عندما هطلت أمطار الخير طيلة الأسبوع الثاني من شهر رمضان، شوهدت إشارات صفراء متوسطة الطول، جرى تثبيتها في ساحة محكمة الاستئناف بالبيضاء، كتب عليها باللغة الإنجليزية دون ترجمة عبارة (caution) وتعني (انتباه) ثم كتب تحت التنبيه ودائما بالإنجليزية (wet floor) وترجمتها هي (أرض مبللة)، ورسم على وجه العلامة شخص في وضعية انزلاق، وفعلا تجري مياه على أرض الساحة، منبعها سيلان من سقف المحكمة وتزحف المياه سائبة بلا مصب ولا وجهة، لتبلل الساحة وتحولها إلى مستنقع شبيه بحقل زراعة الأرز مهددة المرتفقين بالانزلاق، بمعنى أن سقف محكمة وزارة العدل مثقوب، وبدل أن تسارع وزارة العدل إلى ترميم ثقب السقف، عمدت إلى التستر على فضيحتها، واكتفت بوضع إشاراتها وقد كتبتها بلغة لا يفهمها الكثير من الوافدين في محاولة منها للخروج بأقل خسارة، ولإخلاء مسؤوليتها من باب "اللهم إني قد بلغت". يبعث المشهد على الشفقة والتقزز والألم، محكمة استئناف برمزيتها ومقامها يسيل سقفها، وترقع بإشارات، كأنها حقل ألغام أو طريق جبلي، دون حزم وسرعة في إصلاح الشقوق، وتبقى كل قطرة تقطر من سقف المحكمة تشكل استخفافا واستحقارا لشموخها ووقارها وطبعا للعاملين فيها ولما يصدر عنها من أحكام وقرارات. أخشى أن يتسع ثقب محكمة الاستئناف، بالمقابل تستطيب وزارة العدل خطة التشوير ولعبة العلامات، لنجد ذات يوم علامة عليها (Hunting geese is prohibited) وتعني (ممنوع صيد الإوز) وبقربها علامة أخرى ودائما بإنجليزية لا يعلمها إلا الراسخون في العلم عليها ( Please do not feed the birds) وتعني (رجاء لا تطعموا الطيور)، وعندما يستفحل الحال تكتب وزارة العدل بمدخل المحكمة ودائما باللغة الإنجليزية (Not for who cannot swim) وتعني (ممنوع على من لا يجيد السباحة). لا بديل على الحزم في سد مكان التسرب وبعجلة، ولابد من جمع تلك الإشارات الفاضحة لأن من صنعها أول مرة لم يتوقع أن توضع في ساحة محكمة، فتلك العلامات أدلة إدانة لأنها إقرار بالتفريط والتقاعس العمديين، وإن التنبيه ليس بشأن أرض مبللة بل في عدالة مهملة، وفي عقلية عاجزة خائرة. محمد الشمسي (محام وروائي)