الحديث عن الإدارة وحكاياتها أشبه بمحاولة فك لغز قديم عالق بين بيروقراطية متجذرة وقرارات إصلاحية، تتأرجح بين النظري والتطبيقي. كل مرة يطلق فيها برنامج إصلاح جديد، نجد أنفسنا نتساءل: هل الإدارة ستصلح نفسها، أم أن العملية مجرد مضيعة للوقت والمال والمجهود؟ وهل سيخرج مقترح الإصلاح الجديد المواطن من بيروقراطية قاتلة، تصل أحيانا حد التفكير في هجرة البلد، بحثا عن إدارة تشعرك أنك مواطن تستحق المعاملة الكريمة، أو على الأقل صاحب حق، بحكم أنك تؤدي الضرائب لهذا الموظف الذي يأبى أن يفهم أن "لحم كتافو من خيرك"، كما يقول المصريون، بحكم أن راتبه السمين يجنيه من الاقتطاعات الضريبية، التي يؤديها المواطن نهاية كل شهر. تخيل نفسك مواطنا بسيطا، قررت يوما ما الذهاب إلى إدارة للحصول على وثيقة، تمر بتجربة تنقلك عبر غرف كثيرة مليئة بأوراق لم تمس منذ عقود، وطوابير مواطنين تعبوا من انتظار بلا نهاية، حيث يصبح السؤال عن الرقمنة أقرب إلى طلب مستحيل، لتدرك أن النظام الورقي هو أحد أعمدة هذه الإدارة، الذي لا يمكن المساس به. مشاكل الرقمنة تحيلنا على برامج الإصلاح الجديدة التي تطلقها الحكومة، مثلما يطلق أصحاب المحلات عروض "الصولد" الموسمية، ومع ذلك، لا شيء يتغير. الأغرب أن كل حكومة جديدة تأتي، تحمل معها الوعود نفسها بتحسين الخدمات، وكأننا في مسرحية مستمرة لا يغادرها الممثلون ولا الجمهور. فالإصلاحات تشبه الأدوية المسكنة، تعالج الأعراض، لكنها لا تقترب من جوهر الداء. والطريف في الأمر أن كل برنامج إصلاحي يأتي مع شعارات رنانة ووعود بالجودة والسرعة، ولكن مع مرور الوقت، يتبين أن السرعة الوحيدة هي تلك التي يختفي بها البرنامج بعد أن تنتهي مدة الولاية الحكومية، أما الجودة، فمتروكة للذاكرة الجماعية، التي تعود لتذكرنا بأن الأمور لم تتغير، بل ربما تزداد تعقيدا. الإدارة ترفض الإصلاح وتحرص عل بيروقراطيتها التي "تمرغ" كرامة المواطن في التراب، وتدفعه دفعا الى البحث عن حلول بديلة، يبقى أقربها العمل بالمثال الدارج "ادهن السير يسير". الإدارة مثل "التونة" العنيدة، قد تصطادها الشباك أحيانا، لكن تعمل جاهدة على الإفلات من قبضة الصياد، فقد نجحت في الإفلات من جميع الإصلاحات، حتى الرقمية منها، كما لم تتمكن من فرض إيقاعها على موظف اعتاد على الورق، خصوصا من فئة 100 درهم و200. في النهاية، يبدو أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الإدارة مصابة بـ"متلازمة التأقلم"، أي أنها قادرة على امتصاص أي محاولة للتغيير وتحويلها إلى طاقة إضافية لتعقيد الأمور. فلا عجب إذا أن يظل المواطن بين دهاليز الإدارة عالقا، في انتظار "الإصلاح المقبل". الصديق بوكزول للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma