في ظل الحديث عن ترشيد الاعتقال الاحتياطي، والسعي إلى تفعيل قانون نظام العقوبات البديلة، وغيرها من الإجراءات، التي يراد منها التخفيف من الضغط الذي تعرفه السجون، يكون للقضاء الجالس رأي آخر، خاصة في بعض الملفات التي تشهد نوعا من الحساسية، بالنظر إلى الأشخاص المتابعين فيها، وتسير في اتجاه أن الإبقاء عنهم في حالة اعتقال أضمن من اتخاذ أي قرار آخر. هذه النظرة تتجسد بشكل كبير في ملف ما أضحى يعرف بـ"أولاد الفشوش"، المتهمين بعرقلة مرور ناقلة بالطريق العام، وإلقاء مادة على شخص من شأنها تلطيخ الثياب، إذ على امتداد الجلسات السابقة، دائما يتم المطالبة بإطلاق سراحهم، لكن الهيأة ترفض ذلك بـ "علة ما"، قد تخفي وراءها استفهامات كثيرة، خاصة أن المتهمين في الملف شباب في مقتبل العمر، بعضهم لم يتم سن الرشد القانوني، ويتابعون دراستهم ومقبلون على الامتحانات في الأشهر المقبلة. نعم لقد اقترفوا جرما وتمت متابعتهم من أجله، لكن ما الضير أن تتم متابعتهم في حالة سراح، وما الفائدة من الإبقاء عليهم رهن الاعتقال، وهل يشكلون خطرا على النظام العام؟ وغيرها من الأسئلة التي تتطلب أجوبة مقنعة بعيدا عن الشعبوية. في مثل هذه الملفات تتم المحاكمة الشعبية قبل أن يقول القضاء كلمته، خاصة أنه دائما يربط القرارات التي تتخذ بالنفوذ العائلي للمتهمين، ويصبح القضاء في موضع اتهام، وهو ما يعطي الانطباع أن التعامل مع هذه الملفات لا يتم بشكل سلس، وهي أمور خطيرة لها انعكاسات سلبية على علاقة المواطن بالقضاء، بل إن الانتماء العائلي أو الوضعية الاعتبارية تصبح ظرف تشديد، بعيدا عن ظروف التشديد المحددة قانونا. لا أحد يطالب بأن لا تتم محاكمة هؤلاء الشباب عما اقترفوه، لكن بالمقابل لا يمكن حرمانهم من الضمانات القانونية والحق في المتابعة في حالة سراح، خاصة أن القانون يمنحهم تلك المكنة بضمانات عدة يمكن للمحكمة اتخاذها، إلى حين أن يصبح الحكم نهائيا. في ندوة نظمت نهاية السنة الماضية بين رئاسة النيابة العامة، والمؤسسة الألمانية للتعاون القانوني الدولي، قال مولاي الحسن الداكي، رئيس النيابة العامة إنه يجب ترسيخ القناعة بتبني إصلاح جذري عميق يستشرف مستقبلا يواكب التوجهات الحديثة للسياسة الجنائية، الرامية في جزء مهم منها إلى تنويع رد الفعل العقابي تجاه الجريمة، عبر سن خيارات تشريعية بديلة ومتنوعة، تمكن من تفادي وتجاوز سلب الحرية، سواء قبل المحاكمة أو خلال النطق بالعقوبة أو في مرحلة تنفيذها، وهي رؤية تعمد السياسة الجنائية في المغرب إلى تطبيقها، وهي إشارة قوية لا يمكن تجاوزها من قبل القضاة، الذين عليهم كذلك استحضار مدونة الأخلاقيات القضائية، خاصة في شقها المتحدث عن الجرأة الأدبية للقاضي، والتي لا تنقص قضاتنا الأجلاء. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma