الأموال القذرة يغسلها القمار

المختص القري: المقامر مثل لاعب "الفورميلا وان" لا يضع المخاطر في الحسبان تحدث إدريس القري، الناقد والمهتم بالسوسيولوجيا، في حوار مع "الصباح" عن المقامر، وشخصيته، وأيضا عن الجميلات اللائي يؤثثن فضاء الكازينوهات، ودورهن المتميز فيه. وتطرق القري إلى غسيل الأموال، معتبرا أن القمار من ضمن طرقه، لإضفاء المشروعية على بعض الاستثمارات. في ما يلي تفاصيل الحوار: < لم يعد القمار يقتصر على الطرق التقليدية للرهان، التي كانت منتشرة في ما سبق، بل تم تقنينه وأصبح يدخل في الدورة الاقتصادية، كيف تفسرون ذلك؟ < كل أنواع "اللعب" للربح، هي في الواقع تلاعب ونوع من الحيل بذريعة تبادل الثروة وإعادة توزيعها، ويدخل من ضمن هذه "اللعب" القمار باعتباره شكلا من أشكال التسلية والاستثمار غير الشرعي وغير الأخلاقي، فهو لا يدخل في سياق المشروعية رغم أنه مقنن قانونيا كنوع من أشكال الاستثمار. والنظام الرأسمالي عموما عندما يفتح هذا الباب فإنه يفعل ذلك تحت مسمى التنمية الاقتصادية ويفتح بابا للتحايل على هذه الإمكانيات لمصلحة فئات معينة. فأينما كانت مجموعة الضغط والسياسة بالمعنى العام للكلمة، وليس بالمعنى اليوناني، إلا وتكون هذه الأشكال التي تحمي تصريف وتبادل وقرصنة الثروات، والقمار مثله على غرار أنواع الاستثمار، تبادل وترويج للمال. < المقامرون في المجتمعات المحافظة يجنحون للسرية، فيما اليوم أصبحت الكازينوهات ومحلات القمار منتشرة، ولا يستحيي المراهنون على التردد عليها والظهور بها، كيف تشرح هذا التحول؟ < كل المجتمعات التي نسميها محافظة لم تعد كذلك، أو أنها محافظة بمعنيين، إذ أنها ما زالت ترتكز على الأخلاق والدين، ولكنها في الواقع العملي أصبحت شيئا آخر، فالمحافظة أصبحت ممزقة وهو ما يترجم عدم القدرة على الحسم بين أصالة مبنية على القيم التقليدية، في وقت أصبحنا فيه حداثيين بشكل لا يختلف عن ذلك الرجل الذي يمشي في نيويورك أو "الشانزيلزي"، لكن مع التخلي عن القيام بالواجب والمسؤولية واليقظة وتقديس العمل واحترام المعايير وعدم الرضا بالتنازل عن الكرامة، فقد فتح الباب على مصراعيه أمام انهيار القيم والتفكك القيمي والعائلي والتراجع التعليمي، وتخلي الإعلام عن المساهمة في بناء مشروع ثقافي وليس مشروعا ماديا. وهذا ما يفسر التحولات التي تطبع المجتمع، ومن ضمنها أن ما كان بالأمس متناقضا مع القيم قد يصبح اليوم منسجما مع الواقع. < القمار كان محصورا على عينة من المدمنين الذين يحلمون بجمع الملايين دون عناء، أما اليوم فقد تحول إلى واحة لغسل الأموال غير النظيفة سواء الآتية من الاتجار في المخدرات أو الرشاوى أو النصب وغيرها، كيف تفسرون ذلك؟ < في الواقع ليست هناك دراسة. والقمار من المواضيع التى تلفها الطابوهات، لكن لا يمكن أن ننكر هذا الأمر، فحينما تمر بأحد الشوارع بمراكش أو أكادير أو البيضاء او طنجة، تتعجب من مقهى باذخ كلف الملايير، وعندما تدخله تلاحظ بوار تجارته، إذ أن صاحب المشروع لكي يسترد أمواله تلزمه سنوات طوال، فتتساءل بأي عقلية أنجز هذا الاستثمار الباذخ؟ لا يظهر الجواب، إلا لمن أنجز المشروع، فهذا الاستثمار ليس هدفه الربح بقدر ما هو تخزين للمال وإعطاؤه الشرعية. الاستثمار في مثل هذا المجال هو استغلال لثغرات عديدة جدا تستلزمها شروط من ضمنها ضرورة انسجام الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، ففي دولة مثل سويسرا لا تطرح مثل هذه الأسئلة، لأنها "لو طرحت" لانهار الاقتصاد السويسري، لكن مع وجود الفرق الكبير بيننا وبينهم، إذ أن قوانينهم صارمة ولديهم قانون للحفاظ على الهوية وحماية المواطن من الانعكاسات السلبية والخطر وغير ذلك كثير. أما بالنسبة إلينا فإن الأمر يدق ناقوس الخطر، سيما أن تحول استثمار هذه الأموال (مول الشكارة) قد يطول المجالات الثقافية والصحية وغيرها. فالأموال القذرة بهذا المعنى تغسل بأي طريقة، ومن ضمنها القمار، الذي يعطي المشروعية للمراهن في إظهار مصدر الثروة ونسبة ما جناه إلى عمليات القمار، دون السؤال عن المبالغ التي أنفقها لربح ما ربحه من ثروة. < دفع القمار ببعض الذين سقطوا في الإدمان عليه من المقاولين الصغار إلى الانتحار بعد أن أضاعوا مبالغ كانت في عهدتهم وباتوا مهددين بالاعتقال، إلى ماذا تعزو الانتحار عوض مواجهة الواقع؟ < لأنهم ببساطة دخلوا لعبة أكبر منهم. ميدان لعبته المتعة في أقصى تجلياتها، وليست لهم لا القدرة العصبية ولا المصادر المالية لتحمله، فالقمار مجازفة خطيرة للوصول إلى رغبة. ويشترط امتلاك الأدوات بشكل دائم، والذكاء بشكل يدفع إلى التحول طرفا في اللعبة. ملائكة "الرغبة الحيوانية" هناك كازينوهات راقية تستعمل أساليب عصرية لجلب أكبر عدد من الزبائن، كما تستعمل الأنثى لتأثيث الفضاء، هل هذه المؤثرات لها علاقة بنفسية المقامرين؟ بالطبع، ففي أبسط قواعد علم النفس، المقامرون الكبار يضعون الملايين في ليلة واحدة ولا يشعرون، فهم يبحثون عن شيء يدخل في صميم اللذة والمتعة الجنسية وليست التناسلية، أو ما يسمى بالموت المتكرر، إذ أن خسران الكثير يولد درجات عالية من الألم، فمتعة المقامر هي بمثابة متعة سائق "الفورميلا وان"، يرفع السرعة إلى الحد الأقصى بتركيز لا يتقنه إلا المحترف، ويدخل منعرجا خطيرا، قد يفقد فيه حياته بحركة، ومع ذلك يكرر ويكرر، وحتى إن وقع له حادث مميت يعود للتباري من جديد. والنساء اللواتي يتكلفن بتأثيت هذه الفضاءات (الكازينوهات) أو هن الجميلات اللاتي ينتقين بمواصفات خاصة، يجسدن المتعة والتميز وليس هن فقط، بل أيضا السيارات الفارهة والمخدرات القوية، فوجود المرأة يشرح عالم الغريزة والوصول إلى الرعشة، ويتعلق الأمر بمسار تصاعدي لولبي في البحث عن الرعشة، كما المتعاطي للمخدرات، ففي كل مرة يضيف جرعة متحديا الجسد وطاقة التحمل، والشيء نفسه يجسد وجود النساء أو "ملائكة الرغبة الحيوانية" في أرقى تجلياتها. فالمرأة هنا أكثر من بضاعة وهي ديكور لإغراء اللاعب ليصل إلى الحد الأقصى من المجازفة. أجرى الحوار: المصطفى صفر في سطور - من مواليد مكناس - مهتم بالسوسيولوجيا - أستاذ للفلسفة وجماليات الصورة - كاتب وناقد في الجماليات البصرية

الأموال القذرة يغسلها القمار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"كازينو" طنجة ... "دراما" بشعة

تظاهرات عالمية للقمار بمراكش

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات