منكـوبـو المدينـة القديمة في عـزلـة

السكان يصرخون "الصبر كيضبر" وعائلات عادت إلى منازلها المهددة بالانهيار «فين غاديين؟ ممنوع دخلوا. راه التعليمات جاية من الفوق ، وللي ما عجبو الحال يمشي بحالو...». هذا ما يسمعه كل من حاول الاقتراب من سكان المدينة القديمة بالبيضاء الذين أجبروا على إخلاء منازلهم باعتبار أنها أصبحت تهدد حياتهم. هنا بملعب فليب يصعب الوصول إلى خيام السكان، ويستحيل تجاوز الباب الرئيسي للملعب دون الاصطدام بأسئلة السلطات التي تحرص كل الحرص على أن لا يدخل «الغرباء» إليه، حتى ولو كانوا من الصحافة أو جمعيات المجتمع المدني، والشيء ذاته يحدث بمدرسة الحنصالي التي خصصت حجراتها، ليمكث بها سكان المدينة القديمة.رغم محاولات السلطات منعها من ولوج المكان، استطاعت «الصباح» التسلل إلى داخل تلك الخيام وكشف معاناة سكان اضطروا إلى إخلاء منازلهم. سكان ينتظرون على أحر من الجمر، وفاء السلطات بوعدها ومساعدتهم على اقتناء منازل جديدة.الصبر كيدبر رجال الأمن وموظفون بالعمالات... يحرسون الباب الرئيسي لملعب فليب الذي نصبت فيه العشرات من الخيام لاستقبال سكان المنازل الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة. لا يتركون الفرصة تفوتهم للتأكد من هوية كل من اقترب من المكان، وإذا كان صحافيا، فالأكيد أنهم سيمنعونه حتى من التحدث إلى السكان، كأنهم يخفون أمرا خطيرا يرفضون كشفه إلى الرأي العام. هنا في هذا الملعب الذي مازال يشهد تداريب بعض أعضاء مدرسة فريق الوداد البيضاوي الرياضي، تسمع معاناة سكان كانوا في الأمس القريب يبيتون في منازلهم بأحد أحياء المدينة القديمة، قبل أن تصير مصدر تهديد لحياتهم. تجاوز «الحراس» تطلب الإدلاء ببطاقة التعريف الوطنية وعدم الكشف عن المهمة الصحافية، والادعاء أننا في زيارة لإحدى العائلات.على ممر طويل بالملعب، توجد غرفتان صغيرتان حولتهما السلطات إلى مطبخين وضعتهما تحت تصرف سكان الخيام. وفي الجهة المقابلة، نصبت خياما بيضاء. هنا في هذا المكان، قررت السلطات أن تأتي بسكان المنازل الآيلة للسقوط، رغم أنها لم توفر لهم كل الشروط للعيش الكريم. أتت بهم إلى هذا المكان حتى لا يكونوا أيضا ضحايا انهيار منازلهم، كما حدث مع سكان منزل بدرب خروبة الذي خلف خمسة قتلى، وانهيار منزل بدرب المعيزي خلف أربعة قتلى، كأنها تحاول التأكيد على أن أي انهيار سيحدث مستقبلا ليست مسؤولة عنه.«كنديرو الصف باش ندخلو الحمام، وكانت العافية غادي تشعل فينا بسبب بوطة صغيرة... الحاصول الله يصوب لينا»، هذا ما أكدته خديجة الحريري، من سكان المدينة القديمة، اضطرت رفقة عائلتها إلى إخلاء منزلها والانتقال إلى خيمة بملعب فليب، بعد أن أخبرتها السلطات أنه يجب إصلاح المنزل حتى لا يسقط «في الحقيقة أشك في رواية السلطات، من الممكن أن يكون صاحب المنزل يريد التخلص من السكان وأّلف هذه القصة، فهي فرصة لا تعوض بالنسبة إليه، باعتبار أنه دائما يبدي رغباته في استعادته وإخراجهم منه».وأردفت المتحدثة قائلة «أخبرتنا السلطات أنه في الوقت الذي سيصلح فيه المنزل نستطيع العودة إليه، إلا أننا لا نعتقد... لكننا سنبقى هنا إلى أن تجد لنا حلولا مناسبة، ونحن على استعداد لدفع مبالغ شهرية تناسب قدرتنا الشرائية لاقتناء منازل جديدة».تقول خديجة التي تقطن بتلك الخيمة الصغيرة تضع فيها حاجياتها وملابسها... إنها من الأشخاص المحظوظين في المكان لأنها تقطن هي وعائلتها، فقط، في الخيمة، باعتبار أن خياما أخرى تضم 3 عائلات أي ما يقارب 20 شخصا في خيمة واحدة «أخبروا السلطات أن الخيمة لا تكفيهم، إلا أنها لم تحرك ساكنا وتجاهلت الأمر».لم تخف خديجة المشاكل التي يعيشها السكان في ملعب فليب، مؤكدة أنه يصعب تحمل العيش فيه «إلا أننا لا نملك خيارا آخرا»، مشيرة إلى أن عائلتها تهدد بالعودة إلى المنزل، لأنها لا تتحمل العيش في هذا المكان «الناموس والحشرات والخنز... كيفاش غادي نقدرو نعيشو هنا... موت وحدة كاينة».وتضيف المرأة أنه «كل مرة كيجي شي مسؤول وكيوعدنا بللي غادي تقاد الأمور، إلا أنهم لا يحددون الوقت التي سنجد فيه أنفسنا في منازل جديدة ... الهضرة للي كيقولوها هاد المرة كيعودوها المرة الجاية. كيعرفو غير يقولوا صبرو معانا... راه الصبر كيدبر»، تضيف المرأة بحرقة كبيرة «راه معانا ناس مراض وحتى واحد ما كيفكر فيهم».ممنوع الاقتراب غير بعيد عن ملعب فليب توجد مدرسة الحنصالي. هنا في هذه المدرسة انتقلت بعض العائلات للمكوث بحجراتها بعد أن أجبرتها السلطات على إخلاء منازلها. لكن التحدث إلى أفرادها كان مستحيلا باعتبار أن الحراسة كانت مشددة. رجل في الأربعينات من عمره، يجلس بالقرب من الباب الرئيسي للمدرسة، يضع كتابا أسود كبيرا على المكتب يوهم السكان أنه يدون فيه اسم كل شخص دخل أو خرج من الباب. أعين رجلين آخرين تلاحق السكان وأيضا زوار المدرسة. يحاولان كشف سبب الزيارة رغم أنهما لن يسمحا للغرباء بدخول الحجرات. رائحة الطبخ التي تملأ المكان توحي أن السكان اعتادوا المكوث فيه، والملابس الموضوعة لتجف تؤكد أنهم استسلموا للأمر الواقع. كان الرجل يحاول التأكيد أنه لا يسمح لأي شخص بالخروج أو الدخول إلى المكان دون أن يدون اسمه، إلا أنه ذهل في الوقت الذي أكد أحد سكان «الحجرات» أن عائلتين غادرتا المكان في اتجاه منزليهما بالمدينة القديمة، دون أن يعي بذلك، وأنهما ملتا انتظار وفاء السلطات بوعودها. دهشة الرجل الأربعيني كانت قوية إلى درجة أنه حاول الصراخ على مخاطبه محاولا إسكاته، مؤكدا أنه لا يمكن أن يفوته مثل ذلك وأنه فقط ينفذ أوامر المسؤولين، كما اضطر، في محاولة منه لإخفاء توتره، إلى مغادرة مكتبه حاملا كتابه الأسود «العجيب»، والتوجه بعيدا. يقول أحد السكان المقيمين في مدرسة الحنصالي إن العيش هنا لا يطاق «لا يعقل أن تقطن 3 عائلات في حجرة واحدة، والمراحيض غير صالحة للاستعمال ... هذا ما جعل العديد من العائلات تعود إلى منازلها رغم أنها مهددة بالانهيار في أي لحظة وصارت مصدرا للخطر «، مؤكدا أنهم حاولوا إيصال معاناتهم إلى السلطات إلا أنها لم تبال «نخاف أن يتركونا في هذه الحجرات، وينسوا أصلا أننا في حاجة إلى مساعدتهم، لا نملك المال لشراء منازل جديدة ولا إلى كرائها، ننتظر أن تفي السلطات بوعودها». ما مصير سكان المنازل الآيلة للسقوط؟تطرح أسئلة كثيرة نفسها بقوة بعد أن نطلع على إحصائيات وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة حول عدد المنازل الآيلة للسقوط في البيضاء، التي أكدت أن 4000 مسكن مهدد بالانهيار بدرجات متفاوتة، وعلى تقارير أخرى تشير إلى أن عدد هذه القنابل الموقوتة التي تهدد حياة المواطنين وصل إلى 7000 منزل.تلك الأسئلة تتعلق ب» أين سيمكث أصحابها إذا انهارت ؟ هل ستخصص لهم السلطات حجرات المدارس كما فعلت مع سكان المدينة القديمة؟ أم ستنصب لهم الخيام؟». لا أعتقد أن هذين الحلين سيكونان مناسبين للسكان مادام أنهم سيجدون أنفسهم في الشارع، بعد أن تفتح المدارس أبوابها لاستقبال التلاميذ، وأيضا بعد تساقطات مطرية مهمة. من الأفضل أن تجد السلطات حلولا مناسبة وأن تساعدهم وتسهل عليهم شراء منازل جديدة في السكن الاقتصادي.تلك الأرقام تعتبر قليلة أمام ما أكدته دراسة أنجزتها لجن مختصة بدار الخدمات بالدار البيضاء، حول «إشكالية الدور المتداعية والآيلة للسقوط في مدينة الدار البيضاء» بناء على معاينات اللجن وشكايات الملاكين والقاطنين، إذ جاء فيها أن عدد الدور الآيلة للسقوط بتراب البيضاء يبلغ حوالي 2870 بناية، ويبلغ عدد الأسر القاطنة بها، حوالي 72 ألف أسرة، 90 في المائة، منها تقطن في عمالات مقاطعات الدار البيضاء آنفا، والفداء درب السلطان وعين السبع الحي المحمدي. إنها أرقام تثير الكثير من القلق، سيما أن السلطات لا تأخذها بعين الاعتبار، وتنتظر حدوث الفاجعة لتستيقظ من سباتها. إيمان رضيف

منكـوبـو المدينـة القديمة في عـزلـة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وزارة الصحة تتبرأ من "نوار" المصحات

الحرارة تنعش الإصابات بالتسممات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات