يتأكد، كل يوم، ألا علاقة لارتفاع الأسعار، أو انخفاضها، بحالات السعار المزمن الذي تشهده الأسواق والفضاءات التجارية، وتجمعات الباعة المتجولين، كلما اقتربت مناسبة دينية واجتماعية (مثل عيد الفطر المقبل)، إذ غالبا ما تكون "اللهطة" سببا في التهاب الأثمان. فما كاد رمضان يجمع خيامه استعدادا للرحيل، حتى خرجت الجحافل والأجساد، مرة أخرى، لتحتل الأسواق، بحثا عن أشياء تليق بالعيد، أو لا تليق به، قد تكون ملابس للأطفال، أو فواكه جافة لليلة السابع والعشرين، أو مكونات لإعداد الحلويات، أو مزيدا من المواد الغذائية ولحوم بيضاء وحمراء، التي ترتفع أسعارها، تلقائيا، مع ارتفاع منسوب "اللهطة". ففي عز "اللهطة"، والتسابق المحموم على تكديس أكبر عدد ممكن من السلع والبضائع والمشتريات، لا ينتبه عدد من المستهكلين إلى التفاوت في أسعار المنتجات نفسها بين محل وآخر، إذ يستغل "مهندسو المناسبات" مواجهات التدافع والازدحام والهرولة، لتغيير الأرقام والفواصل بطريقة "برق ما تقشع"، وأحيانا "على عينيك أ بن عدي". والواقع، أن لا أحد يمكنه تقدير الأثر الحقيقي لهذا الجوع النفسي المسمى "لهطة" إلا في اللحظة التي تحدث، أي في لحظة الهجوم الجرادي (من الجراد) على الفواكه وأطباق الحلوى والملابس والمواد الغذائية، والتهافت على وضعها في القفف والأكياس البلاستيكية، وتكديسها في صناديق السيارات وفوق الدراجات النارية وعربات نقل البضائع. في هذه اللحظة الفارقة، يرجع البشر خطوات إلى الوراء في سفر إنسانيته، ويقطع أي صلة له بالعقل، ويصبح كائنا "غابويا"، يكشر عن قوته المادية (الجسد) والمالية، دفاعا عن "حقه" في تحرير حصته من الطعام والملابس، ويبذل مجهودات جبارة لمنع الآخرين من الوصول إليه. فحتى في زمن الرخاء الاقتصادي في الأثمنة والسلع، تحتل "اللهطة" صدارة المشهد وتبصم على حضورها بقوة، إذ يعتقد قطاع من المغاربة أن التسابق على شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمواد الأساسية (حسب المناسبة) وتخزينها في "الفريغوات" وتحت الأسرة، هو عنوان "ذكاء اجتماعي" غير متاح لمواطنين آخرين، تنظر إليهم الفئة الأولى باعتبارهم مجموعة بلهاء لا يفقهون في حيل الحياة وقانون "الزمان" وتقلباته. وبجولة بسيطة في الأسواق والفضاءات التجارية وفي الأحياء الشعبية، في مثل هذه الأيام، يمكن الوقوف بسهولة على تمظهرات هذا السلوك الاجتماعي، الذي يصبح فيه الفرد "سيدا" على الجماعة، وتطفو على السطح غرائز التملك و"الأنا" والفتك، وتختفي فيه قيم التضامن والتعاون ومساعدة القوي للضعيف والغني للفقير. وفي خضم ذلك، يستسلم السوق إلى قانون "اللهطة" ويخضع له تدريجيا، وأهم بند في هذا القانون، هو الشراء المفرط للبضائع والسلع والمواد دون حاجة حقيقية لها. وهنا أم المشكلات. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma