عفوا على العبارة، لكن الضرورة تحتم ذلك، خاصة أنها ليست صادرة عن شخص عاد، ولكن عن إنسانة تحمل صفة "ملائكة الرحمة"، بعدما انعدمت هذه الصفة، وحل محلها الجشع والطمع والاتجار في البشر. "خليه يخنز" و"خليه يطيب" عبارات كثيرا ما استعملت في عمليات الابتزاز، التي استهدفت نساء في وضعية ولادة من قبل أفراد "عصابة" بالقنيطرة، حينما لا يتم التوصل إلى اتفاق في شأن الرشوة التي عليهن دفعها لكي يحظين بمتابعة طبية في عملية الولادة، وهي أمور تبين أنها تمارس منذ مدة، لكن صرخة أفراد عائلة آخر ضحية، ورفضهم عملية الابتزاز تلك، بعدما عمدوا إلى تقديم شكاية في الموضوع إلى النيابة العامة المختصة بالقنيطرة، كشفت بشاعة الجرم الذي يرتكب، ومكنت من فك بعض خيوط تلك الشبكة التي يظهر أن لها امتدادا عمريا، وتعمل بشكل منظم في ابتزاز الضحايا، وإرغامهن على إجراء ولادات قيصرية، أو تركهن يواجهن مصيرهن، في حال رفضن تقديم مبلغ الرشوة، الذي يختلف من حالة إلى أخرى. هذه الوقائع ذكرتني بحالة كنت شاهدة عليها بقسم الولادة في مستشفى ابن رشد بالبيضاء، منذ سنوات خلت. كنت رفقة ابنة عمي، التي كانت تعاني بسبب ولادة مستعصية، وفي الوقت الذي كنا ننتظر أخبارا عن حالتها، كانت امرأة ترتدي وزرة بيضاء، يخالها المرء، في البداية، ممرضة، لكنها ليست سوى عاملة نظافة بالمستشفى، وكانت تشكل البوابة الوحيدة لمعرفة ما يجري في قاعة الولادة، في كل مرة كانت تدخل لتزود عائلات في الانتظار بالأخبار، ولأن الغاية بالنسبة إليها في الحصول على المال تبرر الوسيلة التي تعتمدها، فقد أخبرت عائلة فتاة في مقتبل العمر كانت هي الأخرى تعاني مخاضا عسيرا بالقول "على سلامتها، جاكم وليد"، تعالت الزغاريد والفرحة، وكان نصيبها من ذلك ورقة من فئة 50 درهما، نظير ذلك الخبر، وفي غمرة الفرحة وبعدما ضمنت "قهوتها"، عادت لتطلق عبارة ثانية أخمدت تلك الفرحة في مهدها بالقول، "ولكن راه مات، الله يعوض عليكم". ورغم مرور كل تلك السنين، لم أستطع نسيان ذلك الموقف، الذي جمع بين البؤس والجشع في أبشع صوره، وظل ذلك السؤال الأبدي يتبادر إلى ذهني: لماذا كل هذه البشاعة؟، أين هي القيم والمبادئ التي يفترض أن تطوق سلوكنا اليومي؟، وهل طغت "المادة" على كل تلك القيم؟ فأن تقول طبيبة أو ممرضة لأم "خليه يخنز" أو "خليه يطيب" لابتزازها، فتلك قمة انعدام الإنسانية والرحمة، مع أن واجبها المهني الذي تتقاضى عليه أجرا من المال العام، يفرض عليها تقديم خدمة طبية في أحسن صورها، وإلا تعرضت للمساءلة التأديبية، وعندما يتطور الأمر إلى ابتزاز، تحل المتابعة الجنائية، لتشكل رادعا لمثل هذه السلوكات وعبرة لمن يعتبر. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma