 200 نوالة يشتغل جل سكانها في مجالات محدودة هي الصيد البحري وبعض الصناعات التقليدية والفلاحية».بمعنى أنه على مستوى المبادلات التجارية لم يكن «مرسى الدار البيضاء» ذا شأن كبير، إلا خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، إذ عرفت المدينة تطورا ملحوظا على مستوى الأنشطة التجارية، كما تضاعف نتيجة ذلك عدد سكانها بشكل متسارع، خاصة بعد أن حجت إليها جاليات أوربية من جنسيات مختلفة فرنسية وبريطانية وألمانية وهولندية، فضلا عن المغاربة الذين قصدوها من كل مناطق المغرب، وأضحت الدار البيضاء، في ظل هذا الوضع، مسرحا أو ساحة لمنافسة اقتصادية دولية شرسة آلت في نهاية المطاف لصالح فرنسا التي ركزت جهودها على الدار البيضاء لتجعل منها نقطة تتمحور حولها جل أنشطة الاقتصاد الفرنسي في المغرب.ومع مطلع القرن العشرين بدأت أطماع فرنسا تجاه المغرب تتوضح أكثر فأكثر، وكان الفرنسيون يرون في الدار البيضاء المدخل الرئيس للسيطرة على جل مناطق المغرب «النافع»، وفقا للتقسيم الاستعماري. حلـم ليوطـي الـذي تحقـق في هذا السياق جاءت أحداث سنة 1907 أو ما سمي ب «انتفاضة الشاوية» كانت هي نتيجة للحراك السياسي والاجتماعي الذي عرفته الدار البيضاء والمجال الفلاحي والبدوي الذي توجد فيه، فتمت قنبلة المدينة كرد فعل على مواقف أهل الشاوية من حشر الفرنسيين أنوفهم في الشؤون الداخلية للمغرب والدار البيضاء على وجه التحديد.وهكذا أنزلت فرنسا قواتها العسكرية على السواحل البيضاوية بدعوى حماية جاليتها ومصالحها الاقتصادية، ولم تتأتى لها السيطرة على المدينة وبالتالي مجال الشاوية عموما، إلا بعد لأي بفضل المقاومة الشرسة التي أبدتها القبائل المجاورة، مما استدعى مضاعفة حجم العتاد العسكري المعتمد لاقتحام الدار البيضاء.وشرعت فرنسا منذ سنة 1907 إلى حدود توقيع معاهدة الحماية في مارس سنة 1912، في تثبيت دعائم وجودها الاستعماري من خلال مجموعة التدابير والقرارات حتى تتسنى لها السيطرة التامة على جل مناطق المغرب عبر قلب ستجلب له الدماء من جانب حتى يصير فعلا نابضا هو مدينة الدار البيضاء. فرنسا تتحدى الطبيعة لكن السيطرة على المغرب من خلال الدار البيضاء لم تكن لتتم إلا وفق تصور خاص، ينبني على إيلاء جانب الاستغلال الاقتصادي كل الاهتمام، وبالتالي الشروع في إنجاز المشاريع الاقتصادية الكبرى لتنفيذ هذا المخطط، وعلى رأسها ميناء بمواصفات عالمية رفيعة كالذي أُحدث في الدار البيضاء.ويبدو أن اختيار فرنسا مدينة الدار البيضاء لبناء الميناء المنشود لم يكن اعتباطيا، وإنما هو اختيار تحكمت فيه مجموعة من المعطيات الاقتصادية والسياسية والطبيعية، جعلت الفرنسيين يتحدون الطبيعة ويغامرون بإنشاء ميناء على الساحل البيضاوي الذي لم يكن يتوفر على خليج طبيعي يمكن استغلاله لإقامة ميناء كبير من حجم ميناء الدار البيضاء.بمعنى أنه من الناحية التقنية ووفق المعطيات الطوبوغرافية البحرية كان من المستحيل بناء ميناء الدار البيضاء، إلا أن المارشال ليوطي، أول مقيم عام فرنسي بالمغرب، ركب التحدي وصمّ أذنيه عن كل الأصوات التي عارضت تشييد ميناء على موقع ساحلي خطير على رأسها رئيس المصلحة الهيدروغرافية بالبحرية الفرنسية، وكانت بالمقابل تقترح إما ميناء «فضالة» (المحمدية) أو الجديدة.المهم أن المارشال ليوطي كان واعيا بطبيعة العراقيل التي انتصبت أمام تحقيق مشروعه الطموح، وعلى رأسها المكان المناسب لإقامة الميناء، لذلك فقد شكل لجنة لتحديد هذا المكان، وكان مطلوبا منها أن توازي بين الظروف التقنية والجغرافية، سيما أن إدارة الحماية الفرنسية لم تكن ترغب في إقامة أكثر من ميناء واحد، كما أرادت أن تتفادى الأخطاء التقنية التي ارتكبت في مينائي الجزائر وتونس.كما أن المارشال ليوطي، تشير بعض التقارير التي كتبت في الموضوع، كلف المهندس غاستون ديلور بجمع المعطيات التقنية المتعلقة بدراسة ساحل مدينة الدار البيضاء مثل الخرائط البحرية، وإرشادات لجنة الموانئ.وبعدها عقدت مناقصة بتاريخ 25 مارس سنة 1913، لاختيار المقاولة التي ستشرف على عملية بناء الميناء، فرست المناقصة على شركة المقاول «شنايدر» التي تولت رفقة شركة «الكومباني ماروكان» بالمهمة.وهكذا انطلقت الأشغال بالميناء البيضاوي عبر مراحل انتهت خلال النصف الثاني من عقد العشرينات، وصارت معه مدينة الدار البيضاء نقطة استراتيجية تتوزع منها جل السلع المستوردة من كل جهات المغرب، وتصدر منها مختلف المنتوجات الفلاحية والصناعية المجلوبة من داخل البلاد.ومنذ تلك اللحظة أي سنة 1913 تناسلت بالمدينة وعلى جنباتها المنشآت الصناعية والمقاولات الصناعية، إضافة إلى المباني المتعددة المخصصة للتجارة أو الصناعة أو السكن.كما تم بفضل وبالموازاة مع الميناء إقامة بنيات تحتية تجهيزية في جميع المناطق المجاورة للمدينة القديمة وخارج سورها، إذ مدت الطرق وأنشئت السكة الحديدية لربط ميناء الدار البيضاء بمناجم الفوسفاط بإقليم خريبكة أو المناطق الفلاحية الكبرى بالشاوية والسهول المجاورة، وهكذا أصبحت مدينة الدار البيضاء في قلب التغييرات التي شهدها المغرب الحديث بل قاطرة له بفضل ميناء. محطــات المينـــاء 1 ـ محطة الحاويات وتشتمل على محطة «مارسى ماروك» وتمتد على 600 متر طولي داخل البحر ومساحة 60 هكتارا وطاقة استيعابية تقدر ب600 ألف حاوية. أما المحطة الثانية وهي محطة «صومابور» فتمتد على 700 متر ومساحة 24 هكتارا وبإمكانها استعياب 300 ألف حاوية.2 ـ محطة البضائع المختلفة: وتضم محطتين تابعتين أيضا ل»مارسى ماروك» و»صومابور» الأولى على مساحة 60 هكتارا والثانية على 14 هكتارا.3 ـ محطة الحبوب: وتشتمل على محطة «ماص الحبوب» التي تمتد على رصيف طوله 600 متر، وحوالي 11 ألف متر مربع بطاقة استيعابية تبلغ 64 ألف طن، أما المحطة الثانية وهي محطة «صوصيبو» فتمتد على رصيف يبلغ 500 متر وأزيد من 16 ألف متر ويستوعب حوالي 75 ألف طن.4 ـ محطة المعادن: الأولى تابعة للمكتب الشريف للفوسفاط تمتد على رصيف بطول 685 مترا وعلى مساحة 6 هكتارات، ومن المتوقع أن تنقل أنشطة هذه المحطة إلى منطقة الجرف الأصفر بإقليم الجديدة، إضافة إلى محطة «مارسى ماروك» التي تمتد على رصيف يبلغ 620 متر ومساحة 2.5 هكتار.5 ـ محطة ميناء الصيد: تمتد هذه المحطة على رصيف طوله 350 مترا بغاطس 4 أمتار، ويتوفر على منصة تقنية لممارسة الأنشطة المتعلقة بالصيد على مساحة تناهز 4 هكتارات.وتشتمل هذه المحطة على محطات أخرى مثل محطات المقصورات التي تتوفر على 4 مراكز للرسو (مركزين مستغلين من طرف مارسى ماروك ومركز مستغل من طرف صومابور ومركز لرواج المسافرين) إضافة إلى محطة للسيارات تبلغ مساحتها 20 ألف متر مربع (مشيد على 5 طوابق) ومساحة صافية للتخزين بسعة 100 ألف متر مربع، وقدرة استيعابية للتخزين تبلغ 5 آلاف سيارة.أما محطة أحواض إصلاح السفن فتشمل حوضا جافا وورشا لإصلاح السفن، وحوض إرساء سفن مكون من 3 أرصفة بطول 350 مترا. المينـاء فـي أرقـام يعد ميناء الدار البيضاء مركبا مينائيا متعدد الأنشطة تصل مساحته الإجمالية إلى 605 هكتارات وأرصفة يبلغ طولها 8 كليومترات بإمكانها استقبال 35 سفينة في الوقت نفسه، فضلا عن تأمينه عبور مختلف أنواع البضائع بما فيها المواد الصلبة والمقطورات والحاويات والبضائع المختلفة.ويوفر الميناء كذلك أزيد من 10 آلاف منصب شغل مباشر وما لا يقل عن 35 ألف منصب غير مباشر، كما تصل قيمة السلع المعالجة سنويا إلى حوالي 100 مليار سنتيم، أي ما يعادل 22 في المائة من الناتج الإجمالي للمملكة. تطـور المينـاء بعد الاستقـلالسنة 1956 تواصلت أشغال وتجهيز الميناء وتوسيعه، إذ بلغ رصيف مولاي يوسف 3100 متر، كما تم تجهيز رصيف طارق بممر روـ دو وبلغ حجم البضائع التي تمر بالميناء 12 مليون طن.وخلال مرحلة الستينات وضعت مخططات لتوسيع الميناء بهدف مضاعفة قدراته وتطوير البنى التحتية لموانئ العديد من المدن الساحلية مثل أكادير والناظور والجرف الأصفر.وفي سنة 1962 تم تشييد مخزن التبريد في الميناء، وسنة 1968 تم تمديد الرصيف طارق بنحو 350 مترا، كما تقرر تحديث وتوسيع محطة الفوسفاط، وخلال السنة نفسها تم تغيير اسم الحاجز الرئيسي من «دولير» إلى حاجز مولاي يوسف.وسنة 1972 دخل ميناء الدار البيضاء عصر الحاويات، وتم تخصيص رصيف طارق لمعالجة هذا الرواج، ليصبح بذلك أول محطة متخصصة للحاويات بالمغرب.وفي الفترة الممتدة ما بين 1977 إلى 1980 وعلى مساحة 100 هكتار من الحوض المائي تم إنجاز الحاجز العرضي وبناء الرصيف «ف» بالحاجز الرئيسي مولاي يوسف.وفي سنة 1996 تم إنشاء المحطة الشرقية للحاويات. التي تتوفر على أرصفة تمتد على طول 380 مترا طوليا وغاطس يصل إلى 12 مترا مربعا و45 هكتارا من الأراضي المسطحة. إنجاز: عزيز المجدوب

البيضـاء … هبـة المينـاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"كوول سانتر"... الجنس على الهاتف والأنترنت

جمعيـة الحداوي تحـذر من الوضع المالي للاعبين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات