الملاذ الأخير لمواجهة الطوارئ

بلحاج أستاذ الاقتصاد أكد تدهور القدرة الشرائية للأسر المتوسطة والفقيرة قال نوفل بلحاج، أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بالمحمدية، إن اللجوء إلى القروض لم يعد يقتصر على الفئات الهشة، بل مس أيضا الطبقة المتوسطة، ما أدى إلى تراجع الفوارق التي كانت تميزها عن باقي الطبقات الفقيرة. وأوضح بلحاج في حوار مع «الصباح»، أن الأسر المتوسطة والفقيرة على حد سواء، تعرضت قدرتها الشرائية خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلى تدهور كبير، جراء توالي الصدمات، بسبب «كورونا» وارتفاع الأسعار. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني باتت القروض تشكل الملاذ بالنسبة إلى أغلبية الأسر، لمواجهة تراجع القدرة الشرائية. كيف تقرؤون الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط في هذا الصدد؟ > أكيد، أن قروض الاستهلاك أصبحت تشكل اليوم ملاذا بالنسبة الى عدد كبير من الأسر، خاصة لمواجهة ما يسمى المصاريف الطارئة، مثل الدخول المدرسي وعيد الأضحى وعطلة الصيف ومصاريف العلاج في بعض الأحيان، ناهيك عن أن أغلب الأسر ذات الدخل المحدود، أو الأسر الفقيرة أو التي تعاني هشاشة، أصبحت تلجأ إلى قروض الاستهلاك بشكل مفرط، رغم أن سعر الفائدة مرتفع جدا. وهناك منحى تصاعدي للقروض، ما يعني أن القدرة الشرائية أصبحت هشة، وأن نسبة الادخار في تراجع ملحوظ. وتكفي هنا الإشارة إلى الأرقام الصريحة للمندوبية السامية للتخطيط، والتي تؤكد أن الأسر التي لها إمكانية الادخار لا تتجاوز نسبة 1,8، وهذا رقم خطير يؤكد أن الأسر المتوسطة والفقيرة على حد سواء، تعرضت قدرتها الشرائية خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى تدهور كبير، جراء توالي الصدمات، بسبب «كورونا» وارتفاع الأسعار. واليوم رغم وجود آلية لكبح جماح قروض الاستهلاك من قبل بنك المغرب، عبر التحكم في العرض والطلب، فإن هذه الآلية، لم تلعب دورها بشكل كبير في كبح المنحى التصاعدي للقروض، لأن الأسر، للأسف، ليس لها بديل آخر، وهذا يعمق هشاشتها، وتكون له انعكاسات سلبية على الطلب الداخلي والقدرة الشرائية في السنوات المقبلة. أضحت الأسر من الطبقة الوسطى، هي الأخرى ضحية قروض الاستهلاك. ما هي المخاطر التي يحملها تفاقم مديونية الأسر على الاستقرار الاجتماعي؟ > بالفعل، حين نتكلم عن الفئات التي تلجأ إلى القروض، نلاحظ أن الأمر لم يعد يقتصر على الفئات الهشة، بل حتى الطبقة المتوسطة، كما أن الفوارق التي كانت في السابق، تميز طبقة عن أخرى، بدأت تتقلص وتتراجع، وعدد كبير من الأسر اليوم تقهقرت في الهرم الاجتماعي، وانحدرت نحو الطبقات الدنيا، جراء تعاظم الديون وتراجع القدرة الشرائية. وهنا نلاحظ أن عددا كبيرا من الأسر التي كانت تسجل أبناءها في المدارس الخاصة، عادت إلى المدرسة العمومية، والشيء نفسه بالنسبة إلى العلاج في المصحات الخاصة، إذ لوحظ الإقبال على المستشفيات العمومية. كما تراجعت سلة الغذاء لدى أغلبية الأسر وتدهورت قدرتها على الادخار. ورغم اللجوء إلى القروض، فإن القدرة الشرائية تواصل الانحدار، ما أثر على نشاط العديد من القطاعات مثل العقار، والأنشطة التي كانت تعتبر من الكماليات، فأصبح سلم الأولويات هو الغذاء والصحة والنقل، بسبب توالي الصدمات التي أدت إلى تغير في الأولويات، وتقليص الفوارق بين الطبقات، وهذا ما يتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة، مثل تقديم دعم مباشر للأسر الفقيرة، أو إقرار زيادات في الأجور بالنسبة إلى الموظفين أو الأجراء. تلتهم القروض الجزء الأكبر من أجرة الموظف والأجير، بسبب اللجوء إلى أكثر من قرض ومن مؤسسات مختلفة. ألا ترون أن مؤسسات التمويل هي المستفيد الأكبر من وضعية الأزمة التي ضربت القدرة الشرائية؟ > بالفعل، هناك نسق تصاعدي للقروض، لأن التضخم مازال متواصلا، وإن بنسب أقل، ومصاريف الحياة تغيرت فالمسائل التي كانت تعتبر من الكماليات في الماضي أصبحت من الضروريات، وتوالي القروض وتعددها، يدخلان العديد من الأسر في دوامة لا تنتهي، ما يؤثر على القدرة الشرائية، وتنتقل من سداد القروض من الأجرة، إلى سدادها بقروض أخرى. وهنا يتأثر الاقتصاد الوطني، ويتضرر الطلب الداخلي على المنتجات الوطنية، كما يتأثر فعل توفير مناصب الشغل. ألا ترون أن حملات الإشهار الكاذبة في بعض الأحيان وراء الإقبال الكبير على قروض الاستهلاك، في غياب أي رادع؟ > طبعا الإشهار يلعب دورا كبيرا في دفع الأسر إلى القروض، خاصة بالنسبة إلى المصاريف الكمالية، التي لا تدخل في ما أسميناه المصاريف الطارئة، مثل تمويل السفر أو اقتناء سيارة جديدة. وهؤلاء الذين يلجؤون إلى القرض من أجل تمويل مثل هذه الحاجيات، التي تبقى من الكماليات، لا ندخلهم في خانة الأسر التي تعاني أزمة، ولها مشكل القدرة الشرائية، ولكن عموما هناك تأثير للإشهار. ويبقى الإشكال المطروح، هو كيفية تدبير المصاريف المتعاظمة، وتحمل مختلف النفقات الطارئة، خاصة أننا نتحدث اليوم عن تآكل شبكة التضامن الاجتماعي والأسري، والتي كانت صمام الأمان لمثل هذه الأسر في الماضي. فحينما كانت الأسر التي لا تجد المال لتغطية مصاريف طارئة، تتجه إلى الأسرة، لكن هذه الشبكة لم تعد تقوم بالدور السابق، وهنا تم ابتكار بعض الحلول، فإما البحث عن قروض، باعتبارها الطريق السهل، مقابل أداء أقساط شهرية دون أن تؤثر على ميزانيته، والحال أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء تفشل في تدبير هذه القروض، والسقوط بالتالي في العديد من المشاكل. كما نجد بعض الأسر تدبر المشكل بشكل استباقي، مثل ما يعرف بـ «دارت»، لتعويض الشبكة التضامنية الأسرية، بشبكة أخرى تضم موظفين أو أجراء في إدارة أو مؤسسة ما، وهذه الطريقة باتت الأكثر انتشارا لمواجهة مصاريف طارئة. القروض الصغرى أخطأت الهدف انحرفت السلفات الصغرى عن أهدافها، لتتحول إلى قروض للاستهلاك، بفوائد مرتفعة. ألا ترون ضرورة وضع حد للاتجار بمآسي الفقراء؟ > أكيد أن القروض الصغرى للأسف أخطأت الطريق في بدايتها، حيث كانت موجهة لدعم المشاريع الصغرى، بمعنى أنها قروض استثمارية، موجهة إلى الأشخاص أو المشاريع الصغرى جدا، من أجل تمويل نشاطها، والذي يمكن أن يعود عليها بدخل وفائدة. فالقروض الاستثمارية هي قروض منتجة، تسمح بتأدية المستحقات الشهرية للقرض، وتساهم في تطوير الإمكانيات والقدرة الشرائية، خاصة لدى أصحاب الحرف والمهن الصغيرة. لكن ما نلاحظه اليوم هو أن نسبة كبيرة من هذه القروض أصبحت استهلاكية، وهذا الأمر خطير، لأن المستفيدين منها هم فقراء، وحين تمنح لهم، يثقل كاهلهم بديون إضافية، ويتم تحطيم قدرتهم الشرائية، ما يفتح الباب أمام مشاكل أخرى، ولو بعد حين. وهنا لابد من الإشارة إلى أن حجم القروض المتعسرة وعدد الأشخاص العاجزين عن تأدية ما بذمتهم من ديون، يزداد ارتفاعا، ما يكون له انعكاس على الاقتصاد الوطني، ناهيك عن أن هذه القروض لا تنتج لا عملا، ولا تخلق قيمة مضافة، وهذا أمر خطير جدا. في سطور - حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة القاضي عياض بمراكش. - حاصل على شهادة حول البيئة وتغير المناخ من جامعة العلوم التطبيقية بألمانيا. - أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم القانونية والاقتصادية بالمحمدية.

الملاذ الأخير لمواجهة الطوارئ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

4 قتلى مغاربة في تفجير عمارة ببلجيكا

جلد أمه حتى الموت لتطهيرها من "ذنوبها"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات