راتبي في كل مكان وكل زمان.. في القرى والمداشر والمدن وجبال الحوز ومدن الريف والوديان والأنهار والسهول والنجود، وخارج الحدود. راتبي على كل لسان، منذ تسلل "هاكر" إلى علبة البيانات الشخصية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. في مجموعات "واتساب" وصفحات "فيسبوك"، هناك راتبي واشتراكي وورقة الحساب واسمي وهويتي. لم يعد أجري سرا، وواحدا من أهم أسراري، التي حرصت طوال 25 سنة من العمل على وضعها في صندوق حديدي، لا يصل إليه الجن الأزرق. كل شيء أضحى مباحا ومشاعا بين الناس، كما لم تفعله أعتى الأنظمة الشيوعية. قبل يومين، أرسل لي شقيقي الأكبر راتبي في رسالة "واتساب"، وطلب مني، بأدب جم، التفكير الجماعي في زيادة جديدة في مصروف الوالدة. وفي اليوم نفسه، وجدت ورقة قرب سريري بخط ابني، يبتزني بشراء حذاء رياضي من نوع "إر ماكس". ابنتي الخجولة، طلبت لنفسها سوارا من ذهب مشلل، وقميصا وهدية تحضر بهما عيد ميلاد زميلتها. زوجتي الرائعة، ترمقني في وجبة العشاء الأخير، وهي تمد لي قطعة خبز، وتلمح لي بأن مصروف البيت لم يعد كافيا، وأن النيران تلتهب في تلابيب الأسعار. أسراري الخاصة، أيضا، في رفوف "مول الحانوت" المجاور، الذي قال لي مبتسما: "واش ما غاديش تخلصني في الكريديات السابقة". حتى حارس السيارات في الدرب، تجرأ علي لأول مرة، واشتكي لي من غلاء المعيشة، وقال لي إن 50 درهما، التي أنفحه بها في الشهر، لم تعد كافية. كلهم "قلبوا علي الوجه"، وأصبحت لي عداوات في الشارع والبيت والعمل. زملائي في الجريدة، الأقل راتبا، اقتربوا من القول: "وعلاش جاك نتا هاد الصالير؟". صاحب المنزل، طلب مني زيادة في ثمن الكراء.. وإدارة البنك، أرسلت لي طلبا لإعادة جدولة الديون.. ومدير المدرسة، لمح إلى أبنائي، وقال لهم "فين باباكم.. شفتو غابر". فضيحتي بـ"جلاجل" أمام الجميع.. منذ الأسبوع الماضي، لم أعد اسما، ولا لقبا، ولا هوية، ولا صفة، أصبحت مجرد راتب يتجول في الليل والنهار في الصفحات، ويبحث عني أصحاب "الكريدي" بالريق الناشف. لم يعد لي شيء خاص، وشخصي وسري منذ الآن.. دعائي عليكم إلى الله، يا أصحاب الصندوق الذي لم يعد صندوقا منذ الآن. ها أنا اليوم.. أصبحت عاريا أمامكم، مثل شجرة صنوبر في عز الثلج.. مستباحا كأرض خلاء.. وشفافا مثل قميص نوم في يوم "الدخلة". هنيئا لكم.. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma