مباشرة بعد الانتهاء من احتفالات "سبع بولبطين/بوجلود" مساء اليوم الأول من عيد الأضحى، اتفقت أنا وصديقي (محمد)، على موعد مع "تحميمة" في الحمام البلدي بسطح منزلهم، لإزالة آثار الدم والأوساخ وعياء الركض في الأزقة والدروب المتربة. كانت العادة، في مثل هذه الحالات، أن نغير ملابسنا في الطابق السفلي ونتلحف بفوط ونهيئ أدوات الاستحمام، في انتظار أن تشتد أعواد "الفرناتشي"، وتسخن القبة الصغيرة، ثم نصعد الحمام، حيث خليط دخان الخشب والخزامى وبقايا الصابون البلدي والغسول ينعش الأنفاس، ويفتح شهية الاسترخاء. كنا نحب هذه اللحظة، مرة في الأسبوع على الأقل، حيث نخلو نحن الاثنان بالقبة الصغيرة المصهدة، وقربنا "البرمة" التي تفور ماء ساخنا، لكن هذا اليوم كان استثنائيا بكل المقاييس، حين لاحظنا أن درجة الحرارة ترتفع بشكل غير معهود. انتقل جسمانا من التعرق العادي، إلى الاحمرار الشديد، وبدأت أنفاسنا تتقطع، وفجأة ساد صمت رهيب، وبدأت أنا و"محمد" ننظر إلى بعضنا. "هذه الحرارة غير طبيعية"، قال لي بتعب وهو يضغط على صدره المتعرق، ويمسد عينيه المحمرتين، قبل أن أطلب منه، أن "ينفس" باب الحمام قليلا، طمعا في زخات أوكسجين تتسرب عبر الفتحة، لكنه رفض، مبررا ذلك بأن جلودنا ستبرد، وسيصعب فركها بعد ذلك واستخراج الأوساخ. الحرارة تزداد التهابا، ونحن ما زلنا في غرفة الموت، ولم يشعر صديقي حتى قفز من مكانه، وفتح الباب الحديدي على مصراعيه، خوفا من هلاك وشيك. وبينما فتح الباب، لاحظ أن هناك حركة غير عادية، قرب موقد الحمام. خرج بـ"كيلوطه" يتصبب عرقا، ومال إلى الجهة الأخرى، حيث توجد فتحة "الفرناتشي"، فكانت المفاجأة أكبر من كل التوقعات. ضبط شقيقه "حسن"، منهمكا في إدخال فرع شجرة من الحجم الكبير داخل الموقد، وليس ذلك فقط، بل التهمت النيران جزءا كبيرا منها، فما كان من صديقي إلا أن حمل عصا كبيرة، وتعقب شقيقه الذي قفز، مثل غزال، في الدرج، وفر إلى خارج المنزل. عاد "سي محمد" مكشكشا، وهو يهم بارتداء ملابسه، وحين سألته قال لي "البرهوش، كان باغي يقتلنا في الحمام"، و"لماذا"؟ سألته مرة أخرى، قال لي "لقد منعته من ارتداء فرو الخروف والمشاركة في احتفال "سبع بولبطين"، ولم ير طريقة للانتقام إلا بمحاولة قتلنا في غرفة غاز". و"هتلر ومادارهاش". يوسف الساكت للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma