أسر تعيش في “فنادق” الحمير

استغلوا أراضي فرنسيين بالشماعية وشيدوا بها منازل قبل طردهم باستعمال القوة فجأة وجدت العشرات من الأسر بأحياء خميس زيمة الهامشي بمدينة الشماعية (إقليم اليوسفية)، نفسها عرضة للشارع وجها لوجه مع حياة جديدة عنوانها الأبرز التشرد والضياع...لم تجد أغلب الأسر التي تعرضت للطرد ما يحميها من قساوة الظروف الطبيعية، سوى اللجوء إلى فنادق مخصصة للبغال والحمير والدواب، علّها تقيها من البرد وتجمع شتات أسر، تخلى عنها كل المسؤولين، بعد نزاع قضائي مع المالك الأصلي للأراضي التي بنوا فيها مساكنهم.قبل شهور قليلة، انتشر خبر مقاضاة فرنسيين من أصول مغربية لأسر بأحياء خميس زيمة، بسبب استغلالهم أراضي مسجلة في اسم ذويهم (انتشر) كالنار في الهشيم، ووضعت العديد من الأسر يدها على قلبها خوفا مما قد تحمله الأيام من مفاجآت غير سارة...أحياء هامشيةكانت الحياة عادية تماما بأحياء خميس زيمة بالشماعية، لكن قبل حوالي سنتين تغير كل شيء، وصارت الوجوه شاحبة، تتطلع إلى الآتي..هنا بأحياء خميس زيمة، تعاين الفداحة القصوى، لأحياء خذلها الجميع، وتخلوا عنها وتركوها لوحدها تقاسي مع ظروف التهميش والإقصاء، التي تبرز بهذه الأحياء المشيدة من القصب والأتربة...«إنها أحياء هامشية ليست إلا امتدادا طبيعيا لمدينة غاب عنها التخطيط.. إذ تحتضن شتى مظاهر البؤس والفقر والألم الباذخ الجاثم على صدور هؤلاء السكان»، يقول شاب جامعي في الثلاثينات من عمره، وهو يشير بسبابته إلى تجمع سكاني، نبت عشوائيا.يحاول هذا الشاب التعبير عن غضبه من طريقة تدبير الشأن العام بهذه المدينة، ليتوقف كثيرا عند تخلي السلطات والمسؤولين عن هذا الحي السكاني، وتركهم لوحدهم يعانون الأمرين، بعدما قرر أشخاص من جنسيات فرنسية مقاضاتهم، بالقول «لنفترض أننا مترامون على أراض ليست في ملكيتنا، ولنفترض أن المدعون أصحاب حق اغتصب منهم، فأين كانت السلطات عندما شيدت العشرات من الأسر منازلها، وربطتها بشبكة الكهرباء وغير ذلك.. أين كان كل هؤلاء؟...».بهذه الأحياء، يكتشف المرء حجم البناء العشوائي، الذي غزا هذه الأحياء المشكلة من أزقة غير متناسقة، وبنايات بعضها يشكل خطرا على حياة سكانها.تقف السعدية، وسط منازل دكتها الجرافات، وحولتها إلى ركام من الأتربة والحجارة، قبل أن تعلق على الأمر «واشحنا في فلسطين، داروا لينا هاذ الحالة، خرجونا من ديورنا، واريبوها، بغاو ايقطعوا علاقتنا بهاذ الديور اللي كبرنا وكبّرنا ولادنا فيها...»ورغم ذلك تحاول بابتسامة مصطنعة أن تطمئن أقاربها، بـأن الأمور ستكون على ما يرام بعد هذه المشاكل، لكن تلك الابتسامة لم تكن لتضمر ذلك الألم القابع في عينيها.السعدية المتحدرة من أصول حمرية، تقطن هذه الأحياء منذ سنوات، وتتوفر على وثائق عدلية تثبت ملكيتها للمنزل الذي تقطن به، حسب ادعائها، لكن ظهور مالك أصلي، «محفظ شغلوا في المحافظة، كًَلب علينا الدنيا».منذ أن ظهر وكيل صاحب الأرض، والسعدية لا تحمل من السعد إلا الاسم، تناضل من أجل جمع دريهمات لتتنقل إلى المحكمة وتؤدي أتعاب المحامي، وأملها أن يجد النزاع تسوية ودية، تضمن حقوق المالك الأصلي، وتقيها وأفراد أسرتها في الوقت نفسه، حياة الضياع والتشرد.في أحياء الهامش.. أحياء خميس زيمة، تنكشف الحقائق من غير زيف.. ففاطنة، لم تجد سوى أن تجلس القرفصاء، تنظر بعينين ذابلتين إلى طفليها يركضان حولها، وهما يحملان أكياس الزيتون، وما تبقى من متاع بمنزل هدمته الجرافات..تجلس لوحدها في ركن منزو، لم تكن لتتحدث بسهولة، وعندما تحدثت لم تنبس سوى بعبارة واحدة «فين غاديين نمشيو، لا حنين لا رحيم..»، لتذرف دموعا غزيرة.أما عبد الوافي، فلم يجد من عبارات سوى «الأمر كله لله، ليس بيدنا ما نعمل... هذا قدر الله..».العديد من السكان، يؤكدون ل «الصباح»، أن عبد الوافي المتضرر الكبير مقارنة مع الباقين، لقد أنشأ مزرعة في تلك القطعة الأرضية، وكان يربي الأبقار وينتج الحليب، وزرع أشجار عديدة للزيتون والتين.. شهادات لسكان عايشوا عبد الوافي عن قرب، لمدة عقود من الزمن.يحاول عبد الوافي، استرجاع جزء من ذكرياته وعلاقته بهذه الأرض، التي يعتبرها علاقة أبدية وعلاقة طفولة وشباب.. «إنها أرض الأجداد، التي تربينا فيها وترعرعنا فيها، نشم تربتها صباح مساء، ولم يدر في خلد أي منا أنه في يوم من الأيام سنتركها مضطرين غير باغين».أصل الحكايةبداية القصة، كما يرويها عبد الوافي (في عقده السابع)، بدأت منذ عقود طويلة، حين اشترى جده قطعا أرضية من فرنسي كان يقيم بالمغرب، والذي كانت تربطه بسكان هذه المنطقة (الشماعية، التي كانت تسمى آنذاك السماعلية، نسبة إلى المولى إسماعيل)، علاقات تجارية.ويؤكد عبد الوافي، أن هذه العلاقة التجارية، امتدت لسنوات، وربط جده ومعارفه علاقات صداقة وطيدة من فرنسيين، وأنهم اقتنوا منهم مجموعة من الأراضي التي كان يملكها فرنسيون بالمدينة.ويضيف أن جده لم يوثق هذا الشراء، لأن الفرنسي المذكور، توفي وبقيت زوجته على قيد الحياة بمدينة آسفي، وكان والده طلب من زوجة الفرنسي توثيق البيع، لكنها طلبت منه تأخير ذلك إلى أن تتعافى من كسر أصيبت به في يدها، لكن منذ تلك الفترة، لم تتجدد أية اتصالات.ويضيف عبد الوافي، أنه نظرا لاستغلالهم الطويل لتلك الأراضي، قام والده بإنجاز وثائق إدارية تثبت الحيازة والاستمرار، ثم إنجاز وثائق عدلية.لكن قبل حوالي سنتين، «تفاجأنا خلال الأشهر الأخيرة من تأكيد شخص من أصول فرنسية يدعى (س. س) ويقطن بالمغرب، أنه يتوفر على وكالة مفوضة تخول له مقاضاة مستغلي ملك العقاري رقم m2062 الكائن بخميس زيمة بالشماعية، على اعتبار أنه هو الوارث الشرعي لوالده»، يقول أحد المتضررين ل «الصباح».المتضررون، يشددون في تصريحاتهم، على أن المالك الأصلي للأرض، كان من بين تجار المنطقة، وكانت تربطه بآبائهم وأجدادهم علاقات تجارية وطيدة، غير أنه في آخر حياته، منح تلك الأراضي، لمن كانوا يشتغلون ويتعاملون معه، دون أن يدور في خلد هؤلاء أن تلك الأراضي محفظة.وقد لجأت السلطات القضائية إلى الاستعانة بالقوة العمومية، إذ حضر العشرات من عناصر الدرك الملكي التابعة لسرية اليوسفية، رفقة عون قضائي لدى المحكمة الابتدائية باليوسفية، إذ احتجت سناء رفقة أبنائهم الصغار على قرار ترحيلهم وطردهم من منازل قضوا بها ما مضى من حياتهم، إلا أن احتجاجهم واجهته القوة الأمنية، باعتقال النساء المحتجات ونقلهن إلى مقر الدرك الملكي بالشماعية، حيث تم الاستماع إليهن، قبل إطلاق سراحهن، بعد عدة ساعات.وعادت عناصر الدرك الملكي، لتجبر القاطنين على الإفراغ، وتم استعمال جرافات لهدم منازلهم، «حتى قبل أن نجمع أغراضنا، التي ضاع أغلبها وسط ركام الأتربة والحجارة». محمد العوال (آسفي)

أسر تعيش في “فنادق” الحمير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وقفة احتجاجية لمستخدمي الوكالة الحضرية بتطوان

طيب محمد عمر ... رحلة 40 سنة في مهنة المحاماة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات