الأحزاب في مفترق الإصلاح

الفصل 19 من الدستور وحقل إمارة المؤمنين واختصاصات رئيس الحكومة ومركز البرلمان قضايا تتسيد مطالب الأحزاب لم تختلف مقترحات الأحزاب بشأن التعديل الدستوري الشامل، ولم تخرج تصوراتها التي تقدمت بها أمام أعضاء اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، عن دائرة النقاش السياسي حول الصلاحيات والاختصاصات، الذي ظل يتفاعل منذ سنوات طويلة. بالمقابل، تقاربت مقترحات بعض الأحزاب في العموميات واختلفت بشأن بعض التفاصيل أو تنزيل التعديلات الدستورية التي تراها هذه الأحزاب ضرورية للمرور إلى مرحلة إصلاح سياسي يوضح الاختصاصات ويحدد ممارستها دون تداخل بين الفاعلين في الحقل السياسي، ملكا وحكومة وبرلمانا.إمارة المؤمنين... الاستثناء المغربيالقضية الأساسية التي شكلت موضوع إجماع الطبقة السياسية، هو حقل إمارة المؤمنين، ذلك أنه إذا استثنينا الحزب الاشتراكي الموحد، الذي لا يرى مبررا "الاستناد إلى لقب ديني من أجل اعتبار سلطة ما فوق الدستور أو غير مقيدة به، أو لجعل كل ما يصدر عنها من قرارات وتصرفات محصنا ضد النقد والمراقبة"، فإن باقي الأحزاب السياسية رأت في حقل إمارة المؤمنين مجالا خاصا بالملك، يستند إلى شرعية دينية وتاريخية، وإن اختلفت، في تصوراتها، يشأن بعض التفاصيل، وتوزعت مواقفها بين الإبقاء على الفصل الذي ينظم إمارة المؤمنين في شكله الحالي، وبين فصله صلاحيات الحقل الديني عن اختصاصات السلطة التنفيذية للملك، فيما طالبت مقترحات أخرى بتقوية مكانة إمارة المؤمنين بما يضمن تناسبها مع المراجعات الدستورية المرتقبة.من بين الأحزاب التي كانت لها ملاحظات بخصوص حقل إمارة المؤمنين، نجد الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، فالأول اقترح تقسيم الفصل 19 إلى قسمين، يهم الأول تنظيم حقل إمارة المؤمنين، إذ لا يطرأ على هذا الاختصاص أي تعديل، فيما يرى الثاني بخصوص صلاحيات إمارة المؤمنين، الحفاظ على مكانة المؤسسة الملكية، بالتنصيص على أن الملك لا تنتهك حرمته عوض "شخص الملك مقدس"، بينما اقترحت وثيقة العدالة والتنمية على أن تنص الوثيقة الدستورية الجديدة على "ملكية ديمقراطية قائمة على إمارة المؤمنين"، بوصفها ترعى الشعائر الدينية ومراقبة مخالفة القوانين للشريعة والارتقاء بالمرجعية الإسلامية والتنصيص على "البيعة على أساس الدستور"، ودسترة المؤسسات التي يرأسها الملك بصفته أميرا للمؤمنين كالمجلس العلمي الأعلى.صلاحيات الملك... مزيد من التدقيقالفصل 19 من الدستور، في الشق المتعلق باختصاصات وصلاحيات الملك، كان بدوره موضوع اهتمام ضمن تصورات الأحزاب السياسية، بين من رأت ضرورة تقوية مكانة الملك والحفاظ على الفصل دون تعديل، وبين من وجدت في اللحظة مناسبة للانتقال من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية، وبين من رأت ضرورة الاحتفاظ للمؤسسة الملكية بصلاحيات واسعة في ما يخص تعيين الحكومة، بناء على نتائج الاقتراع، والتعيين في المناصب العسكرية والدبلوماسية.الاتحاد الاشتراكي يقترح بهذا الشأن، أن يمارس الملك صلاحياته الدستورية بمقتضى مراسيم ملكية، وأن يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات، ويعفيه من مهامه بناء على تقديم استقالة الحكومة، ويمارس الملك مهام التوجيه العام والتحكيم، ويترأس المجلس الوزاري أو يفوض الأمر إلى رئيس الحكومة. حزب التقدم والاشتراكية، يعتقد بضرورة تأمين الاستمرار التاريخي والجنوح التقدمي للمؤسسة الملكية، بما يتيح لها أن تضطلع بدور الحكَم والموجه، الذي يتوفر على الآليات التي تحفظ له المكانة المرجعية في المجتمع من جهة، والقدرة على التدخل، باعتبار الملك أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة مؤتمنا بهاتين الصفتين، على حماية الدين والدستور والحقوق والحريات، وضامنا لاستقلال البلاد وحوزتها الترابية من جهة أخرى، وهي كلها اختصاصات تحددها مقتضيات الفصل 19 من الدستور.ويعتبر حزب العدالة والتنمية، أن الإصلاح الدستوري يجب أن يقوم على إعادة توزيع السلط بين الملك والحكومة، بما يضمن لرئيس الحكومة أن يكون الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية والمسؤول عن السلطة التنظيمية، ويقترح الحزب إلغاء المجلس الوزاري وإحداث المجلس الأعلى للدولة، يرأسه الملك ويضم في عضويته رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين ورئيس السلطة القضائية، ورئيس المجلس الدستوري، ويمارس الملك عبر هذا الجهاز اختصاصاته. بالمقابل، يعهد إلى البرلمان الموافقة على المعاهدات والعفو الشامل والتقطيع الانتخابي وقوانين تنظيم ومراقبة المؤسسات، بما لا يتداخل بين اختصاصات الملك وصلاحيات المؤسسة التشريعية.الخيار الديمقراطي... ثابت رابع الخطاب الملكي الذي دشن مرحلة التعديل الدستوري، حافظ على ثوابت الأمة في الدين والوحدة الترابية والمؤسسة الملكية، غير أنه اقترح على الأحزاب أن تتفاعل مع ثابت رابع يهم الخيار الديمقراطي. وهكذا يعتبر التقدم والاشتراكية أن المغرب دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة، يندرج نظامها السياسي في أفق ملكية برلمانية، وتقوم على نظام اللامركزية والجهوية المتقدمة، ومبنية على التضامن. ويرى أن السيادة الوطنية للشعب، يمارسها مباشرة بالاستفتاء، أو بصفة غير مباشرة بواسطة مؤسساته وممثليه المنتخبين. بالمقابل، اقترح الحزب الاشتراكي الموحد، الانتقال بالملكية المغربية من ملكية حاكمة إلى ملكية برلمانية تكفل ربط القرار بصناديق الاقتراع وربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة على جميع المستويات، ما يعني إرساء قطيعة مع ماضي الحكم التقليدي، ومباشرة الملك لأدوار رمزية وتحكيمية تشخص استمرارية الدولة وتسمح بتداول البرامج والسلطة الفعلية بين الأحزاب طبق القواعد العامة للنموذج المتعارف عليه عالميا للملكية البرلمانية وليس بمعزل عن إحداها.وعرض الحزب مقترحاته بشأن تعديل الدستور، مشددا على ضرورة أن تتضمن الوثيقة الدستورية التوجهات الجوهرية للملكية البرلمانية، بما تقتضيه من تضمين الدستور الجديد، التنصيص على الشعب هو صاحب السيادة والمصدر الوحيد لكل السلط. إحسان الحافظي

الأحزاب في مفترق الإصلاح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بنكيران: نتشبث بالملكية البرلمانية القائمة على إمارة المؤمنين

الشعب، الملك، المجتمع... أي حوار لأي مستقبل؟

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات