حديث الصباح: العدالة والتنمية والترويج للصراع الديني

التصور الهوياتي لا يستقيم إلا على الاعتقاد الجازم بصراع التيار الديني والتيار اللاديني إن الإطار العام، أو السياق السياسي، الذي صيغت فيه أطروحة المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، جعلها تستحضر التحديات والأسئلة الكبرى التي يطرحها «التغير الجوهري في موقع الحزب بانتقاله من المعارضة إلى قيادة العمل الحكومي، ما يفرض إعادة النظر في الرؤية السياسية التي كانت ناظمة في المرحلة السابقة». فالحزب بات مسؤولا عن تدبير الشأن العام وترجمة شعاراته السابقة إلى إجراءات عملية تستجيب لانتظارات المواطنين. لقد حافظت الأطروحة على نفحة الخطاب الهوياتي في ثنايا التحليل والتوجيه، ولم تقطع معه أو تلطفه على الأقل، مثلما هدفت أطروحة المؤتمر السادس. والهدف من بث هذه النفحة هو دعم الحزب ومناضلين «في الاستمرار والثبات على خط النضال والبناء الديمقراطي من أجل الإصلاح خدمة للمجتمع وتحصينا له من آفات التحكم والفساد والاستبداد، وما يفضيان إليه من خراب للإنسان والعمران». واضح إذن أن الأطروحة لا تلزم الحزب بسقف التنمية في أبعادها الديمقراطية (حقوق، حريات، كرامة، تنمية اجتماعية الخ)، بل جعلت مناط النضال والبناء الديمقراطي هو حماية الإنسان والعمران من «الخراب». أما الحقوق والحريات، فأمور مشروطة بـ «الإصلاح» وليست شرطا له. والخراب يصيب الإنسان في هويته أكثر مما يصيبه في بدنه، فهل «خراب» الإنسان ناتج فقط عن «آفات التحكم والفساد والاستبداد»، أم هناك عوامل أخرى تسببه؟ بصيغة أخرى: ما هي العناصر التي تعتمدها الأطروحة في كسب معركة «بناء الإنسان والوطن»؟ وما هي الأطراف التي تخوض ضدها هذه المعركة؟ بالتأكيد أن تحديد تصور أدبيات الحزب للإنسان وطريقة بنائه وعناصر البناء ذاتها ستمكننا من التعرف على أطراف المعركة. كما أن معرفة أطراف المعركة توضح لنا معالم بناء الإنسان. بالرجوع إلى المفاهيم التي وظفتها الأطروحة، والتي تحمل نفحة الخطاب الهوياتي، نجد مفهوم «النصر» بدل الفوز. تقول الأطروحة «يكشف تحليل المعطيات والوقائع التي تلت تعيين الحكومة بعد النصر المبين الذي حققه حزب العدالة والتنمية في استحقاقات 25 نونبر 2011». وهذا الاستعمال له دلالاته السياسية والعقدية تفيد أن الحزب يخوض معركة دينية ضد معسكر الأعداء وليس الخصوم كما تقتضيه القواعد الديمقراطية؛ لأن النصر لا يكون إلا ضد الأعداء، فضلا عن الإحالة الدينية لمفهوم النصر، والتي تعني أن الله تعالى هو من منح النصر للحزب، وليس جزءا من الناخبين، فيصير النصر في الانتخابات قدَرا من الله. وقد عنونت الأطروحة إحدى فقراتها بعنوان يشير إلى معنى النصر الإلهي كالتالي «إرادة الشعب من قدَر الله». وهذه واحدة من آفات الخلط بين السياسي والديني، والتي تثير في وعي ولا وعي المواطنين أن الله تعالى ينصر «عباده المؤمنين» ويخذل غيرهم؛ وها نحن أمام توظيف الديني في الصراع السياسي. ومن مخاطره تقسيم المواطنين إلى «مؤمنين» و«غير مؤمنين»، أي كفرة. ورغم انخراط الحزب في اللعبة الديمقراطية وفق قواعدها المعروفة عالميا: التنافس على أساس البرامج، والتداول على السلطة، وأغلبية ومعارضة، والاحتكام لأصوات الناخبين الخ، فإن الحزب ظل سجين الجهاز المفاهيمي والقاموس اللغوي اللذين تشبع بهما في أحضان حركة التوحيد والإصلاح الدعوية، وظل هذا الجهاز المفاهيمي يتحكم في طريقة التفكير وتدبير الصراع السياسي بأدوات ومفاهيم دينية. فالحقل السياسي، وفق هذه المفاهيم، هو حقل صراع بين تيارين: تيار ديني يمثله حزب العدالة والتنمية، وتيار دنيوي/لاديني يمثله العلمانيون. سبق للأستاذ بنكيران أن صرح بطبيعة الصراع هذه في حوار أجرته معه وكالة أنباء الأخبار الموريتانية المستقلة في 25-7-2008، إذ قال (حزب العدالة والتنمية، هو كذلك جاء من حاجة حقيقية للشعب المغربي، وهي حاجة الهوية بعد أن تحكم التيار العلماني في القرار السياسي للأمة). وهذا التصور هو نفسه الذي أسست له حركة التوحيد والإصلاح كالتالي (إن ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة هو مفرق الطريق بيننا وبين أصحاب المشاريع الدنيوية الذين يريدون الحياة الدنيا ويجعلونها هدف كفاحهم ونضالهم). ويمكن أن نسجل، في هذا المستوى، تراجعا بيّنا عما نصت عليه أطروحة المؤتمر السادس من أن خطاب الحزب ينبغي أن يكون (خطابا مدنيا يستدعي أساسا المصطلحات الحديثة )؛ ومصطلح "النصر" ليس من المصطلحات السياسية الحديثة. وتكريسا للتصور الهوياتي الذي لا يستقيم إلا على الاعتقاد الجازم بوجود تيارين: التيار الديني والتيار اللاديني، وأن العلاقة بينهما تقوم بالضرورة على الصراع وليس التنافس؛ تعمدت الأطروحة التباكي على وضعية التيار السلفي بعد الأحداث الإرهابية لـ16 ماي 2003، إذ اعتبرت التضييق عليه يندرج ضمن سياسة "التحكم" و"االتنكيل" التي نهجتها الدولة بسبب "تحكم التيار العلماني في القرار السياسي للأمة"، وهذه مصادرة على المطلوب بغاية تثبيت تهمة "العداء" للدين وللهوية على التيار العلماني. لأجل هذا، أصرت الأطروحة على اعتبار الإجراءات الإدارية التي أُغلقت بموجبها "دور القرآن" تدخل ضمن سياسة "تجفيف منبع التيار السلفي في المغرب بكل أشكاله "دون أن تشير، ولو من باب التضامن الأخلاقي، مع ضحايا العمليات الإرهابية التي نفذها التيار الجهادي. كما لم تتبرأ الأطروحة من التنظيمات الإرهابية التي تتساقط تباعا بفضل يقظة الأجهزة الأمنية التي بدورها لم تحظ ولو بتحية عابرة عن الجهود والتضحيات التي تبذلها لضمان الأمان والاستقرار، إذ بفضلها تم تفكيك أزيد من مائة خلية إرهابية منذ 2003، اثنتان منها تم تفكيكهما منذ ترؤس حزب العدالة والتنمية الحكومة الحالية. لا شك أن أطروحة المؤتمر السابع حبلى بالتناقضات، ولا يمكن لها أن تساهم بفاعلية في بعث أجواء الثقة بين الفاعلين السياسيين طالما ظلت مخلصة للخطاب الهوياتي، خصوصا أن الأطروحة تراهن على إعادة الثقة في العمل السياسي، بعدما ساهمت سياسات الدولة في إفساد الحقل السياسي. وكان من ضحية هذا الإفساد الأحزاب السياسية نفسها التي تشكل التيار العلماني، والتي لها فضل إشاعة مناخ الحريات والحقوق الذي أوصل الحزب إلى رئاسة الحكومة. فالمقاربة التشاركية التي تعلن الأطروحة اعتمادها في إدارة الشأن العام تفرض على الحزب تنقية قاموسه اللغوي وجهازه المفاهيمي مما يحيل على الصراع الديني، وفي الوقت نفسه إعطاء مصداقية لمدلول الشراكة التي نصت عليه الأطروحة باعتبارها (خيارا منهجيا إستراتيجيا لحزب العدالــة والتنمية، من منطلــق قناعته بأن مستقبل الوطن يصنعه أبناؤه جميعهم، فلا مغالبة ولا استفراد أو استئثار، بل شراكة ومشاركة وإصلاح ومصالحة). بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث

حديث الصباح: العدالة والتنمية والترويج للصراع الديني

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يرسم خارطة طريق العمل الحكومي

حجز أربعة أطنان من الشيرا بميناء البيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات