3 أسئلة: الأسر النووية أصل تغير عادات الأكل

هل تعتقدون أن العادات الغذائية للمغاربة قد تغيرت؟ليس من الصعب إطلاقا ملاحظة مثل هذا التغير على العادات الغذائية في المغرب الراهن، علما أن للمغرب تقاليد عريقة في مجال الطبخ وغنى موائده، وذلك لعراقة حضارته وتنوع ثقافاته وتعدد مواده الغذائية من خضر وفواكه وأسماك ولحوم. والمطلع البسيط على العناصر التي كانت وما تزال تدخل في إعداد وتحضير الأطعمة، سيجد نفسه أمام تعدد كبير ولائحة طويلة لهذه العناصر، كالفواكه المختلفة والحبوب والزيوت والبقول والخضراوات والتوابل والأجبان والألبان واللحوم والأسماك. وليس هذا فقط، فإن المطبخ المغربي عرف عالميا بتنوع وجباته فائقة اللذة و"شهيواته" النادرة. هذا التنوع الكبير يعكس مدى عراقة المغرب وعلو كعبه في هذا المجال، الذي أصبح مفخرة لهذا البلد ولأهله. وشهرة الطبخ المغربي وغنى موائده معروفة في كل الآفاق. لكن ما يعرف عن المغاربة أيضا، هو تعلقهم الكبير بالحياة العائلية وتناول الطعام داخل البيت العائلي. وكان من النادر، مشاهدة الناس يتناولون وجباتهم خارج البيت، إلا في الحالات النادرة، كيوم السوق الأسبوعي، أو في مواسم بعض الصلحاء، حيث تقام الخيام والمطاعم التقليدية التي تقدم هذه الوجبات لمن يحتاج لها أو يطلبها، فالثقافة والتقاليد المغربية القديمة كانت لا تشجع على مثل هذه السلوكات، إذ كان من العيب تناول الطعام في الطرقات أو في المطاعم المكشوفة، بالنسبة إلى الجنسين معا، وبصفة أكثر النساء. وعادة ما كانت الأسر المغربية لا تأكل إلا مما تحضره في بيوتها، وهناك العديد من الأسر ما تزال تحافظ على هذه العادة، سواء كانت في البادية أو في الحاضرة، لكن اليوم، ومع التوسع العمراني وانفتاح المجتمع المغربي على ثقافات وحضارات أخرى، دخلت عادات غذائية جديدة لهذا المجتمع، وتغيرت الكثير من السلوكات المرتبطة بالنظام الغذائي وأنماطه. ما هي أسباب ذلك، سيما أن العائلات المغربية أصبحت تخرج (جماعات)، لتناول وجبات الغداء أو العشاء في مطاعم الوجبات السريعة أو غيرها؟ هذا صحيح، خاصة في المدن الكبرى من الوسط الحضري المغربي. وهي عادة بدأت تبسط سيطرتها على شرائح واسعة من المغاربة. ولذلك أسباب موضوعية أحيانا، واضطرارية أحيانا أخرى. فلا يخفى على أحد أن الأسرة المغربية في تحول كبير، مس هياكلها ووظائفها في الصميم، لا من حيث العدد ولا من حيث الانشغالات والمهام التي أصبحت موكولة إلى كل أعضائها. نحن في انتقال متواصل من نمط الأسرة الممتدة الواسعة إلى ما يعرف حاليا بالأسرة النووية أو الأسرة الحديثة، والتي تتمركز بشكل أساسي داخل الوسط الحضري، الذي له إكراهات خاصة تلحق بكل أعضاء هذه الأسرة، إذ لم يعد أفرادها يلتقون بالبيت إلا في المساء، الزوج والزوجة يعملان خارج البيت، والتوقيت المستمر أرغمهما على قضاء ثلثي الوقت بمقرات العمل، والأولاد بالمدرسة، وهو ما يرغمهم على تناول عل الأقل وجبة الغداء خارج البيت، ما ساعد العديد من المستثمرين على إحداث مطاعم ومقشدات، تستجيب لرغبات الكثير من الناس لتناول ما يكفيهم أو ما يحتاجون إليه من الطعام. هذا التحول في العادات الغذائية لدى المغاربة، شجع العديد من المستثمرين على الاستثمار في المطاعم، سواء الراقية منها أو الشعبية وحتى في مطاعم الوجبات السريعة. والمتجول في المدن المغربية الكبرى والسياحية سيلاحظ بدون عناء مدى انتشار مثل هذه المطاعم، إلى درجة أن بعض الفيلات والرياضات والدور القديمة في كل من الرباط والدار البيضاء وشفشاون ومراكش وطنجة وتطوان... وغيرها من المدن حولها أصحابها أو من اقتنوها إلى مطاعم. إن المغربي في الوسط الحضري، بصفة خاصة، لم يعد مرتبطا كثيرا بالعديد من العادات المرتبطة بالنمط الغذائي، وأصبح في الكثير من الحالات يفضل الخروج من البيت العائلي ليتناول مع زوجته وأولاده، أو مع أصدقائه، وحتى مع ضيوفه، بعضا من وجباته خارج البيت، في المطاعم التي يرتاح لها، أو التي تستجيب لمداخيله وإمكانياته المالية. هذا التحول في الأنماط الغذائية عند المغاربة الحضريين، بصفة خاصة، له ارتباط أيضا بالمستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الذين أدركوها، في ظل الانفتاح الاقتصادي والثقافي والاجتماعي على مجتمعات وحضارت أخرى أكثر تقدما. هل هذا التغير راجع للتحولات المجتمعية، أم أنه فقط يدخل ضمن الموضة؟الكثير من التغيرات التي همت النمط الغذائي عند المغاربة، راجع للتحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي يعرفها المجتمع المغربي الراهن، وقليل من هذه العادات يرجع إلى التقليد والرغبة في تجربة أنماط غذائية جديدة، ولو لفترات متباعدة أو حتى لمرة واحدة، أو عندما تضطرهم الظروف لذلك. إن الحياة الراهنة في المدن الكبرى، أملت على الكثير من الناس التغير من أجل الاندماج والتكيف مع متطلبات الحياة في هذه المدن الكبرى، وعلى رأسها العادات المرتبطة بالنمط الغذائي. ومع القوانين والتشريعات التي تدعو إلى المساواة والمناصفة، فلم تعد الكثير من النساء يتقبلن التفرغ لأشغال البيت ولتحضير وجبات الطعام في كل الأوقات، خاصة إذا ما كانت تشتغل أيضا خارج البيت. لقد توصلت بعض الدراسات السوسيولوجية إلى أن المرأة في هذه الحالة، عادت تشتغل يومين في يوم واحد: يوم تخصصه للعمل الوظيفي خارج البيت، وعند عودتها إليه، تبدأ يوما آخر في المهام والأشغال المنزلية، بما فيها، تحضير الوجبات لأفراد العائلة. وهذا ما يتسبب لها في متاعب وإكراهات زائدة، في حالة إذا لم تكن تتوفر على مساعدة بالبيت. علي شعباني: أستاذ باحث في علم الاجتماع أجرت الحوار: هجر المغلي

3 أسئلة: الأسر النووية أصل تغير عادات الأكل

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

السمنة تنعش مراكز الحمية

"فاست فود"... الخطر المحدق بصحة الأطفال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات