انتظارات المواطن من القضاء… عدالة وحكامة

المتقاضون في حاجة إلى إصلاح حقيقي للمؤسسة التي يقصدونها لحل نزاعاتهم وضمان حقوقهم في عشر سنوات الأخيرة، لامس مسلسل الإصلاح، أو على الأقل الحديث عنه، عدة قطاعات بالمغرب، وأضحى أمرا ضروريا، خاصة مع المتغيرات التي تعرفها البلاد على جميع المستويات. ويعد القضاء واحد منها باعتباره مؤسسة دستورية يقصدها الناس لحل خلافاتهم ونزاعاتهم من أجل ضمان حقوقهم. ورغم وجود إرادة وعزيمة على تسريع نهج الإصلاح من أجل كسب رهان «قضاء مستقل ونزيه»، ما تزال تسجل مجموعة من المؤاخذات التي على المسؤولين أخذها بعين الاعتبار، كما تجب إعادة التفكير في نظام العمل بهذه المؤسسة، والمقصود المحاكم بشتى أنواعها، إذ أصبح من الضروري إيجاد «حكامة» جيدة لإدارتها، ومباشرة الملفات القضائية لتعرف طريقها إلى التصفية دون بطء، وأحكاما جيدة التعليل، وعادلة تعرف طريقها إلى التنفيذ، حتى يضمن هذا الجهاز مصداقيته وثقة المواطنين والمتعاملين معه. ومثل هذه المبادرات لن تجد وجهتها السليمة ما دامت تتعثر بتفشي مظاهر سيئة في التعامل بدهاليز المحاكم.إلا أن إصلاح القضاء لا يتجلى فقط في الخطب والشعارات الفضفاضة، وإنما هو مخطط عملي وبرامج تنفيذية متكاملة ومضبوطة، وفق مقاربة شاملة تجسد العمق الاستراتيجي لهذه المهمة، حتى يمكن الحديث عن تحقيق منجزات، سواء على صعيد المبادرات التشريعية، أو الإجراءات التنظيمية، إضافة إلى مشاريع تحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم. كما أن تكثيف التفتيش العام يعتبر وسيلة للاطلاع على مجريات تصريف القضايا من خلال التفقد الدقيق والحرص على توحيد العمل والبحث عن مواطن الخلل في مسلسل إصلاح القضاء، مع الحرص على تعزيز ضمانات استقلاله، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، ورفع النجاعة القضائية والحكامة الجيدة، والقرب من المتقاضين، والنهوض بالوضعية الاجتماعية للعاملين بالقطاع.وما يلاحظ في هذا الشأن، هو أن مخططات الإصلاح ما تزال متعثرة، بدءا من إصلاح البنايات وتأهيلها بما يرقى إلى تطلعات العاملين بها، ومدهم بالتجهيزات الضرورية لتسهيل عملهم القضائي.والمؤكد أن إصلاح القضاء ليس شأنا خاصا بالقضاة، أو السياسيين وحدهم، وإنما هو قضية مجتمعية، ولا بد أن يشترك الجميع فيه، ولكي يتأتى ذلك، لابد من نهج إصلاحات دستورية باعتبارها المدخل الأساس لإصلاح القضاء والحسم التام في استقلاليته عن باقي السلط، كما ينص على ذلك الدستور.ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه هو تجنب الامتعاض من حرية التعبير لدى القضاة، ومن استغلال حقهم الدستوري في تكوين جمعيات، وتعزيز استقلاليتهم بما يمكنهم من الاضطلاع برسالتهم في ضمان النظام العام وحفظ السلم الاجتماعي وتعزيز دولة الحق والقانون، بعيدا عن كل ما من شأنه أن يشوش على عملهم، الذي يخضع أحيانا لتدخلات السلطة التنفيذية.ومن الضروري أيضا أن تنخرط في هذا الورش الأحزاب والنقابات وجمعيات المحامين والمنظمات الحقوقية ومختلف تنظيمات المجتمع المدني، كل من موقعه، على أن تقوم بدورها كاملا في عملية الإصلاح القضائي.وهناك خطط عملية وبرامج تم وضعها لإصلاح القضاء على مدى السنوات العشر الماضية، لكن جميع المقاربات، إلى حدود الآن، لم تجسد العمق الاستراتيجي لإصلاح القضاء، وما تزال البلاد في حاجة إلى تحقيق العديد من الوعود المرتبطة بإصلاح العدالة، سواء على صعيد المبادرات التشريعية، أو الإجراءات التنظيمية، علما أن إصلاح القضاء ينطلق من وضع مشاريع لتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم، لأن البنيات ليست هي العقليات، والإصلاح الحقيقي يجب أن ينطلق من قواعد خاصة وقوانين، وليس بمكاتب وتجهيزات إلكترونية، فمشكلة القضاء ذات طابع جذري متغلغل، ولا يمكن إزالتها بمجرد إجراءات بسيطة، فالمشكل أعقد مما يعتقد الكثيرون. محمد البودالي

انتظارات المواطن من القضاء… عدالة وحكامة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المتقاضي حلقة مهمة في فساد القضاء

مواطنون يحاكمون القضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات