الضبط الاجتماعي والأمني الوظيفة المركزية للداخلية

حسن طارق قال إن السنوات الأخيرة عرفت تفكيكا تدريجيا للمفهوم القديم للسلطة اعتبر الباحث الجامعي، وأستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، حسن طارق، أن «المفهوم الجديد للسلطة»، جزء أساسي من شبكة المفاهيم والمفاتيح، التي رسمت بقوة اللغة والخطاب السياسي للملك محمد السادس في بداية عهده، مضيفا أن الأمر يبدو طبيعيا بالنظر إلى أننا أمام عهد آخر يحتاج إلى مشروع وتصور ورؤية أخرى ، وبالتالي إلى كلمات ومفاهيم تختزله. وأضاف طارق، أن المفهوم الجديد للسلطة يعني تصورا جديدا للإدارة الترابية ووظيفة جديدة لرجل السلطة وعلاقة الإدارة بالمواطن، وهو ما جعل الملك يستدعي مفاهيم جديدة في خطبه، منها مفهوم القرب والمواطنة...لتشكيل قاموس يتفق مع المفهوم الجديد. المفهوم الجديد للسلطة، بداية ماذا يعني بالنسبة إليكم، من موقع الباحث الأكاديمي، هذا المفهوم؟«المفهوم الجديد للسلطة»، هو جزء أساسي من شبكة المفاهيم التي أثثت بقوة اللغة والخطاب السياسي للملك محمد السادس في بداية عهده. لقد كنا أمام بداية (عهد جديد) يحتاج إلى مشروع وتصور ورؤية، وبالتالي إلى كلمات ومفاهيم تكثف مضمونه.ليس غريبا أن الإعلان عن هذا المفهوم كان في خطاب ملكي من طينة تلك الخطب الأولى التي يمكن اعتبارها خطبا /مشاريع أو خطبا تأسيسية. لقد تم ذلك في مدينة البيضاء في أكتوبر 1999. والأكيد أن اختيار المدينة كان جزءا من الرسالة التي يحملها هذا المفهوم، وفي ارتباط وثيق بين الرمزية الاقتصادية للمدينة وبين المضمون الاقتصادي لهذا المفهوم الجديد.المهم، أن خطاب أكتوبر ركز على أن هذا المفهوم يرتبط برعاية المصالح العمومية والشؤون المحلية، ثم بضمان الحريات الفردية والحفاظ على السلم الاجتماعي. ولأجل ذلك اعتبر الخطاب إلى أن مسؤولية تحقيق هذه الأهداف لن تتم داخل المكاتب الإدارية، لكنها تتطلب احتكاكا مباشرا وميدانيا بالمواطنين الذين يجب إشراكهم في إيجاد حلول لمشاكلهم. اللافت أن هذا الخطاب التأسيسي سيعرج بقوة على الجوانب الاقتصادية المتعلقة بتشجيع الاستثمار ودعم القطاع الخاص، وما يحتاجه ذلك من تأهيل للإدارة ودولة الحق.أعود لأقول إن المفهوم الجديد للسلطة يعني تصورا جديدا للإدارة الترابية، ووظيفة جديدة لرجل السلطة، وتدبيرا جديدا لعلاقة الإدارة بالمواطن، لذلك فهو يستدعي من جهة مفاهيم أخرى مجاورة له حضرت بقوة في الخطب الملكية الأولى كمفهوم القرب والمواطنة…ومن جهة أخرى يعني إدخال متغير جديد في بنية الإدارة الترابية، إنه المتغير الاقتصادي الذي يجعل من التنمية الاقتصادية وخلق شروط الاستثمار إحدى الوظائف الجديدة للإدارة الترابية.ولا يبدو هذا غريبا، فالمفهوم الجديد للسلطة هو وليد سياق شكلت فيه الأولوية الاقتصادية الهاجس الأكبر للمؤسسة الملكية، وهو سياق استمر من بداية العهد الجديد إلى غاية 16 ماي 2003، حين ستظهر داخل الأجندة الملكية الحاجة إلى التأهيل الاجتماعي والسياسي. ما هي علاقة هذا المفهوم بالوجوه الجديدة التي أصبح يعتمد عليها في تدبير الإدارة الترابية على مستوى العمال و الولاة؟ الحاجة إلى وجوه جديدة قد تمليها الرغبة في تجسيد المفهوم الجديد للسلطة، كما قد تمليها الرغبة في بناء صورة جديدة للإدارة الترابية، صورة أكثر تصالحا وإنسانية، كما قد تمليها الرغبة في تفكيك شبكات وبنيات «قديمة». ما يهم في السؤال هو أن ثمة بروفيل جديدا لرجال السلطة داخل المستويات المهمة (الولاة أساسا)، يبدو جوابا وتجسيدا مباشرا للحاجة إلى إقحام الكفاءة التقنية والاقتصادية على وظيفة ظلت مقتصرة على التدبير الإداري والأمني، لذلك نرى اليوم داخل الجغرافيا البشرية لرجال السلطة:-انبثاق جيل جديد من رجال السلطة ذوي كفاءات تقنية عالية، مهندسي قناطر، خريجي بوليتيكنيك، أصحاب تجارب في تدبير مؤسسات عمومية، وهم في الغالب بدون أي ماض داخل الإدارة الترابية.-استمرار البروفيل التقليدي لرجال السلطة، أبناء(الإدارة الترابية)، ذوي سير مهنية نمطية، دبلوم كلية الحقوق وتجربة وظيفية داخل أسلاك الداخلية. سوسيولوجيا، تبقى هذه الفئة حاملة لبصمات وزير الداخلية الراحل إدريس البصري، الذي بإرادوية واضحة خلخل المسارات التقليدية لصناعة النخبة داخل الإدارة المغربية، على مستوى تكسير نفوذ بعض العائلات المخزنية المعروفة، وضرب احتكار القادمين من مدن عريقة للمناصب القيادية .-انحصار تجربة الانفتاح المحدود على شخصيات قادمة من الأحزاب السياسية، حالة الوالي الحالي لأكادير القادم من حزب الاستقلال ثم الوالي السابق لتطوان، القادم من الاتحاد الاشتراكي، ثم الوالي القادم من الحركة الشعبية. ثم أخيرا، حالة تصدير المحيط الملكي لرجال السلطة، كنموذج حسن أوريد ومحمد القباج. كيف تقيّمون إعادة تشكيل المفهوم الجديد للسلطة؟ تقييم المفهوم الجديد للسلطة يستدعي بالمعنى الذي يعطيه القانونيون لمصطلح (المخالفة)، استحضار ما يمكن تسميته تجاوزا بالمفهوم القديم للسلطة، آنذاك يمكن المقارنة بين القديم والجديد، وبحث الحدود الغامضة دائما بين القديم العصي على الذهاب، والجديد الباحث عن مكانته.ويمكن أن نسلم بداية أن إدريس البصري هو أحد أكبر رموز المفهوم القديم للسلطة، ولعل هذا ما أهله ليكون إعفاؤه وتجريده من مهامه، أول مؤشرات التجسيد القوي للمفهوم الجديد للسلطة. إن التصور الذي أسسه إدريس البصري ينهض على خلفية أن وظيفة الضبط الاجتماعي والأمني هي الوظيفة المركزية للإدارة الترابية، إذ تصبح وزارة الداخلية بمثابة الامتداد العضوي للدولة المركزية أو للجهاز المخزني، هذا الامتداد هو الذي يعطيها ( شرعية الهيمنة)، هيمنة الدولة على المجتمع ثم هيمنة الإدارة الترابية على باقي القطاعات الحكومية من خلال الصلاحيات الأصلية والمضافة إلى وزارة الداخلية على عهده.أين نحن الآن من هذا النموذج؟ الأكيد أن السنوات التي تتحدث عنها هي سنوات تفكيك «القديم»، تفكيك الاستبداد، بنياته، أجهزته، رموزه، ثقافته… إنها بالضبط سنوات الخروج من النمط السلطوي. لكن الصورة مع ذلك ليست واضحة تماما لكي نقول إننا أمام نموذج جديد في الإدارة الترابية رغم كل المؤشرات الإيجابية، سواء تلك التي ننتبه إليها عادة أو تلك التي لا ننتبه إليها.هل ننتقل من (أم الوزارات) إلى الأخت الكبيرة للوزارات، كما صرح وزير سابق للداخلية، المهم أننا أمام ملامح مشروع غير متكامل، والواضح أن الإدارة الترابية التي ظلت موزعة بين مراقبة المجال وتنميته، تبدو اليوم في وسط الطريق بين المراقبة والضبط وبين وظيفة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.إن إحدى مفارقات الإصلاح الإداري والسياسي الصعبة تكمن في أن الوصول إلى إصلاح الإدارة يعني بالضرورة المرور عبر إضعافها. فهل يستطيع النظام السياسي المغربي ركوب مغامرة (الإضعاف) الوظيفي لإدارته الترابية؟ سؤال مرتبط بدور الدولة في مسلسل التحول، وبتوزيع السلط بين المنتخبين وبين رجال السلطة، والحسم مع ازدواجية تمثيل العمال والولاة لكل من الدولة والحكومة. وجد تقليد مفاده تنقيل رجال السلطة المحلية، العمال والولاة على الخصوص، كل خمس سنوات. ماذا يعني؟ إن الأمر يتعلق بقرار يعود إلى عهد الملك الراحل الذي عبر في إحدى خطبه عن ضرورة عدم تجاوز أربع أو خمس سنوات في مناصب المسؤولية الإدارية، والفكرة طبعا تدخل في صميم التدبير الجيد للمرافق العمومية، وهي آلية لمنع الانحرافات التي تصبح إمكانيتها أكبر مع الاستمرارية في المنصب نفسه وفي الإقليم أو المدينة مدة طويلة. تحولنا من لحظة الإفساد إلى لحظة فساد استمرار حالات تدخل السلطة المحلية في سير العملية الانتخابية، بدعم هذا الطرف أو ذاك. هل يمكن القول إننا لم نصل بعد إلى تحرير رجل السلطة من عقلية التجاوز في استخدام السلطة؟ قد أكون مضطرا هنا أن أعيد ما سبق أن قلته في حوار سابق مع «الصباح السياسي»، حول موضوع الفساد الانتخابي، لننطلق من الملاحظة المباشرة لما وقع في الانتخابات التي ذكرت، أو لننطلق من التقارير التي قدمتها العديد من الهيآت المدنية التي قامت بالمراقبة النوعية للانتخابات، سنجد أننا تحولنا من لحظة(الإفساد)، إذ تشرف وزارة الداخلية عمليا على الانتهاكات المتعلقة بالنزاهة، وحيث التزوير بمثابة قرار مركزي نافذ، إلى لحظة (الفساد)، إذ الانتهاكات مرتبطة أكثر بسلوكات المرشحين والفاعلين السياسيين، المال وشراء الذمم…هذا التحليل لا يلغي تصور إمكانية التدخلات التي تحدثت عنها، لكن المؤكد أننا لم نكن أمام ما كنا نعرفه في السابق. نعم، لقد وقف العديد من الملاحظين على وضعية التخلي التي تعامل بها بعض رجال السلطة تجاه انحرافات المسلسل الانتخابي، غير أنه في المقابل لا يجب أن يغيب عن أذهاننا صورة عمال وولاة يقدمون طعونا أمام المحاكم العادية أو أمام القضاء الدستوري في موضوع مرشحين يستعملون المال أو أي وسيلة أخرى لشراء الأصوات والإخلال بنزاهة الاقتراع. أجرى الحوار: إحسان الحافظي

الضبط الاجتماعي والأمني الوظيفة المركزية للداخلية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

حوادث انهيار المنازل تدق ناقوس الخطر

إستراتيجية جديدة في مجال السكنى والتعمير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات