تعددت الأسباب والجريمة واحدة

مشاهد تزرع الرعب في النفوس والتطور التكنولوجي ساهم في سرعة انتشار أخبارها تقف عوامل اجتماعية واقتصادية ونفسية مختلفة ومتنوعة وراء الارتفاع المخيف لمعدل الجريمة، سيما العنيفة منها وجرائم القتل، رغم الجهود الأمنية المبذولة للتقليل من حجمها وتجفيف منابع تجارة ممنوعات ومؤثرات عقلية عادة ما تكون وراء ارتكاب مدمنيها جرائم بشعة زاد عددها بشكل كبير ومخيف يحتاج الحد منها تضافر جهود الكل. وتفيد المعطيات أن نسبة مهمة من الجرائم العنيفة والقتل، يرتكبها أشخاص في غير وعيهم لتناولهم أقراص هلوسة أو أي نوع من الأنواع الجديدة للمخدرات، يفقدون باستهلاكها قدرتهم على التمييز والاتزان، ما يبرر بشاعة جرائم قتل وتشويه جثث وتقطيعها والتخلص منها بالدفن أو الحرق، مما لم يكن له وجود إلى حين قريب. مثل هذه الجرائم لم تسجل قبل عقود إلا في حالات قليلة، لكن رقمها ارتفع راهنا إلى حد نادرا ما يمر يوم دون تسجيل عدد منها وبمناطق متفرقة، ما تتناقله الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق، ولحد التخمة والاستياء من تداول مشاهد تزرع الرعب في كل من يطلع عليها وتكون إحساسا باللاأمن لدى المواطنين. يرى المتتبعون أن للتطور التكنولوجي دورا كبيرا في سرعة تداول أخبار تلك الجرائم ونقلها بالصوت والصورة في زمن قياسي، وبالكيفية الحالية الكاشفة لحجم انتشار الجريمة وبشاعتها، عكس ما كان عليه الأمر سابقا. لكن ذلك ليس معيارا للقول بتضخيم الأرقام والصور البشعة، بل يكشف درجة استفحال معدلات الجريمة بأنواعها. هذا الارتفاع لا يخفي المجهود الأمني الكبير في محاربة أنواع الجريمة وتجفيف منابع المخدرات باعتبارها وراء ارتكاب الكثير منها، لأن أي إنسان عاقل وفي كامل قواه العقلية، لا يمكن أن يقتل بالبشاعة التي ترتكب بها جرائم لم يسلم منها حتى الأصول والفروع أجهز عليهم بطرق أكثر بشاعة من قبل الجنسين وبمختلف المدن. مثل هذه الجرائم الدموية تنفذ بطرق عنيفة وببشاعة بما فيها تلك بين الأزواج أو في المحيط العائلي بين الأشقاء والآباء والأبناء وأفراد العائلة الواحدة، ما يفضح حقيقة تراجع دور الأسرة وما جبلت عليها أجيال سابقة من زرع بذور الاحترام بين أفرادها، سيما في علاقة الأبناء والأشقاء والأخوال والأعمام ودرجة احترامهم لأصولهم. ومهما تنوعت الأسباب ودرجة الغضب من المحيط، ظل الآباء وأي فرد من العائلة، محترما تخجل العيون من النظر إليه بغير الرضى والطاعة، ما لم يعد راهنا بظهور جرائم الأصول أحيانا لشبهة ظنية أو خلافات ونزاعات تافهة، وكنوع من إثبات الذات المهانة أو المقصية وكرد فعل نفسي واجتماعي ضد المرتكبة في حقه الجريمة. وتفضح تلك الجرائم حقيقة شخصية مرتكبيها من المدمنين ومفتقدي الحس الإنساني أو المضطربين نفسيا فاقدي التوازن والتعاطف ومن يحس بدونية اجتماعية ويرفض الاعتراف بمشاعر الآخر وحقه في الحياة أقدس حقوق الإنسان، لأن الإنسان السوي لا يمكن أن يرتكبها أو أن يتلذذ باقترافها وبأبشع ما يمكن أن يتصوره العقل. وكشفت الأبحاث المجراة في الكثير من هذه الجرائم العنيفة، أن مرتكبيها كانوا وقت ارتكابها، تحت تأثير مخدر أو "خارج التغطية" النفسية بسبب إدمانهم أو مرضهم النفسي، وارتكبوها انتقاما أو في لحظة غضب لم يتمالكوا فيها منسوب غضبهم وفورة أعصابهم إما بسبب استفزاز آني أو نتيجة تراكمات ومشاكل مختلفة. ولا يمكن حصر عوامل ارتفاع معدل الجريمة، فيما ذكر، بل لها ارتباط وثيق بأسباب اجتماعية لها علاقة بتراجع مفهوم القيم في واقع مظلم عنوانه الفقر والبطالة وإحساس الجاني بالفراغ وفقدانه الثقة وما يولده من حقد اجتماعي يفجره في أجساد أشخاص غرباء أو أقارب، قد يعتقد أنهم وراء محنته الاجتماعية، وينتقم منهم بالقتل. ويزداد الوضع قتامة في غياب التوعية والتحسيس وبرامج جادة وناجعة تهتم بالشباب وتحارب انحرافه أيا كان شكله كي لا يتحول قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي حين مخلفة ضحية أو أكثر، ما يحتاج تداركه تكاثف جهود الدولة والمجتمع المدني والأسرة والمدرسة ومؤسسات الشباب، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أبناء الوطن. حميد الأبيض (فاس)

تعددت الأسباب والجريمة واحدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المباريات الإعدادية تؤرق الأولمبي

80 موهبة في المراكز الجهوية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات