زنجبار…لؤلؤة المحيط الهندي

تتلألأ زنجبار على ضفاف المحيط الهندي جوهرة إفريقية تزهو بجمالها الأخاذ وجزرها المرجانية النقية ورمال شواطئها البيضاء وأسواقها العتيقة، التي تفوح منها روائح التوابل، لكنها أيضا تحمل في طياتها عدة تناقضات عميقة بين الحداثة والإرث التاريخي. تقف زنجبار، المكونة من كلمتين "زنج" و"بار" أي "بر الزنوج"، شامخة تزاوج بين سحر الطبيعة وعبق التاريخ. تقع هذه الجزيرة الهادئة على الساحل الغربي، وتضم مآثر عمرانية ومباني عتيقة، إذ تمثل المدينة القديمة قلبها النابض، لذا أُدرجت منذ 2000 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، بالنظر إلى مبانيها المشيدة بحجر المرجان، وتعاقب الحضارات والثقافات من العرب إلى الفرس، ومن الهنود إلى الأوربيين، مع حضورٍ عماني قوي ترك بصماته الدينية والثقافية، وعليه ليس غريبا أن يكون 98 من سكانها مسلمين. إنها جزيرة تمزج بين روح الشرق والجنوب، وتروي حكايات منطقة إفريقية بلكنة عربية إسلامية ورائحة القرنفل. ما الذي يميز زنجبار؟ ما إن تطأ قدماك جزيرة زنجبار حتى تكتشف كم هي رائعة ومختلفة عن باقي الجزرة الأخرى، مع أن التهميش مازال ينخر جسدها رغم كل المؤهلات التي تتمتع بها، كما لا يمكن أن تتجول بين دروبها الضيقة وشواطئها الفسيحة ومنتجعاتها الفاخرة والمتوسطة دون أن تقف مشدوها لتنوعها الثقافي والإنساني، فزنجبار شكلت محطة تلاق لحضارات متعددة من العرب مرورا بالفرس والهنود إلى الأوربيين، لكنها أصبحت وفية للتراث العمراني طيلة قرون، بفعل خضوعها لحكم سلطنة عمان، الذي ترك بصمته في ديانة أهالي هذه الجزيرة وهندستها المعمارية، وأيضا لغتها السواحيلية الممزوجة ببعض الكلمات العربية. وإضافة إلى مدينتها الحجرية (ستون تاون)، التي تشتهر بأبوابها الخشبية المنقوشة، تعرف زنجبار بجزيرة التوابل، إذ تشتهر بزراعة القرنفل والقرفة والزنجبيل، ومنتوجات أخرى جعلتها تتبوأ مكانة مرموقة زراعيا وسياحيا. ويبقى الاستقلال النسبي الذي تتميز به، رغم تبعيتها لدولة تنزانيا، إذ تحتفظ بحكم شبه ذاتي منحها خصوصية سياسية وثقافية فريدة من نوعها. طرقات تئن وواقع هش ما إن تتجول بين زقاق وشوارع زنجبار وسوقها التاريخي حتى تفاجأ أنها فعلا جزيرة المتناقضات، فهي جميلة ورائعة بشواطئها ومنتجعاتها وأشجارها الكثيفة كما لو أنك وسط غابة، لكنها لا تخلو من سلبيات ومشاهد مقززة. "الصباح" رصدت واقعا صعبا في زنجبار، حيث الطرقات مهترئة والبنية التحتية يلزمها الترميم وإعادة التأهيل، حتى تتماشى مع مكانتها أبرز الوجهات السياحية في العالم. ويبدو أن جمال طبيعتها يخفي وراءه ندوبا يعانيها، سكانها جراء غياب نظام الصرف الصحي وانتشار المياة العادمة، التي قد تؤدي إلى المزيد من الأمراض الفتاكة، فيما وسط المدينة غير مهيكل بشكل يليق بعراقة الجزيرة ومكانتها السياحية، إذ يلزم تبني رؤية تنموية شاملة تعيد لزنجبار اعتبارها وتحسن من جودة حياة سكانها المحليين. زنجبار... الإسلام أولا يعتبر الإسلام الركيزة الأساسية للحياة اليومية في جزيرة زنجبار، نظرا لتأثيرات دول عربية، مثل عمان واليمن والمغرب، ويتجلى ذلك في العادات والتقاليد والممارسات الدينية والاجتماعية والأخلاقية، ولا يمكن المرور بحي في هذه الجزيرة دون أن تسمع الأذان خمس مرات يوميا من مآذن المساجد القديمة ذات تصاميم هندية أو عمانية، كما تدرس بها تعاليم الدين الإسلامي من الكتب الفقهية المالكية المعروفة في هذه الجزيرة. ووفقا لبعض الدراسات، فإن الإسلام انتشر في زنجبار منذ فترة حكم سلطة عمان لهذه المدينة، واستمر الأمر على حاله إلى الآن، رغم تعاقب حضارات مختلفة. أما العادات الاجتماعية في زنجبار، فترتكز على قيم الاحترام والكرم والضيافة وحسن الخلق، مع الحفاظ على التقاليد الإسلامية في اللباس والمطبخ، كما أن الجزيرة تحرص على توفير أنشطة ترفيهية تناسب أذواق جميع الأعمار، لهذا لا غرابة أن يزورها السياح من مختلف بقاع العالم. صغيرات بالحجاب لا يمكن المرور بشارع أو حي في زنجبار دون أن يشد انتباهك مشاهد لافتة تظهر فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين ثلاث وعشر سنوات يرتدين الحجاب أو الخمار، وهن فخورات ومعتزات به، غير آبهات بالحرارة المفرطة أو درجات الرطوبة. ويبدو أن هذا القرار نابع من ثقافة متجذرة وتعاليم دينية تسري في العروق منذ الطفولة، إذ يعتبر الحجاب بالنسبة إلى النساء والفتيات قيمة راسخة نشأ عليها جيل بعد آخر. يقول مواطن زنجباري في حديث مقتضب مع "الصباح" إن الحجاب لا يشكل عبئا على الفتيات والصغيرات، بل يعد تعبيرا عن انتماء ديني راسخ منذ قرون وتربية نشأن عليها منذ نعومة أظافرهن. رياضة تتحرك تنفرد جزيرة زنجبار بتعدد الرياضات، فهي لا تقتصر على الغوص والسباحة وركوب الأمواج التي اشتهرت بها منذ فترة طويلة، بسبب إحاطتها بالشواطئ الرائعة، بل يشمل الاهتمام كرة القدم ورياضة "الباو"، التي تشكل الحياة اليومية والترفيهية. ويبدو أن الحكومة التنزانية بدأت تولي الاهتمام أكثر لكرة القدم، بسبب النتائج المحققة أخيرا على مستوى المنتخبات الصغرى، إضافة إلى استضافة هذا البلد بطولة إفريقيا للمحليين بمعية كينيا وأوغندا خلال غشت المقبل، ولهذا السبب، انطلقت مشاريع كبرى ممثلة في بناء ملاعب جديدة في عدد من المدن التنزانية، أبرزها مجمع أمان الجديد في زنجبار، الذي احتضن مباراة سيمبا التنزاني ونهضة بركان، أمس (الأحد)، لحساب نهائي كأس "كاف"، ومدينة الرياضة في فومبا، إضافة إلى تجديد ملاعب الجزيرة بيمبا. يقول وليد غزلاوي، فاعل رياضي مغربي في زنجبار في حديث مع "الصباح"، إن مسؤولي هذه الجزيرة يولون الأهمية لتأهيل البنية التحتية الرياضية، إذ عملوا على بناء ملاعب جديدة مع تكسيتها بالعشب الطبيعي، لهذا لا غرابة في وجودها في عدة أحياء. مليون سائح تستقبل جزيرة زنجبار أكثر من نصف مليون سائح سنويا، إذ تمثل الساحة أهم مصادر الدخل التي تشكل نحو 30 في المائة من الاقتصاد المحلي. "الصباح" زارت بعض المنتجعات والفنادق التي يقيم فيها السياح الأجانب، ومعظمهم من أوربا والخليج العربي والمغرب أيضا، ويرتفع عددهم أكثر في يونيو من كل عام، فالفنادق الفاخرة مكلفة والتي تطل على أجمل الشواطئ، إذ تتراوح ما بين 7000 و 22 ألف درهم أسبوعيا، بغرض الاستمتاع بأحد أجمل جزر المحيط الهندي. وقد ترتفع أسعار الفنادق أكثر حين يتعلق الأمر بالشواطئ الذهبية الأكثر شهرة، مثل "نونغوي" المعروف بالحياة الليلية، و"يويجو" أحد أهدأ شواطئ زنجبار، و"كيندوا" الفسيح الذي لا يتأثر بالمد والجزر ويتمتع بغروب شمس رائع و"ماتيموي" الأطول في الجزيرة، وبه قرى صيد تقليدية و"بونجوي" على شكل قوس ويوفر أفضل ظروف للسباحة. لكن السؤال الذي يردده كثيرون: ماذا يستفيد السكان المحليون من هذه المنتجعات والفنادق المحاذية؟، رغم أن السياح يأتون إلى الجزيرة من بلدان مختلفة، لكن لا يصل إلى معظم مواطنيها، وهذا ما يظهر في البنية التحتية المهترئة. رغم أن زنجبار أو "أندلس إفريقيا" كما يسميها البعض تفتخر بمواقعها السياحية وشواطئها الهادئة وغنى تراثها، إلا أنها تحتاج إلى توزيع عادل لثرواتها حتى تصبح السياحة مصدر ثروتها، بدل أن يعيش سكانها في فقر مدقع وبنايات آيلة للسقوط وطرقات مهترئة. مغاربة الكرة يوجد في زنجبار عدد قليل من المغاربة الذين يعملون في مختلف المهن، مقارنة بدول إفريقية أخرى، إلا أن حضورهم لا يقتصر فقط على الاشتغال في الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية، بل يمتد إلى ميدان مختلف متعلق بكرة القدم. ومن بين هؤلاء، يبرز اسم وليد غزلاوي، الذي اختار الاستثمار في المستقبل الرياضي للجزيرة عبر تأسيس أكاديمية "رحمة" لكرة القدم، وتستقطب مواهب محلية من الفئة العمرية تحت 13 سنة، ويشرف على تدريبها إطار إنجليزي محترف. يقول غزلاوي في تصريح ل"الصباح"، إنه فضل الاستثمار في الكرة في زنجبار بالنظر إلى امتلاكها عدة طاقات قادرة على البروز مستقبلا، مشيرا إلى أن هدفه الأول تكوين جيل من اللاعبين الذين بإمكانهم تعزيز صفوف أندية محترفة، على المستويين المتوسط والبعيد. إنجاز: عيسى الكامحي (موفد "الصباح" إلى زنجبار)

زنجبار…لؤلؤة المحيط الهندي

جمالها يلمع وحشمة تملأ الشوارع وبنية تحتية هشة ومغاربة يستثمرون في الكرة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إصلاح التعليم ... الطيبي: المال وحده لا يكفي

تحديات أمام عامل إقليم برشيد

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات