نخب “بوليساريو” تتلمس طريق الواقعية

بقلم: الفاضل الرقيبي قبل سنوات قليلة فقط، كان مجرد ذكر "مقترح الحكم الذاتي المغربي لـ 2007" في مخيمات تندوف كفيلا بأن يجر على صاحبه تهمة الخيانة والعمالة، وربما ما هو أسوأ من ذلك، كما حدث مع مصطفى سلمى، وامربيه أده، والمعتقلين الثلاثة (الفاضل بريكة ومحمود زيدان ومولاي بوزيد). أما اليوم، فقد أصبح المشهد واضحا ومحملا بالدلائل بعدما بدأت نخب محسوبة على "بوليساريو" تجاهر بالأسئلة الصعبة، من قبيل: ما جدوى الاستمرار في لعبة باتت ملامحها مكشوفة؟ وما الغرض الحقيقي من الدعم الجزائري؟ وهل حقا الخيار المغربي غير جدير بالنقاش؟ أم أن "التجريم السياسي" السابق ما هو إلا آلية لضبط الأصوات والحفاظ على وهم القضية في ذاكرة سكان المخيمات؟ غير أن الأهم من ذلك، هو بروز أصوات من داخل الدائرة الضيقة لاتخاذ القرار بالرابوني تتناول بصراحة ملف الحكم الذاتي، وتفتح نقاشا لم يكن مطروحا سوى في الجلسات السرية، بل لا تتردد هذه الأصوات، من مثقفين ومؤطرين سابقين، بل وحتى من منتسبين سابقين للجناح العسكري للجبهة، في اعتبار المقترح المغربي إطارا جديا للحل، مقارنة بحالة "اللاحل" التي ترزح تحتها المخيمات منذ نصف قرن. ولعل الجديد الذي برز في هذه النقاشات، هو أن بعض وجوه القيادة نفسها بدأت تلمح إلى أن الجزائر لا تدعم "بوليساريو" حبا في "حق تقرير المصير"، كما تزعم، بل خدمة لأجندة جيوسياسية لم تعد خافية على أحد، عنوانها الأبرز: الضغط على المغرب، وتوظيف ملف الصحراء أداة في صراع إقليمي مزمن. وبهذا، فإن مجرد طرح هذا السؤال من داخل الصف الأول للجبهة يمثل زلزالا مفهوميا ينسف أسطورة "التحالف الأخوي" و"الدعم اللامشروط"، ويكشف عن ارتباك في خطاب ظل لعقود محصنا بالخوف والقمع و"القداسة الثورية". نقاش بهذا الحجم، وهذه الحدة، لا يمكن أن يفهم بمعزل عن العمل المغربي الدؤوب، ليس فقط دبلوماسيا بل أيضا على الجبهة الإعلامية والنفسية، فقد نجحت المملكة بهدوء وإستراتيجية ناعمة، في اختراق الحصار الخطابي الذي فرضته الجبهة داخل مخيمات تندوف عبر الوسائط الاجتماعية، وشهادات المنشقين عن الجبهة، وصور التنمية المحلية، إذ تسلل خطاب الواقعية إلى الخيام والبيوت الطينية، بعدما كان "التفكير خارج الصندوق" جرما في احمادة تندوف. التحول الجذري لا يكمن فقط في مضمون النقاش، بل في أنه أصبح ممكنا ومسموحا به، في حد ذاته، وهذا أكبر اختراق سياسي للمغرب منذ بداية هذا النزاع، كما أن مجرد خروج النقاش من الظلال إلى العلن، مؤشر قوي على أن القضية التي تم تضخيمها لعقود بدأت تفقد "هيبتها" الرمزية، وأن سكان المخيمات، التي ضلت الطريق بين الدعاية الحربية والحرمان المعيشي، بدأت تستعيد وعيها التدريجي. ولا يمكن إغفال أن هذا التحول جاء أيضا في سياق ضعف قيادي واضح في صفوف "بوليساريو" والجزائر، على حد سواء، فالقيادة الحالية للجبهة تبدو مرتبكة، وتفتقد للكاريزما وللإجماع الداخلي، في حين تعاني الجزائر أزمة شرعية داخلية وانكماشا دبلوماسيا، أفقدها الكثير من قدرتها على ضبط ملف الصحراء. وقد أتاح هذا الضعف المزدوج للحقائق التي كانت تخبأ بعناية، أن تطفو إلى السطح، وللأوهام القديمة أن تتهاوى تباعا. في المحصلة، هذا النقاش الداخلي، بكل ما يحمله من جرأة ومراجعة وتجاوز للطابوهات القديمة، هو، في حد ذاته، أبرز تقدم يحققه المغرب في عمق الوعي الصحراوي نفسه، وهو مؤشر قد يكون الأهم، حتى الآن، على أن الملف يتجه نحو طي صفحة طويلة من الوهم وفتح أخرى تكتب بقلم الواقع والمنطق والبراغماتية.

نخب “بوليساريو” تتلمس طريق الواقعية

أصوات من دائرة القرار بالرابوني تتناول بصراحة ملف الحكم الذاتي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التحقيق في صفقات مشبوهة بـ 6 ملايير

19 سنة لأمنيي الحوادث الوهمية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات