دجالون ومحتالون في هرم السلطة

قيم زائفة أكثر شعبية ونظام قائم على الخدع وعبادة المظاهر في العمل والتلفزيون والاقتصاد والسياسة والعلوم، والفنون، وحتى الآداب، تبقى القيم الزائفة هي الأكثر شعبية، وليس ذلك بالصدفة، لماذا؟ هذا ما تجيب عنه مجلة «ماريان» الفرنسية، في ملف ضمن عددها 822، الذي تعيد «الصباح» عرض مجموعة من أبرز مضامينه.تسللوا وفرضوا أنفسهم في جميع أركان المجتمع، مثل غزو من نوع جديد، الدجالون والمحتالون أصبحوا بيننا، نلتقي بهم يوميا في العمل، نستحملهم أثناء تناول وجبات الأكل، نستمع إليهم على شاشات التلفزيون، نقرأ نثرهم أحيانا، كما يدعون إنقاذنا من الأزمة، ويصل الأمر بنا أن نصوت لصالحهم!، إنهم متزعمو المظاهر، ومستهلكو القيم ومفرغوها من معانيها، المحتالون الذين يعيشون على الثقة التي يمنحها الآخر إليهم. المحتالون... الحرباء بصيغة «الطبيعي» «هؤلاء الحرباء، يستغلوننا عن طيب خاطر، نتيجة لمظهرهم الطبيعي والعادي»، كما يعتقد المحلل النفسي رولان كوري، الذي نشر أخيرا مقاله «المنقذ»، مضيفا أن مصنع هؤلاء المحتالين يكمن أولا في هذا الشكل الطبيعي الذي يخفي اعوجاجهم، في الوقت نفسه مثالي وانتهازي، والمحتال يأخذ قالب محيطه وخاصياته حتى يتمكن من خداعه، إنه شهيد زمانه، وهو نتاج للثقافة التي تتأرجح بين موسيقى الاستطلاعات، وهزات الرأي العام، عندما تتجاوز المصلحة الخاصة القلق العام، وعندما تعلو المظاهر على الفحوى، فتسود مجموعة من الأفكار، من بينها الإنجاز على المعنى، والسمعة على العمل، والشعبية على الجدارة، والرأي على القيم، وهو ما يشكل أرضا خصبة حتى يتمكن المحتالون من التحكم فيها. وتنطبق هذه الحالات على هارلم ديزر، الذي عين في انتخابات وهمية على رأس الحزب الاشتراكي في فرنسا، كما تنطبق أيضا على فرانسوا كوبي، وفرانسوا فيون، اللذين يتنافسان على الرئاسة بكل فاشحة يجدانها، إذ أعلن الأول نفسه فائزا قبل ظهور النتائج، فيما اختار الثاني التموضع باتجاه الريح، فهو «سيكيني» في عهد سيكان، و»بالدوري» في عهد بالدور، و»شيراكي» في فترة حكم جاك شيراك، و»ساركوزي» في عهد نيكولا ساركوزي، وحتى إلى موقع رئاسة الدولة، أليس موقف جميل، وقمة الخداع، يدعي أنه «عادي» أو «طبيعي».. «الرئيس العادي»، إنه موقف مضاد للسياسة كليا، يواصل رولان كوري حديثه عن علاقة السلطة بالاحتيال، من خلال تطرقه إلى موضوع مشيرا إلى أن «المبدأ في السياسة هو التميز عن المعايير»، لأنه يستحيل الابتكار دون التنصل من المعايير القديمة، ودون تجديدها، «لا تزحزح أي شيء، إنه الشرط الأول في بلاد الخداع والدجل»، يقول كوري.الدجال يعرف أن لا فائدة من إضاعة الوقت في التفكير، وفي الابتكار، وفي مواجهة المخاطر، إذ يطرح أمامه مجموعة من التساؤلات، من بينها على أي معايير سيتم تقييمي؟ وكيف يمكن إغراء وجذب أولئك الذين سيساعدونني في ارتقاء المراتب؟ وكيف أظهر في الواجهة؟ هذه الأسئلة هي التي تهمهم بغض النظر عن القيمة أو الفضيلة التي يجب هتكها حتى يصل إلى الهدف أو الغرض، وكما يقولون «لا أحد يحقق في صحة المكتوب على اللوحة الموضوعة عند باب الطبيب»، لم يحرك أي شخص أو يفتح أي تحقيق حول النوايا الحقيقية لسفينة «الإيثار زوي» التي كانت على استعداد لتنظيم تجارة تبني أيتام دارفور، الذين لم يكونوا لا أيتاما ولا من دارفور، ومن بين القيم الشائعة، البيئة، وهي نعمة المتدربين المحتالين. الانتهازية... الوقوف أمام الكاميرا أصدرت البحارة مود فونتوا، العديد من الكتب من مجموعة «مارتين»، من أهمها «طفلي الأخضر»، و»بيتي الأخضر»، و»إجازتي الخضراء»... لكن في الحياة الحقيقية، فإن سفيرة المحيطات لم تتأخر عن الذهاب والإياب السريعين إلى جزيرة «غرين لاند»، للوقوف أمام عدسات الكاميرات إلى جانب جان لوي بارلو، وزير البيئة آنذاك، وخلالها وجدت مود فونتنوا صراعا خصوصا أنها فهمت أنه لا يجب أن تغادر أضواء وسائل الإعلام.الانتهازية ذاتها، تمثلت مع فريجيد بارجو، الفتاة السعيدة التي تلبسها الإيمان في الألفية الثانية، استغلت المسألة العالقة آنذاك، وهي الزواج المثلي، وبغض النظر على ما كان يتداول سنة 2007، حيث احتفلت صاحبة الوجه الجديد للكاثوليكية بكل صخب، في أحد الملاهي الليلية بباريس، بالزواج المثلي لمرشح الحزب الاشتراكي جاون لوك رميرو ورفيقه، إذ أعلن خلاله عن ميلاد اتحاد «الأفضل للضحك، وللحب، وللفكاهة»، وكانت بارجو من بين الموقعين عليه، الشيء الذي أشعل فرح الشبكات الاجتماعية.من جهة أخرى، لتشارلز بيكبدير، المدير السابق والفائز في «سيلفتراد بوويو» معتقدات ذات هندسة متغيرة على موقع «ميثاق فرنسا» الذي يشجعه، ويفتخر بنفسه لأنه أنشأ في الخمس عشرة سنة شركات تخلق فرصا للعمل قال عنها إنها بسرعة ومباشرة، بعدها آخر إنجازاته، شركة «هابي تايم» التي تشغل 36 شخصا تم الإعلان عن نهايتها في الصيف الماضي، لتسقط معها مزودها بالتكنولوجيا المعلوماتية «سينكو سونسو»، ويقول ستيفان دوجوند، أحد مؤسسي شركة «هابي تايم»، إن «التصفية المفاجئة وعدم وجود معلومات عن الوضعية السيئة لشركة «هابي تايم» لم يسمح لنا بتدارك الموقف، كما ترك لها بيكبدير لائحة بقيمة 212 ألف يورو، وضعت في أدراج المكتب السياسي لاتحاد الحركة الشعبية، ومع ذلك فإن بيكبدير لا يزال يقوم بتعليم الريادة في مجال الأعمال بفرنسا. خداع وعبادة المظاهر عندما يتوجه التلفزيون أو الصحف إلى دراسة اتجاهات المطاعم، يخرج برنارد بوطبول، أرقامه المستخلصة من الدراسات الاستقصائية السرية، التي لا يمكن التحقق منها، ومع ذلك فإن هذا الخبير الذي يرحب مع التصفيق بالتطور السريع لجودة الوجبات السريعة، هو كل شيء إلا محايد. إن شركته المسماة «غيرا للاستشارة» تبيع في الواقع الاستشارة التسويقية لهذه الشركات التي يتبانها بتقدمها، بما فيها «كونجون»، و»إيكسكي».. و»ماكدونالدز» في الجهة الأخرى من السلسلة الغذائية، فقد أثبت بيير دوكان على الساحة، عبر إطعامه كعك ونخالة الشوفان للملايين من أتباعه، التأثير السيء والأخطار الصحية التي ترتبت عن وصفته «المعجزة»، ولم يمنعوا الطبيب من الاغتناء ببيعه لملايين الكتب والمنتجات مختومة باسمه، ونموذج أعماله يتمثل في تسويق وتوقيعه.وخلال سنة 1967، فاجأ غي ديبور، المجتمع، قبل وقت طويل من اختراع «الفيسبوك»، و»تويتر»، أو أي إذاعة إعلامية أخرى التي تخضع للشرط الغريب المتمثل في «المتابعة على الهواء» 24 ساعة على 24، «بي إف إم» و»إي تيلي»، وغيرها تطعم بعض أكبر الخدع خلال قضية «ميراه» في مارس 2012، إذ انتزع العشرات من الصحافيين المتمركزين خارج مبنى القاتل المختبئ، تعليقات من المشاهدين متسامحة أو متجاوزة 32 ساعة من البث المباشر دون أي شيء يذكر.ويبقى فيليكس ماركارت، سوى عرض من هذا النظام القائم على الخدع وعبادة المظاهر، وطالما لديك أقل من 40 سنة ومظهر جيد، فذلك يسهل أكثر دعوتك للبرامج الحوارية باعتراف كاتب من كتاب أعمدة الشاشة، وترسل الدعوة عبر رسالة «إس إم إس»، هل ستكون متاحة هذه الليلة على الساعة السابعة؟ ولا يعلن عن الموضوع في البداية، باعتبار أن ذلك ثانوي. «غرفة الماكياج، هي آخر قاعة عرض نتحدث فيها او نلتقي برجل سياسة يحاور إشهاري، نحيي صحافي عند عبور أستوديو آخر»، يقول الكاتب الشاب، إنها صورة مصغرة يجب عبرها الحفاظ على الرؤية، وإلا تعرضت للنسيان.يبقى إلى جانب الصحافيين، والمثقفين، وعلماء النفس، دفعت اللازمة بكتيبة من المحتالين الجدد إلى صفوف الريادة، من بينهم الخبراء الاقتصاديين، فقد اكتشف الصحافي لوران مودوي، أنهم يتمتعون بتساهل مذهل من قبل وسائل الإعلام، مهما كان مدى خطأ تحليله أو تكراره، فإن المحلل الاقتصادي يستمر في الصعود إلى المنصة كـ»العلاَّمة»، كما وصفهم مودوي، أنهم يقدمون على أنهم باحثين مستقلين غير أن معظمهم يمارسون مهام ومسؤوليات في البنوك الكبرى، لكن الإعلام يبقى مستمتعا بأولئك العملاء الجيدين الذي يعوضون التحقيقات عندما يجب الإسراع في الأمر. الغش والكذب والسرقة يبقى من غير العادل حصر الاحتيال والخداع في مجال الصحافة والإعلام، حيث إن ظهورهما جلي في كافة المجالات، في مجال الأعمال التجارية، الذي يعرفون تسويق عملهم الناقص بطريقة مواتية مستغلين الظروف، يرتقون التسلسل الهرمي بطريقة أسرع، أفضل من الذين يكدون في الخفاء دون العلم بوجودهم، حتى صونيا منشطة بإحدى شركات التجميل، تعترف أن التقدم في مسيرتها المهنية يعتمد أساسا على موهبتها في الاستعداد والتنظيم، إذ تقول «أخصص 70 في المائة من وقتي لتحضير الاجتماع والإعداد له، فقد أصبحت من محترفي برنامج «بوير بانت» على الحاسوب، وأقضي ساعات للتدريب على العرض»، مبرزة أنها تقضي وقتا أكبر في تصحيح الأبحاث على أن تقضيه في العمل، وهذه هي الوسيلة الأفضل لتعزيز مكانتها المهنية، تضيف في حديثها ذاته.وساهمت بعض الطرق والأساليب الإدارية، في تحديد الأهداف الفردية لكل موظف وعامل، من أشهرها العقود الجديدة التي تعني الزيادة في نسبة المبيعات، دون النظر إلى البعد الجماعي الخاص بالشركة، بناء على هذه الأرقام، والأهداف المسطرة يتم إدراج الملاحظات إلى العمال، وفي المجال الصناعي، تفرض معايير التتويج بعلامة «إيزو» الشهيرة، الرغبة في الحصول على منتوج وخدمة ذات جودة عالية وآمنة وموثوق بها، لكن الرغبة في الحصول على الجودة المطلقة يتطلب إخفاء العيوب.إن المعايير والتقييمات موجودة في كل مكان، ابتداء من تقييم المخاطر للجنين إلى تقييم السوق من قبل وكالة التصنيف، مرورا بتقييم الأطفال المعرضين للخطر في الأقسام الأولى من التعليم، وغيره من التقييمات، فإنها تنتج قيودا تخنق الإبداع والابتكار، وتنمي روح التزوير والخداع بشكل كبير، لأنه عندما تفرض التقييمات أهدافا غير قابلة للتحقيق من أجل الاستمرارية، يجب الغش والكذب والخداع، وضمن هذا السياق، فإن الوضع يشجع الأفراد على الغش وتجميل النتائج، وهي توضيحات يقدمها عالم الاجتماع فانسنت كولجاك، مضيفا أن الجميع حتى داخل الدولة ومؤسساتها، إذ أن الوزارات تجمل خصائصها لتتلاءم مع الأهداف المسطرة، لكن الأسوأ في الأمر هو أن يصبح هناك دجل وخداع دون وجود المحتال بما أنه أصبح النظام قائما.كما يرتكب الباحثون عن العمل الذي ينمقون سيرهم الذاتية، خداعا، دون الإدراك أنهم يرتكبون غشا أو احتيالا، ووفقا لمعهد الموارد البشرية «فلوريان مونتيون»، فإن 75 في المائة، من السير الذاتية هي مخادعة ومحتالة ومظللة، إذ تعمل على خلق شخصية خاصة به دون الاعتماد على الحقيقة، لتبقى ترتيب الحقيقة على صفحة «فيسبوك» تجعل الصورة الشخصية والسيرة الذاتية لساعة تلك هي اللعبة ما دام الكل يغش. السلطة تغري الإعلام مهنة الصحافة، المهمة الرئيسية لا تتمثل في إظهار الإشكالية أو النتيجة، وتؤكد استطلاعات الرأي، خلال كل سنة، أن ما بين 50 و60 في المائة من الفرنسيين يرون أن الصحافيين ليسوا مستقلين عن ضغوطات المال، ولا يستطيعون مقاومة إغراءات السلطة. أصحاب المواقع يراقبون الأنترنت في جوانب شبكة الأنترنت، يتحول أصحاب المواقع إلى مراقبين ويتحاملون على الخدع والتشوهات الفاضحة، لكن المفارقة أنه في الوقت نفسه التي تعلن فيه الشفافية المزعومة على الأنترنت والشبكات الاجتماعية، والتشويه التي يتعرض له الغش، فإنه ليس هناك نتائج تذكر. ربما هذا هو سبب عدم نهش لحم الاقتصاديين في الأماكن العامة ! ترجمة ياسين الريخ (عن مجلة "ماريان" الفرنسية بتصرف)

دجالون ومحتالون في هرم السلطة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سـوق السنغـال فـي قلـب البيضـاء

معترض سبيل مجوهراتي بفاس أمام غرفة الجنايات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات