الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها (2/1) بقلم: محمد القوص إن دولة الحق والقانون تقوم على أساس تطبيق القانون وتجسيده على أرض الواقع بصورة ملموسة وواقعية، من أجل تحقيق الأمن القانوني والاجتماعي والإقتصادي لجميع مكونات وشرائح المجتمع وتحديد المسؤوليات داخل هذا النسيج المجتمعي دون تمييز بين الافراد والمؤسسات العمومية، رفعا للضرر وجبرا له ومن هذا المنطلق تم إقرار مسؤولية الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية عن الأضرار، الناتجة عن أنشطتها وأخطاء موظفيها بمناسبة أداء مهامهم، والتي تلحق الغير في إطار تسيير وتدبير المرافق العامة. تبقى إدارة الجمارك أحد المرافق العمومية، التي تسهر على تحقيق الحماية القانونية للمنظومة الاقتصادية الوطنية، وتلعب دورا رئيسيا ومحوريا في تطوير وتنمية المبادلات التجارية للبلاد، بالإضافة الى انها تلعب دورا طلائعيا في مجال الأمن العام والصحة العامة وتقوية النسيج الاقتصادي وحمايته، ومحاربة استفحال تجارة البضائع والسلع المزيفة والمقلدة ظاهرة دولية عابرة للحدود، وانطلاقا من هذا الأساس وما قد ينتج عن مزاولة إدارة الجمارك لمهامها وانشطتها، والتي تدخل في اختصاصاتها الحصرية ومن تم وعلى هذا الأساس. نتساءل عن نطاق وحدود مسؤوليتها الإدارية في علاقتها مع كل المرتفقين وغيرهم ممن يخضعون لمقتضيات مدونة الجمارك، وقبل محاولة الإجابة عن هذا التساؤل الذي يفرض نفسه، سنتطرق إلى الحديث عن القواعد العامة المؤطرة للمسؤولية الإدارية لأشخاص القانون العام بصفة عامة ليتسنى لنا بعد ذلك تحديد مسؤولية إدارة الجمارك، سواء في إطار القواعد العامة الواردة في صلب قانون الالتزامات والعقود، أو النصوص الخاصة. المحور الأول: الإطار العام لقواعد المسؤولية الإدارية على ضوء قانون الالتزامات والعقود والاجتهاد القضائي والفقهي إن المرجع التاريخي للمسؤولية الإدارية للإدارة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تجد تأصليها القضائي أولا، في قرار الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية الصادر بتاريخ 8_2_1873 والمعروف بقرار بلانكو، الذي أسس في حد ذاته بداية واقعية لمفهوم القانون الإداري ولمفهوم المسؤولية الإدارية، حيث أقر هذا القرار بمسؤولية الدولة عن الاضرار الناتجة عن تسيير مرافقها، وفي سياق تطورها تم إقرار المسؤولية الإدارية بدون خطأ، على اعتبار أن هذا التوجه ذا الطابع الاجتهادي ملائم أكثر لضحايا أنشطة المرافق العمومية من القانون المدني، الذي يعتمد على قواعدإثبات أكثر صرامة وتعقيدا، وهذا ما دفع القضاء الإداري الى الأخذ به. في هذا السياق تبنى المشرع المغربي نظام المسؤولية الإدارية، من خلال التنصيص على قواعدها في صلب قانون الالتزامات والعقود الصادر بمقتضى ظهير 9 رمضان 1331 الموافق ل11 غشت من 1913، من خلال الفصول 79 و80 من هذا القانون وتشكل هاته النصوص المشار إليها والمستوحاة من قرار بلانكو الشهير تحولا مهما في مسار تحديد نطاق المسؤولية الإدارية، حيث تم الانتقال من المبدأ القائل بعدم جواز مؤاخذة الدولة عن الأضرار التي تصيب الغير جراء مزاولة أنشطتها، أو الناتجة عن الأخطاء المرفقية لموظفيها الى القول بمسؤوليتها عن ذلك وتكريسها تشريعيا وقضائيا على ارض الواقع لقواعد هاته المسؤولية، حيث نص المشرع المغربي في الفصل 79 ق ل ع على " إن الدولة والبلديات مسؤولة عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها وعن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم". والمسؤولية الإدارية كما عرفها ذ عبد المجيد الشفيق الرئيس السابق للمحكمة الإدارية بفاس والمنشور في مجلة المعيار العدد 55 ص 13" هي تلك الحالة القانونية التي تلتزم فيها الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية بدفع تعويض عن ضرر، أو أضرار لحقت بالغير، بفعل وتسببت له في أضرار جراء الأعمال والتصرفات الإدارية الضارة، التي تقوم بها سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة". معنى الحالة القانونية هو التأصيل القانوني لحال من يسأل عن أمر تقع عليه تبعته، سواء شخصا ذاتيا أو معنويا، وهاته الحالة تكون قائمة من خلال التعريف الفقهي السابق، سواء كان الفعل الضار قائما على أساس الخطأ، أو على أساس المخاطر مما يعرف بالمسؤولية المفترضة، وهذا التعريف لا يبتعد عما أقره المشرع، من خلال مقتضيات المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود. والمسؤولية الإدارية القائمة على الخطأ، تستوجب توفر أركان الخطأ والضرر والعلاقة السببية، وفق ما تقتضيه القواعد العامة لتحديد المسؤولية، وهذا ما أقره العمل القضائي، من خلال الحكم عدد 1938 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 08-10-2007، حيث تمت اثارة مسؤولية الدولة طبقا لمقتضيات المادة 79 من قانون الالتزامات والعقود، وكذا الأمر الاستعجالي رقم 172 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 05-7-2007 في إطار الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي، وان كانت هناك صعوبة عملية في التمييز بين الخطأ الشخصي الذي ينسب للموظف العمومي شخصيا للقول بذلك حيث تسري إثاره إلى الذمة المالية الخاصة للموظف والخطأ المصلحي أو المرفقي، الذي تسأل عنه الإدارة، وهذا ما اختلف الاجتهاد القضائي فيه في ما يخص تحديد معايير التمييز بينهما بشكل دقيق. * مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بفاس