أو مجانا بعد

الأخطاء الطبية... متاهات الإثبات ضحايا مجبرون على إثبات الضرر والرد على الخبرات للحصول على تعويض وإدانة المتورطين تثير الأخطاء الطبية إشكالات عديدة، سيما عندما يقرر الضحية أو عائلته اللجوء إلى القضاء، ومتابعة الطبيب المتورط بتهم ثقيلة، تصل لمناسبات إلى القتل غير العمدي وعن طريق الخطأ، والذي قد يكلف عقوبة حبسية والتشطيب من المهنة. أولى هذه الإشكالات، تحديد الخطأ الطبي الموجب للمتابعة، ومدى توفر أركان الخطأ والضرر والعلاقة السببية فيه. وحتى لو نجح المتضرر في إثباتها، يشهر في وجهه تبرير حدوث مضاعفات صحية مفاجئة، وفي حال طالب بخبرة لتأكيد ذلك ومدى مسؤولية الطبيب، فإن أغلب الخبرات المنجزة بأوامر قضائية تكون منحازة للأطباء. هذه المعطيات جعلت أغلب ضحايا الخطأ الطبي يترددون في طرق باب المحاكم، فهم على يقين أن الطبيب سيحظى في النهاية بحكم لصالحه، ولو أدين ابتدائيا واستئنافيا، وحتى في حال الإدانة سيكون مصيره عقوبة مخففة، والبديل شكايات لهيأة الأطباء المختصة ووزارة الصحة. إلا أن هذا لا يعني أن جميع الأطباء الذين توبعوا أمام القضاء لتورطهم في خطأ طبي نجحوا في الإفلات من مقصلة العقاب، بل منهم من أدين بعقوبات حبسية مشددة، استنادا على الفصل 432 من القانون الجنائي، الذي حدد العقوبة ما بين ثلاثة أشهر وخمس سنوات سجنا، حسب طبيعة الخطأ المرتكب، وفي حال كان سببا مباشرا في وفاة ضحية. م. ل عقبات تعيق معركة الإنصاف زوج ضحية عملية تجميل ناضل لإثبات النازلة ومحكمة النقض أبطلت براءة المتهمين لا تنتهي الأخطاء الطبية عند الأضرار التي تصيب المريض الضحية، بل تتجاوز تبعات الحادث المأساوي الأمر إلى معاناة دائمة لدى الأسرة، خاصة إذا نتج عن الواقعة الطبية عجز دائم أو وفاة. هي قصة إنسانية مؤلمة لعائلة كانت ضحية تداعيات عملية جراحية للتجميل، ما جعل أسرة الهالكة تعيش كابوسا دائما، بسبب الألم الذي خلفته في نفوس بناتها وزوجها، وتداعيات دخول عائلتها الصغيرة في رحلة عذاب يومي، للمطالبة بإنصاف الهالكة ومعاقبة المتسببين في هلاكها. ومن الأمور الصعبة في قضية الأخطاء الطبية، رحلة إثبات خطأ طبي ومحاكمة طبيب تجميل متهم في ملف خطأ طبي عرفته عملية جراحية لشفط الدهون، تسببت في وفاة امرأة، وهو ما يتطلب نفسا طويلا لإثبات الحالة. بعد إحالة قضية وفاة الضحية على المحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء، ربحت عائلتها الجولة الأولى، بعد أن قضت المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع بالبيضاء، بإدانة الطبيب بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 500 درهم وثلاثة أشهر حبسا موقوف التنفيذ لطبيبة التخدير، والبراءة لصاحب المصحة، وتعويض مالي قدره 600 ألف درهم، تضامنا ما بين الطبيب والمصحة لفائدة ذوي حقوق الضحية، التي فارقت الحياة أثناء خضوعها لعملية جراحية لشفط الدهون بمصحة خاصة بالبيضاء. ورغم اعتبار زوج الضحية أنه بعد طول انتظار وصلت القضية إلى بر الأمان، ويتمثل ذلك في أن تهمة الخطأ الطبي التي كانت موضوع متابعة بالنسبة إلى المتهمين الثلاثة، تم إثباتها لتتم مؤاخذة المتهمين من أجلها في إطار الفصل 432 من القانون الجنائي الذي يعاقب على القتل الخطأ، إلا أن عائلة الهالكة قررت استئناف الحكم بداعي أنه لم يكن منصفا، بينما قرر المدعى عليه وهو الدكتور المشرف على العملية والمدان بأربعة أشهر حبسا موقوف التنفيذ، الطعن في الحكم بدوره لتشبثه ببراءته من تهمة الخطأ الطبي. وبعد جلسات ماراثونية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، كان الحكم صادما لعائلة الهالكة، بعد أن قررت هيأة الحكم بغرفة الجنح الاستئنافية تمتيع المتهمين بالبراءة من الخطأ الطبي، وإلغاء الحكم الابتدائي الذي يدينهم. ولأن زوج الهالكة لا يؤمن بالمستحيل، قرر التقدم بطعن ضد حكم محكمة الاستئناف لإيمانه بعدالة قضيته وبأحقية زوجته الهالكة وأسرتها في الإنصاف، تحقيقا لمبدأ العدالة، وهو ما تأتى له بعد أن قررت محكمة النقض، إبطال قرار البراءة الصادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء، في حق طبيب وطبيبة ومصحة خاصة، في قضية خطأ طبي أثناء إجراء عملية جراحية لشفط الدهون، تسببت في وفاة امرأة. وقضت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، في جلسة علنية، بنقض وإبطال القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالبيضاء في القضية، وإحالة الملف على محكمة الاستئناف بالرباط للبت فيها من جديد طبقا للقانون، وبإبقاء المصاريف على الخزينة العامة. وجاء قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض، بإلغاء براءة المتهمين في ملف الخطأ الطبي القاتل، بناء على الطلب المرفوع من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء، بمقتضى تصريح أفضى به لدى كتابة ضبط محكمة الاستئناف المذكورة والرامي إلى نقض القرار الصادر عن غرفة الجنح الاستئنافية بها في القضية، القاضي بإلغاء الحكم الابتدائي في ما قضى به من إدانة المطلوبين في النقض، من أجل التسبب في قتل غير عمدي ومعاقبة المصحة الخاصة بغرامة مالية. واعتبرت محكمة النقض أن استئنافية البيضاء بررت قرارها ببراءة المطلوبين في النقض، بعلة أنه لم يثبت للمحكمة ارتكاب أي من الأظناء لأي عمل أو امتناع خاطئ، كما لم يصدر منهم أي تقصير يستوجب تحمل مسؤولية وفاة الهالكة، و"حيث يكون تبعا لذلك الحكم الابتدائي المستأنف قد جانب الصواب في ما قضى به من إدانة الأظناء، والتصريح تصديا بعدم مؤاخذتهم وبعدم الاختصاص في المطالب المدنية". وأوضحت محكمة النقض أن الملاحظ من خلال هذا التعليل، أن محكمة الاستئناف لم تستنفد ما يلزم من تحقيق لاستجلاء ما هو غامض في النازلة، طبقا لما تفرضه قواعد الإثبات، مع تجنب سوء التقدير، فهي لم تناقش على ضوء صور الخطأ المعددة في الفصل 432 من القانون الجنائي، أن الطبيب المشرف على عملية التجميل يجهل قواعد المهنة، وأن المصحة التي أجريت فيها العملية غير متخصصة في إجراء عمليات التجميل، لأن الخاضعين لعمليات التجميل ليسوا بمرضى، وإنما هدفهم تحسين المظهر الخارجي لأجسامهم، والمحكمة بعدم التفاتها لما ذكر، جعلت قرارها ناقص التعليل وعرضة للنقض والإبطال. واعتبرت محكمة النقض أن محكمة الاستئناف أساءت تقدير تقرير الخبرة المعتمد من قبلها، ومن جهة أخرى بنت قضاءها على تعليل ناقص يوازي انعدامه، مما يستدعي نقض القرار المطعون فيه وإبطاله وإحالة القضية على محكمة أخرى غير المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه، لتنطلق بذلك فصول أخرى من الجلسات لإنصاف عائلة الضحية. محمد بها

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خلافات مهدت للاتفاق

بلمير في "الطوندونس"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات