الصويرة تتنفس كناوة

المهرجان الذي احتضنته المدينة يواصل تخصيب أنغام العالم أسدل الستار، أول أمس (السبت)، على فعاليات الدورة 25 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم، الذي احتضنته الصويرة على مدار ثلاثة أيام، عاشت فيها مدينة الرياح، على وقع أنغام وإيقاعات تاكناويت إما خالصة، أو ممتزجة مع أنغام فنانين من مختلف العالم يمثلون ثقافات وحضارات. في هذا الخاص تضعكم "الصباح" في أجواء يومي الجمعة والسبت، لهذه التظاهرة التي أعادت مدينة الرياح إلى الواجهة. إعداد: عزيز المجدوب/ تصوير (أحمد جرفي) (موفدا الصباح إلى الصويرة) بدأت تباشير يوم مغاير عن اليومين الأولين للمهرجان، منذ ساعات الصباح الأولى، إذ بدأت رياح "الشرقي" تتخلل المدينة وتنفذ إلى مسامها، بعد يومين مشمسين كانت فيهما الحرارة مرتفعة، جعلت زوار المهرجان يوزعون وقتهم، ما بين الاستمتاع بالموسيقى ليلا، والاستجمام بشاطئ البحر والمسابح طيلة النهار. ضجت الصويرة بحركة الخلق، بعد أن تحولت إلى قبلة للآلاف من الزوار الذين صاروا يضبطون جداولهم السنوية، مع موعد المهرجان. البعض يتأفف من الازدحام غير الطبيعي الذي يجتاح مدينة الرياح، تزامنا مع أيام المهرجان، ويخرجها عن طبيعتها الهادئة، وآخرون يرون في الأمر عنوانا لانتعاش المدينة اقتصاديا، وتكريسا لطبيعتها المنفتحة القائمة على الترحيب ب"البراني"، الذي تستهويه غرائبيتها واتساع صدرها لكل المتناقضات. خلطة موسيقية في غمرة الانشغال بالتهييء لاستئناف برنامج اليوم الثالث والأخير للمهرجان، وبينما كانت التحضيرات على قدم وساق بالمنصات المخصصة للسهرات، سرى النبأ الأليم لوفاة الأميرة لالة لطيفة، والدة الملك محمد السادس، وهو ما جعل حالة حزن واضطراب يسودان أوساط زوار المهرجان، إذ اعتقد الكثيرون منهم أن الأنشطة الفنية سيتم تعليقها حدادا. وسرعان ما طمأن المنظمون الجميع، بأن الأمور ستستمر كما كان مخططا لها، ولا تغيير في برنامج السهرات. كان أول المعلمين الملتحقين بمنصة مولاي الحسن، في سهرة أول أمس (السبت)، هو المعلم إسماعيل رحيل الكناوي الشاب القادم من البيضاء، والمتشبع بأصول أداء تاكناويت من والده المقدم الحاج مصطفى رحيل، إذ اعتلى خشبة الغناء رفقة فرقته المسماة "أولاد بامبارا"، ليقدم وصلة فنية، أعادت الجمهور إلى أجواء الموسيقى. بعدها ظهرت المغنية، الإسبانية من أصول غينية استوائية، بويكا لتنتقل بالجمهور، إلى عوالم الموسيقى في خليط مميز بين أنغام الفلامينكو والجاز والسول والفانك، وأسلوب أداء غنائي يستمد مقوماته من رواسب نشأة الفنانة السمراء بين الغجر، وتشبعها بفنون شبه الجزيرة الإيبيرية، وجذورها الإفريقية الاستوائية، لتكون المحصلة طبقا فنيا يعبق بالتعدد الثقافي. واستمر السمر مع مجموعة "بوكانطي" بأنغامها اللاتينية، بعناصرها الذين يمثلون، بيئات ثقافية متنوعة، تتراوح بين أصوات الصحراء والدلتا، وبين البلوز والكالادجا المنتمي لمنطقة الكرايبي، لتعكس مضامين أغانيهم الصراعات والمشاكل التي يعانيها البشر في مختلف مناطق العالم، جراء العنصرية وعدم الإيمان بالاختلاف. وأعاد الفنان حميد القصري جمهور ساحة مولاي الحسن، إلى أجواء تاكناويت، في فقرة فنية استعاد فيها أشهر المقاطع، التي تجاوب معها الجمهور الذي غصت به الساحة، لدرجة أن كل المنافذ والمعابر المؤدية إليها اختنقت وصار فيها التنقل مضنيا وشاقا. ثم انتقل القصري في مزج موسيقي مع مجموعة "بوكانطي" ليصوغا معا لوحة موسيقية، عكست قدرة موسيقى كناوة على الامتزاج مع أنغام العالم، وتوليد مفاجآت لا متناهية، تتجدد مع كل دورات المهرجان على امتداد أزيد من ربع قرن. سان لوفون... غزة بالنغم شكلت لحظة غناء الفنان "سان لوفون" واحدة من أقوى لحظات الدورة، بعد أن تمكن الفنان الفلسطيني/ الجزائري، مساء الجمعة الماضي، من استقطاب جمهور عريض من الشباب الذين رددوا معه أغانيه، كما تفاعل بعضهم معها وهو يحمل الشارات والكوفيات والأعلام الفلسطينية. وردد الجمهور الحاضر بساحة مولاي الحسن مع سان لوفون، أو مروان عبد الحميد، وهذا هو اسمه الحقيقي، عبارة "غزة الحرة" على مدى أطوار السهرة تضامنا مع الشعب الفلسطيني، الذي ما يزال في مواجهة الهجمات الإسرائيلية. وكان سان لوفون بين الفينة والأخرى يقطع الغناء ثم يتوجه بالحديث مع الجمهور عن مواضيع مختلفة، منها زيارته للجزائر، وتصوير آخر أغانيه بها، وفي الوقت نفسه يمطر الصويرة وأهلها بعبارات الشكر والمديح، معتبرا أن هاته المدينة تذكره بفلسطين، وفيها أشياء مشتركة كثيرة بينهما. كما حرص النجم الشاب على التنويع في أغانيه بين أنغام "الأر اند بي" والهيب هوب، ممتزجة بالأنغام الشرقية، وفي بعض الأحيان مع موسيقى الراي، كما هو الشأن بالنسبة لإعادته أغنية الشاب بلال "دي عايزة كلام" بطريقة أخرى. واختار سان لوفون الجزء الأخير من حفله للحديث عن بلده فلسطين، ونقل ما يجري فيها من فظاعات إنسانية، مخصصا لها أغنية "الديرة"، التي تتحدث عن القصف الذي دمر بلاده. الفن لنشر السلام عرف برنامج اليوم الثاني، حضور رئيس الحكومة الإسبانية السابق، خوسيه لويس رودريجيز ثاباتيرو، لندوة حول حقوق الإنسان، معتبرا أن المهرجان يحمل في طياته عادات تمثل هذه المنطقة، ويعمل على خلق صلة وصل بين مختلف الألوان الموسيقية، ويساهم في نشر السلام من خلال التعايش، وفرصة لنشر الحب والسلام من خلال الفن والثقافة. وقدم حفل مزج ببرج باب مراكش، بمشاركة أبلاي سيسوكو، وكوردابا، ومهدي قاموم، من السنغال والمغرب، قبل صعود المعلمة أسماء حمزاوي وبنات تومبوكتو على سطح البناية التاريخية، التي تشكل جزءا من المعمار العريق للمدينة العتيقة. وبمنصة المولاي الحسن، صعد كل من المعلم محمد بومزوغ، وفرقة الإخوان "بريكر" من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب إقامة حفل مزج للمعلم محمد كويو، وغاني كريجة، وغيمبا كوياطي وجون غراندكامب، وكيكي بيردومو، ومهدي الشايب، وhbs trumpet من المغرب ومالي، وإسبانيا وفرنسا، على المنصة ذاتها، قبل أن يختتم سان لوفون من فلسطين هذه السهرة بعد منتصف الليل. وأمتع كل من المعلم عبد الكبير كبيبر، و”bcuc” من جنوب إفريقيا، جمهور منصة الشاطئ، قبل صعود كل من المعلم طارق آيت حميتي وbcuc مجددا في إطار حفل مزج. وعلى المنصة ذاتها، صعد المعلم عبد الكبير مرشان، وعصام كمال ومجموعة مازاغان بعد منتصف الليل، لتقديم أشهر الأغاني التي عرفوا بها. وبالنسبة إلى حفلات كناوة الوترية التقليدية التي انطلقت ابتداء من منتصف الليل، كان للمعلم عبد الرحيم أوغسال، والمعلم عبد النبي الكداري لقاء مع محبي هذا الفن في دار الصويري. وببيت الذاكرة أحيا المعلم أحمد باعليل، والمعلم سعيد بولحمص، سهرة خاصة، بينما استقبلت زاوية عيساوة محبي المعلم عبد القادر حدادة ولمعلم عبد العزيز سوداني. وحل المعلم الصديق العرش، والمعلم عبد القادر أمليل بزاوية سيدنا بلال لتقديم أغان كناوية أمام الجمهور، الذي حج من مختلف الدول للاستمتاع بهذا الفن.

الصويرة تتنفس كناوة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

كمين يطيح بمتزوجة وعشيقها

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات