الهادي: الدعارة الراقية ظاهرة سوسيولوجية الباحث في السوسيولوجيا

أرجع الظاهرة إلى رأسملة العلاقات الاجتماعية وتسليع وتبضيع المتعة الجنسية قال الهادي الهروي إن الهدف من دراسة ظاهرة الدعارة الراقية هو كشف المسكوت عنه، والطابوهات التي ظلت تمارس في المجتمع المغربي في الخفاء تارة وفي العلن تارة أخرى، بحث تتمظهر على شكل أفعال وسلوكات تتأرجح بين المقدس والمدنس، فيستحسنها البعض ويستهجنها البعض الآخر. كما أن الهدف منها هو ربط الأسباب بالمسببات ومعرفة طبيعة الدوافع إليها، وما تحدثه النساء الممارسات لها من اختلالات أخلاقية تسيء إلى المجتمع. أشار الدكتور الهادي الهروي، الباحث في الوسيو لوجيا، إلى أن الدعارة الراقية تدخل ضمن مفهوم الجنسانية التي تعتبر ظاهرة غنية ومعقدة بالمواضيع المتعددة والمتنوعة التي تشملها من نوع الحب الجنسي الإيروسي والخصوبة والشذوذ الجنسي والسحاق والمتعة والبكارة والفحولة والخفاض والافتضاض ومنع الحمل والدعارة والزنا....، وهي بذلك تخص الفرد والجماعة، كما تخص الخاصة والعامة والدولة والعالم، من حيث أنها ظاهرة كونية. وبما أنه من طبيعة البشر أن كل الناس يبحثون عن اللذة والاكتفاء الجنسي، فإنهم يختلفون في اختيار طرق تحصيلها علما على أن السبيل الصحيح للاكتفاء في هذا الباب يتم بالطرق المشروعة ووفق ما تسمح به القوانين والتشريعات المنصوص عليها في المجتمع. وأضاف المتحدث نفسه أن ما يثير الانتباه أن الكثير من الممارسات الناشطات في هذا الميدان كن من المهاجرات المحتاجات والفقيرات والأميات والمنبوذات. وبحكم تحولات المجتمع البنيوية، كان من الحتمي أن يحدث تطور في هذا الميدان على مستوى المجال والأشخاص، حيث تم تفكيك أوكار البغاء والدعارة، فأصبحنا نلاحظ شرائح من الطبقة المتوسطة ومنهن طالبات وموظفات وزوجات مطلقات ومهاجرات قادمات من أوربا الشرقية بل أزواج شخصيات وازنة تتاجر في الدعارة في فضاءات مختلفة عن الفضاءات السابقة كالفنادق المصنفة والفيلات المهيأة للدعارة والشقق المفروشة بأحياء راقية والضيعات العصرية والملاهي والمراقص العليا...وأوضح الهادي أن سماسرة وعصابات يستقطبون الفتيات الصغيرات، كما يستقطبون الزبناء والضيوف الأثرياء من الداخل والخارج من أجل المال مما وصفها البعض بالدعارة الراقية (وهل في الرذيلة رقي أو مجد). فما مواصفات الدعارة الراقية؟ إذا حاولنا الرجوع إلى علماء الاجتماع الذين تناولوا الظاهرة بالتحليل مثل: «بول غولدشتاين» و»عبد الصمد الديلمي» نجد أن الدعارة الراقية ترتبط بالسياق المهني أي بنوع بيئة العمل وطبيعة عملية التفاعل الذي تندمج فيه المرأة خلال تبادل الاتصال الجنسي المدفوع الأجر. وتختلف، في نظري، بيئة العمل تلك حسب طبيعة المدينة و أشكال آليات الضبط والسلطة، كالشارع الذي يتم فيه التقاط الزبائن، وفتيات الهاتف اللائي يتم استدعاؤهن من طرف سمسارات إلى مكان الزبون، وفتيات «الشات»، والمومسات العاملات في المواخير والمراقص الرفيعة أوالكازينوهات بالمدن المعروفة، وفتيات يقدمن خدمات خاصة في محلات التدليك. كما تعرف الدعارة الراقية بسن العاملة الجنسية ورشاقة جسدها ومعرفتها بالأصباغ والعطور ولغتها وبخبرتها ومهارتها في تقديم المتعة الجنسية بطرق تعتبر في رأي البعض راقية وفوق المعتاد أي على نموذج خلاعة الممارسات البورنوغرافية مقابل ريع أو مردود مالي. كما تتخذ لقب المحظية والعشيقة والخليلة التي تبقى تحت طلب شخص واحد يغدق عليها أموالا ورصيدا بنكيا أو سيارة أو شقة وملابس وخدمات مختلفة. ورغم خضوع ظاهرة الدعارة للمراقبة الأمنية، يضيف الهادي، فإنها تنفلت أحيانا بسبب أو بآخر من عيون المراقبين ويغض الطرف عنها إلى حين تفاحشها أوتحولها إلى حادث مثير أو إجرام، حيث تلجأ المصالح الأمنية إلى تكثيف حملات تفكيكها، مثلما حدث في الكثير من المناسبات، وبأماكن عرفها المواطنون عبر الصحافة.وعزا الهادي أهم عوامل انتقال الدعارة إلى الوسط الراقي بالمجتمع المغربي إلى تفكك الجماعات والمؤسسات الميكرو اجتماعية أو الوحدات الصغيرة مثل الأسرة واندثار المعايير الأخلاقية وتبدل القيم المجتمعية وتفكك المجتمع المنغلق. ورأسملة العلاقات الاجتماعية وإدماجها في سياق الامتهان التجاري وتسليع وتبضيع العلاقات الجنسية. أما أسبابها فنحددها فذكر منها الباحث نفسه أنها لا تفسر بعامل واحد، بل تتداخل فيها عوامل كثيرة: نفسية وسوسيو قتصادية وثقافية وتاريخية وأخلاقية وقانونية... ومن بينها انتشار الرفاه وتقدم وسائل المتعة في المدن المغربية الكبرى بفعل الأنفوميديا وما تعرضه الأفلام من تحرر جنسي ومظاهر جسدية تحدث الإغراء مثلما تولد الكبت والحرمان.ثم أسباب ذاتية خاصة بالمرأة الممارسة للدعارة الراقية التي تعاني عجزا مزدوجا: العجز الأخلاقي، وعجز تحقيق النجاح في المجتمع لغياب كفاءتها.إضافة إلى دافع الاغتناء وعدم القناعة بالدخل الشهري الوظيفي عند بعضهن، وتحقيق التسلق الطبقي والربح السريع والعزوف عن دخول سوق العمل أو الحياة الزوجية قبل تكوين رصيد مالي مهم. ثم تبدل القيم وتفكك الأصيل منها بفعل الانصهار في العولمة والتحديث والاندماج في حياة المتعة واللذة والرفاه . وجاذية المال بفعل العادة على معاشرة أرستقراطيين في الغالب وهميين وبدو من الجزيرة العربية يسمون بالزانية إلى قمة الهزيمة والانكسار، علما على أن الفوق الذي تصبو إليه ليس سوى حطاما وسرابا، ليس فقط لذاتها بل للذات الجماعية. فالمجتمع المغربي مجتمع إسلامي يرغب الناس أن يكونوا أكثر احتراما ووقارا ، فكل مؤسساته وهيآته تشجب الدعارة، منحطة أو راقية وتحاصرها، والكل يحارب من ينتفع من ريعها وسحتها، كما يحارب البغاء والزنا ويقتص من الزناة وأصحاب الفجور والدعارة طبقا للقوانين والتشريعات المجتمعية. إلا أننا نلاحظ أحيانا أن سماسرة كبارا ينشطون في مجال الدعارة الراقية ويظلون مجهولي الهوية، بغطاء شركات وكالات وهمية ومتنوعة التسميات من دون سجل تجاري.وختم الهادي أنه مما لا شك فيه أن المومس الفتية الراقية في بلد متدين يعتبرها ضحية ويلومها مثلما قد يحدث أن تلومه، لا يمكن أن تكون إلا مستلبة، تعج في ظلمات أوهام الكهف، وتعيش على حداثة مقلوبة وحقوق اللا إنسان، ولربما تكون العضو المليون من رقم النساء المومسات في نقابة العاملات الجنسيات ذوات المهنة المعترف بها برلمانيا في هولندا. فألا تدري أنها كالحشرة «الكـفكـاوية» تتخبط في متاهة، كل منافذها مسدودة ولا يمكن للإنسان السوي إلا أن يتقزز منها؟ المصطفى صفر

الهادي: الدعارة الراقية ظاهرة سوسيولوجية الباحث في السوسيولوجيا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جزر الشمال... الوجه الآخر للنزاع بين المغرب وإسبانيا

وسطاء أجانب ينعشون سوق الدعارة الراقية بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات