تعد فترة التحضير لامتحانات الباكلوريا مرحلة حاسمة، تكاد تكون طقسا سنويا يتكرر بمزيج من القلق والطموح. لكن ما يلفت الانتباه في السنوات الأخيرة هو الانتشار المتزايد لظاهرة "الساعات الإضافية"، التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من تجربة التلاميذ، بل وتحولت في بعض الأحيان إلى ما يشبه سوقا سوداء تعمل خارج إطار الرقابة الرسمية. في البداية، لا يمكن إنكار أن الساعات الإضافية تلبي حاجة حقيقية لدى الكثير من التلاميذ، فالنظام التعليمي، رغم الإصلاحات المتلاحقة، يعاني تحديات بنيوية، مثل اكتظاظ الأقسام، وضعف التأطير في بعض المواد، ومحدودية الوقت المخصص لتغطية المناهج الدراسية الثقيلة، ما يدفع التلاميذ، خاصة في سنة الباكلوريا، إلى طلب الدروس الخصوصية لتعزيز فهمهم أو لسد الفجوات التي يخلفها التعليم الرسمي. لكن ما بدأ حلا فرديا تحول تدريجيا إلى ظاهرة جماعية ذات طابع تجاري، إذ تفتح المدارس أبوابها ليلا لتنظيم دروس ليلية، وتقدم الحصص، مقابل مبالغ مالية متفاوتة، أحيانا باهظة، بطريقة شبه موازية للنظام التعليمي الرسمي، مما يثير تساؤلات حول مدى قانونيتها وأخلاقيتها. أحد أبرز الجوانب المقلقة في هذه الظاهرة هو غياب الرقابة المالية والضريبية، فالدروس الليلية، سواء أُقيمت في المدارس أو في منازل الأساتذة أو حتى في مراكز خاصة، تدر عوائد مالية كبيرة، لكنها لا يتم التصريح بها، حتى أصبحت اقتصادا غير مهيكل، لا يقتصر على الأساتذة الأفراد، بل يمتد إلى شبكات واسعة تشمل وسطاء ومؤسسات صغيرة تستغل حاجة التلاميذ وأوليائهم. والنتيجة سوق سوداء تعمل في الظل، تساهم في تفاقم الفوارق الاجتماعية، إذ يستفيد منها الأثرياء أكثر من الفقراء، بينما تحرم الدولة من موارد ضريبية يمكن أن تستثمر في تحسين التعليم العمومي. هذا الوضع يطرح إشكالية أخلاقية أيضا، فالأستاذ الذي يدرس في المدرسة العمومية أو الخاصة نهارا، ثم يتحول إلى مقدم خدمات مدفوعة ليلا، قد يجد نفسه في صراع مصالح، فهل يقدم كل ما لديه في القسم العادي، أم يحتفظ بجزء من جهده للدروس الخصوصية التي تدر عليه دخلاً إضافيا؟ في حين يشعر أولياء الأمور بأنهم مجبرون على دفع مبالغ إضافية لضمان نجاح أبنائهم. وتبقى الساعات الإضافية، ليست مجرد ظاهرة تعليمية، بل انعكاس لتحديات أعمق تتعلق بالعدالة الاجتماعية وسياسات التعليم، وفتح المدارس أبوابها ليلا قد يكون تعبيرا عن حرص الأسر على مستقبل أبنائها، لكنه في الوقت ذاته مؤشر على خلل بنيوي يحتاج إلى إصلاح جذري. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma