"يشير الحكيم إلى القمر، فينظر الأحمق إلى أصبعه". تذكرت هذا المثل الصيني، وأنا أتابع، منذ أيام، الجدل الصاخب حول استعمال سيارات الجماعات الترابية لتوزيع قفف رمضان على الفقراء والمحتاجين وعديمي الدخل، والأرامل واليتامى الذين يبيتون، عدة ليال، بلا عشاء. فقد يكون مهما، من وجهة نظر تخليق الحياة الجماعية، التنبيه إلى استغلال النفوذ واستعمال الوسائل العمومية في نقل وتوصيل مواد غذائية وأفرشة إلى المستفيدين من عمليات التضامن الرمضاني، لكن الأهم من ذلك هو النظر إلى "القمر" في حد ذاته، وليس الأصبع الذي أشار إليه، أي الانتباه إلى الإشكال الاجتماعي الجسيم الذي يجعل آلاف المواطنين يعيشون تحت درجة الصفر من "قفة". ففي ترتيب الأولويات ولوائح الاحتجاج، ينبغي أن يكون النقاش حول استعمال سيارة تحمل أرقام الجماعة، أو مصلحة عمومية، في الرتبة الثالثة، أو الرابعة، ويصعد إلى "البوديوم" السؤال الأهم، حول التزايد المضطرد في أعداد المغاربة الذين يحتاجون، في فترات معينة من السنة، إلى من "يروف" عليهم بكيس دقيق وقارورة زيت، وقارورة مربى، وأكياس عدس وفاصوليا، وقوالب سكر وعلب شاي. وعوض أن نهتم بتتبع مسار السيارات التابعة للجماعات، التي تقوم بخدمة التوصيل، يجب أن نطرح السؤال: لماذا توجد أصلا الحاجة إلى التوزيع بغض النظر عن وسيلة النقل؟ ومن المسؤول عن وجود هذه الأعداد من المواطنين التي تنتظر، في كل مناسبة، من يتصدق عليها؟ فسواء اعتمدت الجهات الموزعة على أسطولها الخاص من السيارات والشاحنات، أو لجأت إلى خدمات مؤسسات عمومية، فإن ذلك لا يخفي حقيقة وجود مواطنين في حاجة ماسة إلى مد "يد العون"، وينتظرون بلهفة وصول الشحنات الجديدة من أجل الاستفادة منها، وليس لديهم الوقت الكافي للنظر إلى لوحات المركبات التي تكلفت بخدمة التوصيل. المحتاجون، أو الجائعون بشكل عام، لا ينتبهون إلى هذه التفاصيل الصغيرة التي تبدو تافهة بالنسبة إليهم، ماداموا سيحصلون على حصتهم من المساعدات في آخر المطاف، وهو التحول الرمزي الذي ينبغي التركيز عليه أكثر من أي نقاش آخر (على الأقل الآن). فحين تصل إلى هذا المستوى من العجز الاجتماعي الذي ينتج لك، عمليا، مجموعات من المتسولين وطالبي المساعدات والقفف الغذائية في المناسبات الدينية، تصبح باقي النقاشات الأخرى حول التخليق وتضارب المصالح واستغلال النفوذ وحملات انتخابية قبل الأوان، عديمة الجدوى، بل ووضيعة أمام مشهد عجوز يحشر نفسه في الزحام، في انتظار "خنشة" من الدقيق الأبيض. إن التركيز الشديد على استعمال سيارة تابعة للجماعة في خدمة "قفة ديلفري"، تشبه المثل الشعبي، "طاحت الصومعة، علقو الحجام"، وهي طريقة لإبعاد الأصبع عن المتهم الرئيسي، وتوجيهه إلى أي كان آخر.. حتى تمر العاصفة، وتعود الأجواء العامة إلى طبيعتها. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma