الأطباء المتمرنون… ورطة الشهادات الطبية

أصبحت الشهادات الطبية المسلمة من قبل أطباء متدربين بالمستعجلات أو المستوصفات الطبية التابعة للقطاع العمومي، تستنفر في الآونة الأخيرة مهتمين بالشأن الصحي والقضائي لما خلفته من ردود أفعال متباينة من أجل حماية الضحايا والمتقاضين من زيف مضامين ما تتضمنه هذه الشهادات. وأضحت هذه الوضعية ترخي بظلالها وتبعاتها بشكل مسترسل من خلال بعض القضايا المعروضة على العدالة، أو بعض القضايا المثيرة للاهتمام التي تورط فيها حراس أمن عاملون بشركات متخصصة في الحراسة بالمستشفيات، وذلك بتدخلهم في تسهيل تسلم شهادات طبية تتضمن مدة العجز مثيرة للجدل. إنجاز: أحمد سكاب (الجديدة) اتخذت سابقا قرارات من قبل هيآت الأطباء لجهة البيضاء سطات، والتي حثت أكثر من مرة الأطباء التابعين لها وكذا الأطباء المتدربين بحكم اشتغالهم بمستشفيات عمومية، على ضرورة التقيد بمجموعة من الضوابط المهنية واحترام قواعد العمل القانونية، خصوصا النقطة المتعلقة بتسليم الشهادات الطبية لمن يستحقها، من خلال تحريرها والحرص على أن تحمل طابع وتوقيع الطبيب وهوية المريض بعد فحصه، بتضمين معطيات خاصة لطالبها، مع توقيع الطبيب محرر الشهادة وتاريخ تحريرها، من أجل تفادي كل ما من شأنه أن يؤثر على السير العادي للعدالة. كما دعت هيأة الأطباء إلى ضرورة تناسب مدة العجز مع طبيعة الإصابة أو المرض، ومنع تسليم الشهادات الطبية على سبيل المجاملة أو المحاباة، وفقا لمقتضيات المادة 8 من مدونة أخلاقيات الطب. ورغم هذه التنبيهات فمازال بعض الأطباء المتدربين الذين قضوا سنوات بمستشفى الجديدة، يعملون خارج القانون، بتواطؤ مع "سماسرة" يشتغلون في هذا المجال. تفكيك شبكة "السماسرة" أحال قاضي التحقيق بابتدائية الجديدة على غرفة الجنح التلبسية، أخيرا، متهمين يعملان حارسي أمن خاص بالمستشفى الإقليمي بالجديدة، تابعين لإحدى الشركات المتخصصة في الحراسة، بعد متابعتهما في حالة اعتقال بتهم تزوير وثيقة إدارية والمشاركة في ذلك وصنع شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة والمشاركة في ذلك، فيما تقررت متابعة متهمين اثنين في حالة سراح بالمشاركة في صنع شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة. وجاء إيقاف المتهمين من قبل عناصر الدرك الملكي بالمركز الترابي لأزمور التابعة للقيادة الجهوية للجديدة، على خلفية توسطهما في تسليم شهادة طبية مزورة مدة العجز بها 25 يوما، لأحد الأشخاص، الذي كان في نزاع مع شخص ثان أصيب خلاله أحد الأطراف إصابات بالغة في قضية تتعلق بتبادل الضرب والجرح داخل مقهى بأزمور كان رواده في حالة غير طبيعية، ما اضطر معه درك أزمور إلى التدخل وفتح تحقيق حول ملابسات الاعتداء الذي تعرض له الطرف الأول ما دفع الطرف الثاني إلى البحث عن صيغة من أجل عدم متابعته، قبل أن يقوم بإشعار أحد أقربائه الذي دله على حارس أمن خاص يعمل بمستشفى الجديدة. المال مقابل الشهادة الطبية من أجل الحصول على الشهادة الطبية المزورة، تم التنسيق مع حارسي الأمن الخاص بالمستشفى، إذ اشترطا على طالب الشهادة إحضار 800 درهم من أجل تسليمها لطبيب متدرب بمستعجلات مستشفى الجديدة، وهو ما تم بالفعل، حيث سلماه الشهادة الطبية المزورة التي قدمها بدوره لعناصر الدرك الملكي بأزمور، والتي راودتها شكوك حول تلك الشهادة المزورة، خصوصا بعد معاينة عناصر الضابطة القضائية أن الحالة الصحية للمشتبه فيه لا تستوجب مدة العجز المسلمة له من الطبيب الموقع على الشهادة الطبية. وبعد إشعار وكيل الملك أمر عناصر الدرك الملكي بأزمور بفتح تحقيق معمق، وإيقاف كل من ثبت تورطه في واقعة تسليم الشهادة الطبية المزورة. سوابق الطبيب المتدرب توجهت دورية للدرك الملكي صوب مستشفى الجديدة، وأثناء وصولها وقيامها بالتحريات الميدانية اهتدت إلى هوية حارس الأمن الخاص المشتبه فيه الأول، وبعد التحقق من هويته وأثناء محاولته مد عناصر الدرك الملكي ببطاقة تعريفه الوطنية لفتت انتباه عناصر الدرك شهادات طبية بمحفظته الجيبية، وبعد الاطلاع عليها تبين للمحققين أن الأمر فعلا يتعلق بشهادتين طبيتين تحملان تواريخ مختلفة، حيث تم اقتياده لمركز الدرك بأزمور، وتمت مواجهته بالشخص طالب الشهادة الطبية وتعرف عليه بسهولة فأكد أن الماثل أمامه هو من توسط له من أجل الحصول على الشهادة الطبية، قبل أن يعترف حارس الأمن الخاص أن صديقه في العمل هو من اتصل به هاتفيا وطلب منه التوسط له لدى الطبيب المتدرب من أجل تسليمه الشهادة الطبية، وبعد اطلاع المحققين على هاتف حارس الأمن الخاص الأول تم العثور على رسالة نصية تؤكد مبلغ 800 درهم ومدة العجز في 25 يوما. وتعميقا للبحث تم إحضار حارس الأمن الخاص الثاني وبعد مواجهته بالمنسوب إليه، أكد التصريحات التي أدلى بها زميله في العمل ليتم وضع الموقوفين الأربعة تحت تدابير الحراسة النظرية، فيما توجهت دورية للدرك لإدارة مستشفى الجديدة واستفسرت المديرة حول صحة تلك الشهادة الطبية المسلمة، حيث أكدت أن هذه الشهادة الطبية غير مطابقة للشهادات الطبية المسلمة من قبل المستشفى وليست مسجلة لدى إدارته، ولا تحمل أي رقم تسلسلي خاص بها ، كما أضافت أن الخاتم المضمن بها الخاص بالدكتور، مزور، مضيفة أن الطبيب مسلم الشهادة موضوع شكاية سابقة من قبل إدارة مستشفى الجديدة في شأن تسليم شهادات طبية مزورة، كما وعدت مديرة المستشفى عناصر الدرك أنها ستعمل على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في الموضوع لمواجهة الطبيب موقع الشهادة. تورط أطباء متدربين سبق لعناصر تابعة للمركز القضائي للدرك الملكي بوادي زم، أن اعتقلت، طبيبا متدربا بالمركز الاستشفائي ببني ملال، على خلفية الاشتباه في تورطه في تسليم شهادات طبية وهمية. وحلت عناصر الدرك الملكي بناء على تعليمات النيابة العامة المختصة، بقسم المستعجلات بالمستشفى ذاته واعتقلت الطبيب المذكور، الأمر الذي أثار حالة استنفار قصوى بالمرفق الصحي العمومي بالمنطقة، كما تم اقتياده إلى وادي زم ووضعه تحت تدبير الحراسة النظرية بأمر من وكيل الملك. وجاء اعتقال الطبيب المتدرب بعد تفجير ملف الشهادات الطبية الوهمية، التي يدلي بها أشخاص عديدون في ملفات حوادث سير وهمية، تتضمن وقائع غير صحيحة تم الإدلاء بها أمام العدالة من قبل بعض المتورطين، واستفادتهم من مبالغ مالية مهمة، حيث تضمنت الشهادات الطبية المسلمة توقيع وختم الطبيب المتدرب المعتقل. أصحاب الاختصاص عبر عدد من الأطباء العاملين في القطاع العمومي في تصريحات متباينة، عن مؤازرتهم لأطباء متدربين أو متمرنين، معتبرين في السياق ذاته أن الشهادات المسلمة من قبل الأطباء أنفسهم تبقى قانونية وذات مصداقية، على اعتبار أن الطابع أو الخاتم مسلم له من قبل الإدارة الاستشفائية، وهذا ما يضفي عليها طابع المصداقية والشفافية. وأرجع عدد من الأطباء المختصين، أنه بحكم أن الطبيب المتدرب قضى سنوات بالخدمة ذاتها، كسب تجربة ميدانية، وأن عمله لا يقتصر على الكشف عن المرضى أو تسليم الوصفات الطبية، وإنما أضحى بإمكانه تسليم شهادات طبية تثبت مدة العجز، التي تبقى قانونية في نظر الأطباء. غياب نص قانونيكشف الأستاذ رشيد وهابي محام بهيأة الجديدة، أن تسليم الشهادات الطبية من لدن الطبيب المتدرب، تردد بقوة بين بعض الأطباء وبعض المهتمين بالمجال القانوني، ولم يستقرر جوابهم على أمر واحد، وتضاربت ردودهم بين من يعتبر ذلك حقا لهم، وبين آخرين ينكرون عليهم هذا الحق، حيث استدعيت لذلك بعض النصوص القانونية المؤطرة لهذا المجال، من أجل جواب كاف وشاف لكل من سيعيد طرح هذا السؤال. وقال وهابي في تصريح لـ"الصباح"، إنه حسب علمه أن المتعارف عليه، هو أن الأطباء المتدربين في المستشفى، يقومون تقريبا بفحص المرضى وتسليمهم ورقة الدواء باسمهم الخاص، ويمكن لهم أن يحرروا لهم الشهادات الطبية كذلك، ولكن من الأفضل أنه في حالة بعض الشهادات التي يمكن أن تكون مدة العجز بها كبيرة، أن تكون مبنية على صور راديو وتسلم بعد استشارة أطباء أو مدير المستشفى، حتى لا يضع الطبيب المتدرب شخصه في موقف حرج، يمكن أن يؤثر على حياته المهنية المستقبلية، بحكم قلة تجربته أو تهوره في بعض الأحيان. وأشار وهابي إلى أنه رغم أن القانون 131.13، ‏المتعلق بمزاولة مهنة الطب، لا يتكلم بشكل صريح عن الطبيب المتدرب ومهامه وحدودها، "فإننا يمكن أن نستشف من المادة 108 منه في فقرتها الأخيرة والسادسة، لا تمنع الطالب في الطب المتدرب بالمستشفى، أن يقوم بأعمال مهنة الطب، ولكن تشترط أن يقوم بها تحت مسؤولية مؤطريه". وأضاف رشيد وهابي "ولكن نجد أن المادة الوحيدة التي تتكلم بشكل واضح عن الطبيب المتدرب هي المادة 18 من مرسوم رقم 651-99-2 صادر في (6 أكتوبر 1999)، بشأن النظام الأساسي الخاص بهيأة الأطباء والصيادلة وجراحي الأسنان المشتركة بين الوزارات، والتي تعتبرهم موظفين بصفتهم أطباء، في فترة تدريب، وهذه الصفة تعطي لهم الحق لكي يمارسوا الفحص وتسليم أوراق الدواء والشهادات الطبية باسمهم، والمادة فقط تتكلم عن أنه لا علاقة له بمزاولة الطب باسمهم وتحت مسؤوليتهم، وهو المتعلق بضرورة مرور سنة لكي يتم ترسيمهم، وهي فترة تجربة، تخلص فيها الوزارة، بحكم تقارير الرؤساء، وانضباط الطبيب المتدرب في عمله، وعدم اتسام تلك السنة بتصرفات منه يمكن أن تطرح علامة استفهام كبيرة حول حاجة القطاع الطبي لطبيب أظهر خلال التدريب زيغا وانحرافا سيكبر بعد ترسيمه، لذلك نجد في حالات تعتبر قليلة جدا، لا يتم فيها ترسيم الطبيب المتدرب، وتنهي الوزارة صلتها به". وخلص وهابي إلى أن ما يمكن أن تستشفه من خلال ما سبق، هو أن الطبيب المتدرب، ليس هناك أي نص قانوني يمنعه من ممارسة عمله طبيبا وتسليم الشهادات برأسيته، كما أنه ليس هناك أي نص قانوني يحدد له حدود عمله، ولكن جرى العمل أن يتم اعتباره طبيبا يعمل ويتصرف كالطبيب المرسم، مع وقف تنفيذ ترسيمه حتى تمر سنة على عمله متدربا، على الطبيب المتدرب، دائما يستشير من هو أقدم منه، خصوصا في بعض الحالات المعقدة أو الأوضاع التي يمكن أن يكون فيها خصوم، كحالات طلب الشهادات الطبية المتعلقة باعتداءات. اختبارات أمنية دورية لاكتشاف الثغرات تفاعل عدد من وراد التواصل الاجتماعي مع حدث اعتقال حارسي أمن يعملان بالمستشفى الإقليمي للجديدة، وتورطهما في الوساطة لدى طبيب متدرب، من أجل إنجاز وتسليم شهادة طبية لمواطن كادت أن ترمي بشاب وراء القضبان، لولا اكتشاف أمر زورية الشهادة الطبية المسلمة من قبل عناصر الدرك الملكي، التي فطنت للعبة المتهمين وشريكه طالب الشهادة الطبية المزورة. وطالب عدد من "الفيسبوكيين" في تعليقات متباينة، بتدخل النيابة العامة المختصة في مثل هذه الشوائب، والضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه التلاعب بمستقبل وصحة المواطنين، كما طالبوا وزارة الصحة الوصية على القطاع بضرورة تطهير المؤسسات الاستشفائية، من حراس الأمن الخاصين، وكذا بعض الأطباء المتدربين، الذين لا يحترمون هذه المهنة النبيلة. ووجه عدد من رواد الفضاء الأزرق داخل مجموعات "فيسبوكية"، مجموعة من المطالب، منها تعديل القوانين المتعلقة بمنح الشهادات الطبية رغم وجود أطباء محلفين داخل المستشفيات العمومية، مؤكدين أن بعض الأطباء المتدربين يستغلون الوضع باشتغالهم داخل المستعجلات، مستغلين النقص العددي في الأطر الطبية الذي تعاني بسببه المستشفيات العمومية. وكذا حاجة وزارة الصحة لأطباء متدربين، من أجل سد الخصاص وتعويض النقص الحاصل للجهاز الطبي في أغلب المستشفيات العمومية، من أجل مواكبة التطور الديمغرافي والحاجة الملحة للمواطنين في الاستفادة من الخدمات الصحية المقدمة لهم بالقطاع العمومي.

الأطباء المتمرنون… ورطة الشهادات الطبية

الوضعية خلفت ردود أفعال متباينة من أجل حماية الضحايا والمتقاضين من زيف مضامينها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مهرجانات " الصينية"... ريع مقنن

طفلة تقتل جدها بإيموزار

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات