في الطريق إلى الرسول

تقدم حنان ركراكي، حفيدة "سيدي واسمين"، سلطان ركراكة الأحرار، في هذا الكتاب، واحدة من تحف السرد الأنيق لقصص رجال شرفاء نسجت حولهم الأسرار والأساطير وأحاطت بهم الألغاز، وتحولت سيرهم إلى حكايات في أفواه الجدات للأحفاد. إعداد: يوسف الساكت تحرك الركب مبتعدا وألسنتهم تلهج بالثناء على الملك وابنته. ساروا مشرّقين والعناية تكلؤهم وكلما جاوزوا مرحلة صادفوا معابد بها أصنام وأوثان، كانت تلك المعابد بنايات ترجع إلى ما قبل الفترة الرومانية ولبثت محتفظة بوظيفتها الدينية بعد ذلك. بعد اجتياز وادي فرطاسة وبعد أيام من السير المضني بلغوا منحدرات تعلوها قمم مكسوة بالثلوج يصل ارتفاعها إلى ثلاثة آلاف متر. وبمسيرهم بمحاذاة أحد الأودية العميقة انتهوا إلى شلال ماء تتدفق أمواجه، فقرروا التوقف للاستراحة وإراحة دوابّهم من وعثاء السفر، كان سحر الطبيعة في هذا المَجَمّ يخلب الإحساس ويبعث على التأمل والتفكر في عظمة الخالق وجميل آلائه. بعد جلسة تفكرية، انصرف الرجال للبحث عن الأخشاب، بينما أخذت تافوكت في إعداد المكان الذي سيجتمعون فيه على الطعام. كانت مروج هذه الناحية تحوي أنواعا كثيرة من الشجر كالأرز والبلوط والصنوبر، وتنبت أشكالا من الجميم كما تؤوي الكثير من الحيوانات الجارحة والكاسرة، لم يكن طعام الرفقة يتجاوز القليل من خبز الشعير وزيت الزيتون والتمر، أما مشربهم فالماء ونُغَب من حليب الماعز، ويبدو أن زادهم الأساسي كان زاد الروح، حيث لم يطلبوا الطعام من الأهالي إلا لماما، مستكْفين بتأملهم العميق، وشوقهم إلى لقاء نبي الله. كانت رحلتهم توجها روحيا إلى مهبط الرسالة، وفي خَلَدهم أسئلة تتناسل باستمرار. ترى من يكون الرسول؟كيف هو؟ إنه لامرؤ سعيد ذاك الذي يحظى برؤيته و يَسعد بصحبته، تساءلوا في أنفسهم هل يكون لهم نصيب من الاقتراب منه ومخاطبته، تقبيل يديه وطلب مباركته؟ دعوا جميعا قائلين: - يا رسول الله! نحن في الطريق إليك، نحو النور الإلهي، نور الهداية، فلتحرسنا عنايتك لنصل إلى غايتنا ونظفر بمطلوبنا سالمين، يا رسول الله، لو تعلم قدر محبتنا فيك حتى قبل أن نراك! بعد أن طعِموا، وقلوبهم مفعمة بالشوق، جهزوا رحالهم وواصلوا مسيرهم. مرت أيام عديدة قطعوا فيها المفاوز والكثبان وجاوزوا القرى، مروا من واحات مُخصِبة وصحاري مجدبة، يبيتون تحت السقوف وآناً تحت أديم السماء ونجومها اللامعة، يطيلون المكوث في بعض الأحيان استجابة للأهالي وحسن ضيافتهم. وهكذا وصلوا إلى قرية بجانب البحر يحيط بها بسيط مخضر من الأرض، ومنازلها الصغيرة مبنية بالطين المجفف، كان الأهالي يعيشون على صيد السمك والطيور والخنازير،فيما النساء يشتغلن بغزل الصوف ونسجه، لكن رغم هذه البساطة الظاهرة و الحياة الهنيّة التي يلاحظها المرء فقد علم الرفقة المسافرون أن عديدا من القبائل الشرسة والثوار المشاكسين يعيثون فسادا في تلك الأنحاء و يسومون أهلها غصبا وتقتيلا، وهنا عزم واسمين على النزول بتلك القرية واستدامة المكوث بها لمدة، فما دامت الأقدار ساقتهم إليها ففي ذلك إشارة إلى حاجة الناس فيها إليهم، قال واسمين: - سنقيم هنا لبعض الوقت ثم سنرحل إلى وجهتنا. في كل يوم، كان واسمين يلتقي ببعض القرويين ويحدثهم عن قصته ويخبرهم بأخبار وسير الأولين، كما ينبئهم بالغاية من رحلته، وكان عدد القرويين المجتمعين حوله يتزايد يوما بعد يوم. ترددت أصداء هذا الحدث في أرجاء المنطقة، كان الجميع يتكلمون عن ذلك بانبهار. وفي أحد الأيام، قبيل انبلاج الفجر، حيث كان واسمين وإخوته وإساف وباديس يتهيؤون للعبادة شاهدوا خيالا قادما من بعيد في اتجاههم، وحين اقترب تبينوا فيه رجلا جسيما بلباس أنيق عليه مظهر محارب، وكان يمتطي ركوبة تسرع الخطو، وحوله مجموعة من كلاب الصيد. أوقف الرجل حصانه غير بعيد عنهم، وترجّل عنه ثم ربط لجامه بفرع شجرة. وبصوت جهوري له نبرة الحزم والهدوء معا أمر كلابه المهتاجة بالسكون. وبعدها تقدم نحو الجماعة فحياهم بسلام واحترام وقدم لهم بعض الطرائد عربونا على حسن النية وطيب السريرة. لقاء علقمة اسمي أورزيز! وقد سمعت عن أسلافكم الذين هم أيضا أجدادي فأنا حفيد علقمة، وإنها العناية التي ساقتني إليكم يا إخوتي. وإني أرغب في مرافقتكم في الطريق نحو الوجهة التي طالما تمنيناها جميعا! يا أصدقائي كم من مرة سمعت فيها آبائي وأجدادي يقولون" اتخذ من سلامة قلبك وصفاء باطنك حِلية وزينة، وتخلص من الأهواء التي تؤذي شعورك، فإن الرب سيهديك إلى طريق الحق ويلهمك إلى الوجهة المقدرة لك".

في الطريق إلى الرسول

كانت رحلتهم توجها روحيا إلى مهبط الرسالة وفي خلدهم أسئلة تتناسل باستمرار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عمر العزوزي: اشتغلت "صناك" في الأسواق

الوداد يتعادل وديا مع النادي الإفريقي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات