بصمات ولاة وعمال في صنع الخرائط الانتخابية

مازال الرأي العام الوطني يتذكر، بكثير من الاستغراب، الأدوار "البطولية" التي كان يلعبها عمال وولاة يصولون ويجولون في مدنهم وأقاليمهم، ويدفعون الوجهاء إلى الترشح في مواجهة بعض الأطراف السياسية المشاكسة، بل إن تدخل الولاة والعمال بلغ درجة منع مرشحين من خوض الاستحقاق الانتخابي ، اعتمادا على السلطة المعنوية وعن طريق الإقناع، رغم عدم وجود موانع قانونية للتقدم لخوض الانتخابات. المستهدفون من هاته العملية أشخاص كانت لهم ارتباطات بجماعات إسلامية أو يسارية، في وقت سابق، قطعت عليهم الإدارات الترابية الوصية الطريق نحو الترشح. وفي الوقت الذي اقتضت أجواء التوافق السياسي القطع مع الممارسات التي طبعت جميع الاستحقاقات التي عاشها المغرب، احتفظ الولاة والعمال لأنفسهم بآليات التدخل في تكوين المجالس، وتلحيم الأغلبيات المتفككة، والدفع ببعض المقربين إلى مواقع التسيير لضمان استمرار المصالح المتبادلة.وإذا كانت بصمات بعض الولاة والعمال تبدو جلية في بعض القرارات الترابية الكبرى، فإن ولاة وعمالا آخرون يتدخلون في الأشياء التي يريدون بطرق ناعمة لا تترك أثرا، سواء في ما يتعلق بتفويت صفقات بالملايير أو لتوجيه الناخبين والمستشارين إلى الوجهة التي يريدونها، والتي قد تخدم مصلحة هذا الطرف على حساب ذاك. والأكيد أنه، باستثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة، ظل الحديث متواصلا عن استمرار زمن صنع الخرائط السياسية، من قبل الولاة والعمال، إذ لم تتغير الأمور بشأن تأثير الولاة والعمال في صنع الخريطة السياسية، إلا في آخر انتخابات يعرفها المغرب، والتي قادت الإسلاميين إلى الحكومة. والحال أن وزير الداخلية هو المدعو شخصيا إلى مراقبة وتفتيش الولاة والعمال، وتفقد أحوالهم، وإخضاعهم إلى المراقبة، حتى لا يظلوا قابعين في مكاتبهم، لا يتفقدون أحوال الناس في الولايات والعمالات التي يعينون فيها، مع الحرص على ضرورة تفعيل مبادئ وقيم تخليق الحياة الإدارية والتعامل بإيجابية مع قضايا المواطنين، والإسراع في حل مشاكلهم. لكن هل ينفذ جميع الولاة والعمال حرفيا كل ما يمكن أن يرد في تعليمات أو دوريات رئيسهم المباشر، في ظل الاختيارات الكبرى للبلاد من اجل بناء مجتمع حداثي ديمقراطي، واعتبار جسامة التحديات الآنية والمستقبلية التي تلقي بثقلها المتزايد على هياكل مختلف الإدارات العمومية، أم أنهم يحتكمون إلى اعتبارات أخرى، ويخضعون لأشياء أخرى. وهناك سؤال آخر أكثر أهمية، وهو هل يمكن لبرامج امحند العنصر، الوزير الحركي في الداخلية، وتعليماته المشددة، أن تذكي دينامية جديدة وعميقة في دواليب الأجهزة الترابية، وفي آليات اتخاذ القرارات والحكامة الجيدة، سواء على المستوى الجهوي أو المحلي، بما يستجيب إلى تطلعات وانتظارات المواطنين والمنتخبين، الذين ضاقوا ذرعا في بعض المدن مع مسؤولين بمختلف الإدارات، ممن لم يستوعبوا بعد ما يجري من تحولات عميقة في البلاد بعد الربيع العربي. وتسعى وزارة الداخلية من خلال الدوريات التي ترسلها في كل مناسبة إلى الولاة والعمال، إلى تعميق منظورها وملاءمة برامجها، سواء الأمنية منها أو الإنمائية، مع طبيعة هذه التحديات، فضلا عن انخراطها المتواصل في بناء الصرح الديمقراطي. لكن هذا لا يعني طبعا عدم وجود ولاة وعمال أكفاء، يعملون على ترسيخ وتجسيد المفهوم الجديد للسلطة، الذي أرسى معالمه صاحب الجلالة، وعلى بلورة آلياته وتوسيع نطاقه ميدانيا، على خلفية أنه رافعة لتطوير أداء الأجهزة الإدارية، وورشا مستمرا لتخليق مرافقها. لكن هناك من يرى أنه لا يمكن أن يكون للولاة والعمال دور في صنع الخريطة السياسية بالمغرب، ولكن شتان ما بين المبدأ والممارسة، خصوصا أن القانون يخول للولاة والعمال صلاحيات واختصاصات واسعة، فهم آمرون بالصرف في العديد من الأمور التي تهم العمل الجماعي، غير أن هذه المسألــة مـرتبطة بتعديل القانون. عبد الله الكوزي

بصمات ولاة وعمال في صنع الخرائط الانتخابية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ارتفاع وتيرة نمو القروض العقارية

وزارة الداخلية... قراءة سوسيو مهنية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات