سجين بتاونات جنى 152 مليونا من النصب

أوهمهم بحجز الجمارك لتجهيزات وهبات من جمعيات دولية وسخر فتاة لاستيلام الأموال تستحق قصة السجين الذي نصب على شخصيات من داخل سجن قرية با محمد المنقل نزلاؤه إلى عين عائشة بتاونات، أن تشكل موضوع سيناريو فيلم سينمائي مثير ببطولة كاملة منه، لجاذبية المعطيات وطبيعة ضحاياه ووزنهم المهني، وما جناه من أموال طائلة من عمليات احتيال حبك سيناريو الإيقاع بضحاياها، مسخرا شعار "الطماع ما يقضي عليه غير النصاب".152 مليون سنتيم، قيمة ما جناه من استغلاله سذاجة مسؤولين أمنيين وإداريين وتربويين، أغراهم بدفعات الحواسيب وتجهيزات هدايا منه حجزت لدى الجمارك، ليجدوا أنفسهم أمام "نصاب" محترف يحسن السباحة في الماء العكر. لقد خرجوا في معركتهم معه، ب"لا ديدي ولا حب الملوك"، رغم إدانته ب5 سنوات سجنا نافذة، قضاها متنقلا بين سجون مختلفة. نصاب محترفرأى هذا الشاب الذي لم يمنعه وجوده بين أسوار السجن دون الاستمرار في أفعاله الجرمية، النور في سنة 1969 بقرية با محمد. ورغم ضعف مستواه الدراسي وانقطاعه مبكرا عن الدراسة، فإن ذكاءه كان مذهلا استغله في غير الطريق الصحيح، بعدما اختار سبيل النصب الذي اعتبره المسار المختار للكسب وجمع المال ولو بطرق غير مشروعة.عاش الشاب الذي أدار عمليات نصب ونسج خيوطها من داخل سجن قرية با محمد، بعدما انتحل صفة عقيد في الدرك، وسط أسرة فقيرة، من أب مسن معاق القدم يقطن بدوار الشهوب في جماعة الغوازي بدائرة قرية با محمد، مع أبنائه وزوجته الثانية، وأم أرملة نائب برلماني سابق راحل إلى دار البقاء، كانت تعيش بدوار القريشيين بجماعة سيدي العابد.في سنة 2005 كان المتهم يقضي عقوبة حبسية بسجن القرية، قبل أن تخطر بباله فكرة النصب على شخصيات مهمة أوهمها بهدايا محجوزة لدى الجمارك، تنتظر قرارا للإفراج عنها بأداء مبالغ مالية متفاوتة كانت صديقته تتكفل باستخلاصها. حينها وأثناء ابتزازه تلك الشخصيات، لم يكن يدري "انكشاف أمره قريب" و"الحقيقة مهما حجبت وبكل الطريقة ستفضح مع الوقت.لقد فكر جديا في الاتصال بواسطة هاتفه المحمول الذي حصل عليه من أقاربه، ببعض المسؤولين في مختلف مناطق الوطن بعد حبكه قصصا لا يقتن كتابة سيناريوها غيره. كان يوهمهم بحاجته إلى مال يسحب بواسطته تجهيزات مختلفة يزعم حصوله عليها من جمعيات أجنبية وحجزها بميناء الدار البيضاء، في فكرة جهنمية غير مسبوقة.ضحايا بالعشراتقدر عدد ضحايا الشاب، بالعشرات معظمهم مسؤولون رفيعو المستوى بينهم والي أمن ونائب تعليم ومسؤولون أمنيون وإداريون. بدهاء كبير نصب عليهم بداعي كونه "عقيد" بعدما نسب نفسه إلى شخصيات نافذة، لتسهيل الإيقاع بهم وتقديمهم مبالغ مالية تستخلصها منهم فتاة بريئة أوقع بها وسخرها في مختلف هذه العمليات "الدنيئة".كانت الفتاة ضحية أوهمها بالزواج بعدما أوقع بها في أولى عملياته في هذا المسلسل "المؤلم". زعم في اتصاله بها كونه ضابط في الدرك في مهمة سرية بالسجن لاقتفاء آثار وتحركات سجناء يحبكون مؤامرة ضد المخزن، وهو ما صدقته واقتنعت به. كان ذلك طعم أوقع بها بين براثينه لينهش براءتها ويستغلها في قضاء مآربه من ضحاياه واستخلاص المال منهم بتدبير محكم منه. بلغ مجموع المبالغ التي استخلصها في مختلف عملياته، نحو 152 مليون سنتيم، جمعها بالطريقة ذاتها التي حيرت المحققين من رجال الدرك بتاونات وقرية با محمد وبني ملال والخميسات المكلفين بالاستماع إليه والبحث معه. لقد نفى تهمة نصبه على ضحايا بداعي أنه في السجن لقضاء خمس سنوات حكم بها، بل دخل في إضراب عن الطعام احتجاجا على استنطاقه.أبان عن دهاء ومكر كبيرين أثناء التحقيق معه. ونجح في إخفاء هاتفه كي لا تنكشف حقيقة الأرقام الهاتفية التي اتصل بها طيلة شهرين قضاها بسجن القرية ونصب فيها على العديد من الأشخاص. وعمد إلى عدم تشغيل هاتفه حتى لا يجد المحققون الذين لم يستطيعوا في البداية انتزاع أي اعتراف منه يدلهم على الحقيقة، أي خيط رابط يمكنهم من معرفة هويته ومكان وجوده.سقوط أوراق التوتمسؤول بمدينة في الغرب، كان آخر ضحية نصب عليه هذا الشاب "الداهية"، وإثره جاء إيقافه والاستماع إليه تمهيديا، إذ تشبث بالإنكار، في مراحل مهمة من البحث، قبل أن ينهار بعد مواجهته بخطيبته التي اعتبرت أول ضحاياه. حينئذ لم يجد من بد غير الاعتراف تلقائيا بما طبخه من سيناريوهات محبوكة للإيقاع بضحاياه العزل. واعترف المتهم الذي انتحل صفات متعددة اختلفت باختلاف المراد النصب عليهم، بالنصب بعدما أوهمهم أنه تعب كثيرا للحصول على مواد وتجهيزات مختلفة آليات متطورة الصنع من دول وجمعيات أوروبية ودولية ينبغي سحبها من ميناء الدار البيضاء وتعشيرها لتسمح إدارة الجمارك بدخولها، وبالتالي استفادة مرافق وإدارات عمومية ومصالح خارجية منها.واكتسب مع الوقت مهارة كبيرة للاحتيال والإيقاع بضحاياه، واستطاع أيضا الإيقاع بمسؤول في عمالة بالشمال أوهمه كونه مفتش موفد من وزارة الداخلية للقيام بمهمة تفتيش بالعمالة والباشويات، حيث وفر المسؤول لهذا النصاب الذي أبان عن جرأة كبيرة أثناء التحقيق، الإقامة والسيارة وطاقما لمساعدته ومرافقته بل "ناوله 5 آلاف درهم لمقتنياته".وواجه المحققين بنبرة الشخص الذي لا يخاف ولا يستحيي والواثق من نفسه والعارف للقوانين. ولم يتوانى عن تنبيه المحققين إلى ما قد يطالهم من عواقب وخيمة إذا هم أهانوه أو تعسفوا عليه أو أساءوا التصرف معه. وكان يؤكد للمكلفين بالتحقيق الذين لم ينالوا منه أي تصريح إلا ما أراد قوله، أن جمعيات مناهضة للعنف والتعذيب تراقبهم وستفضحهم أمام الرأي العام.انهيار نصابأدلت خطيبته وضحيته الأولى، للضابطة القضائية ببعض الحقائق عن خطيبها المزعوم الذي نفى جملة وتفصيلا كل ما نسب إليه من أفعال عن "الهبة" والمعلمتين والمكالمات الهاتفية. وكان لا يتوانى في الرد على كل استفسار عن سر انتحاله صفة شخصية نافذة في الدرك، بالقول "إنكم تريدون إيذائي وتوريطي رغم أني معتقل منذ سنة 2002".كل الحيل انتهجها للحيلولة دون وصول المحققين إلى الحقيقة، لكنها لم تكن كافية لإبعاد تهمة النصب عنه. وهو الذي أضرب عن الطعام وهدد بالانتحار إن عادت فرق الدرك للتحقيق معه قبل نقله وترحيله إلى مدينة الخميسات حيث تم الاستماع إليه من جديد من قبل قاضي التحقيق قبل تقديمه إلى العدالة صحبة شركائه وضحاياه من نساء التعليم بالخصوص. حير هذا الشخص المحققين قبل أن ينهار معترفا بكل شيء في محضر أقواله الذي كان حجة ثابتة في حقه لإثبات ما نسب إليه من تهم أثناء عرضه على أنظار العدالة في سائر المراحل. حينئذ اعترف بكونه كان يختار ضحاياه من كبار المسؤولين لابتزازهم بطرق غريبة أحيانا، توحي وتترجم درجة دهائه وذكائه الخارق. واعترف تلقائيا بتنفيذ عشرات العمليات بينها النصب على مسؤول حزبي في حملته الانتخابية منتصف ثمانينات القرن الماضي كان نتيجتها جنيه 30 ألف درهم. كل ذلك وغيره من العمليات التي باشرها بواسطة الهاتف المحمول من داخل سجن قرية با محمد، دفعت المحكمة إلى متابعته وإدانته بخمس سنوات سجنا قضاها بالكمال والتمام. حميد الأبيض (فاس)

سجين بتاونات جنى 152 مليونا من النصب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المغرب يشهد تحولا ديمقراطيا هادئا

اعتقال شيخ بسلا بتهمة اغتصاب قاصر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات