مشروعية فرض هيآت المحامين رسوم الانخراط

المهنة لم تبق محجا لمن كانت تحدوه الرغبة في الانتماء وإنما أصبحت ملجأ لمن انقطعت به سبل البحث عن عمل (3/1) لست أظن أن الدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي، وهو على ما عليه من علم ومعرفة ودراية وخبرة اكتسبها خلال سني ممارسته بالوكالة القضائية للمملكة المغربية ومدرسا للقانون بكلية الحقوق بمكناس، ومعروف عنه أنه لا يحركه في ما يكتبه ويجاهر بنشره سوى الهاجس العلمي الذي يقلق كل عالم وفقيه، والهم المعرفي والثقافي الذي يؤرق كل دارس وباحث، كان يدور بخلده ولو للحظة واحدة، وهو يقوم على موقعه الإلكتروني، بنشر بعض القرارات الصادرة عن القضاء المغربي بإلغاء مقررات بعض هيآت المحامين بالمغرب التي كانت تشترط أداء رسم انخراط على من يتقدم إليها بطلب من أجل قبول قيده بها، ويقوم بالتعليق عليها، ويكتب عريضة من أجل المطالبة بإلغاء هذا الشرط من الأنظمة الداخلية لهيآت المحامين، أن هذا النشر سيثير عليه عاصفة من الانتقادات و يحرك ضده زوبعة من الاحتجاجات الكثيرة من فئة من المحامين كانت الأغلبية الغالبة منها تشتط عن قواعد مقارعة الحجة بالحجة وعن أصول مجابهة الدليل بالدليل. الانتقادات التي وجهت للدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي، وصلت إلى حد النيل منه وتجريحه والتشكيك في مقدراته العلمية والبحث عن الدوافع الكامنة وراء «خرجته» في هذا الوقت بالذات الذي يتوهمون فيه أن المهنة تتعرض فيها للمؤامرات والدسائس. قد لا يكون قد دار بخلده ذلك هو الذي لا يربطه أي انتماء وظيفي بمهنة المحاماة ويطل عليها من الخارج، أما بالنسبة إلى من ينظر إليها من الداخل بحكم انتمائه إليها وقضائه ردحا من الزمن بها وتحمله لمسؤوليات بأجهزتها، فإنه لن يفاجئه هذا الموقف من هؤلاء الزملاء المنتمين إليها الذين غالبا ما تحرك أغلبهم النوايا الحسنة في أن هذه القلعة "الحصينة" التي يتخندقون ويتمترسون فيها تتعرض دوما وباستمرار للخطر من قبل البعض من غير المنتسبين إليها، وحتى من قبل بعض المنتسبين إليها الذين لا يتورعون عن تخوينهم، ولا يرون أي غضاضة في توجيه التهمة إليهم بالعمالة لجهات خارجة عن المهنة، وفي نعتهم في أحسن الأحوال بالانبطاح وغيره من العبارات القدحية الأخرى المشابهة. وليس في ذلك من عجب، فنحن ننتسب إلى أمة اشتهرت بأن فكرة المؤامرة عليها من الآخر راسخة في الأذهان ومعششة في العقول. ولو انهم قصروا نظرهم على صلب الموضوع الذي طرحه الدكتور عبد الكبير العلوي الصوصي للنقاش، وتدبروه، وتفكروا فيه، وقلبوه من جميع أوجهه وعلى جميع جوانبه، وطافوا عليه من كافة مناحيه وأرجائه، لتبينت لهم عدة حقائق. منها: - أن هذا الموضوع، وهو موضوع لزوم أو عدم لزوم أداء رسم الانخراط إلى الهيأة ممن يرغب في الانتساب إليها، كغيره من المواضيع المهنية الأخرى لا يتسم بأي قداسة تجعله في منأى عن التفكير فيه وإبداء الرأي فيه. ولذلك لا يكون هنالك من ضير إذا ما تم طرحه للنقاش من قبل أي شخص كان أو أي جهة كانت. فإن النقاش حوله وبشأنه إذا كانت الإرادة الحسنة من ورائه، لا يمكن له أن يفضي إلا إلى ما فيه خير للشرعية التي ما وجدت المحاماة إلا للدفاع عنها وحمايتها وترسيخ قواعدها. - أنها ليست المرة الأولى التي تقع فيها إثارة هذا الموضوع للنقاش. فقد سبق أن طرح عدة مرات على بساط البحث والدرس، وكان موضوعا للتساؤل. أولا : من قبل الوافدين على المهنة المعنيين بأداء هذا الرسم خصوصا عندما تم الرفع من قيمته عدة مرات. وثانيا : من قبل أعضاء مجالس هيآت المحامين أنفسهم خصوصا عندما كانوا يقعدون لمناقشة إمكانية تطبيق مسطرة التغاضي على أولئك المحامين الذين استفادوا من جدولة أقساط أداء هذا الرسم ولم يقوموا بالوفاء بها. بل ووصل الأمر ببعض من رأوا أنهم متضررون منه إلى حد أن تظلم منه إلى القضاء الذي قال كلمته فيه في العديد من الحالات والمناسبات، كما تدل على ذلك الأحكام المنشورة في هذا الصدد. نعم إن هذا الموضوع كان مطروحا على بساط البحث والنقاش منذ أن تم فرضه في بداية الأمر من قبل بعض الهيآت على من يتقدمون إليها بطلبات من أجل الانتساب إليها. ولكنه لم يكن يتسم بهذه الحدة التي طرح عليها الآن. ولعل ذلك أن يكون سببه ومرده في نظرنا: أولا: إلى أن هذا الرسم الذي كان يعتبر لدى مجالس الهيآت في البدء بمثابة مقابل للمصاريف التي يستلزمها فتح وتكوين ملف الترشيح للتمرين فقط، كان مقداره في بداية العمل به، ضئيلا جدا لا يصل إلى الحد الذي يرهق دافعه ويكون فوق طاقته ووسعه. ثانيا : أن عدد المقبلين على المهنة في تلك الأيام كان قليلا جدا. ولم يكن يتسبب في أي تضخم في أعداد الملتحقين بالمهنة إلا بالنسبة إلى بعض الهيآت القليلة جدا كهيأة الدار البيضاء مثلا التي كان الإقبال عليها يفوق نسبيا عدد المقبلين على غيرها. ثالثا : أن دافعه كان من جانبه يعتبر هذا الرسم لا يعدو أن يكون مجرد مشاركة منه ومساهمة في ما قد تكون الهيأة التي يرغب في الانتماء إليها قد راكمته منذ نشأتها لفائدة الأعضاء المنتمين إليها من أصول ومغانم ومكاسب. ومساعدة منه لها على تحمل ما يكلفها القيام بتسيير وشؤون الهيأة من مصاريف ونفقات. خصوصا في وقت لم تكن تتوفر فيه لهذه الهيآت موارد مالية كافية للقيام بذلك، كما أصبح عليه الأمر الآن بعد إحداث حساب ودائع وأداءات المحامين المستحدث بمقتضى المادة 57 من قانون المحاماة، الذي تحسنت بسببه مداخيل الهيآت بشكل لافت وملحوظ. ولكن الإقبال على مهنة المحاماة عندما أصبح يتخذ منحى تصاعديا بوتائر سريعة. وخصوصا بعد صدور ظهير 08 نوفمبر 1979 الذي فتح الباب على مصراعيه أمام حملة الإجازة في الحقوق وفي الشريعة من أجل الولوج إلى المهنة دونما ضرورة لاجتياز أي مباراة أو امتحان. وبدأت تلك الهيآت تستشعر الخطر المحدق بالمهنة بسبب ذلك، سيما بعد أن لاحظت، عن حق، أن المهنة لم تبق محجا لمن كانت تحدوه الرغبة الحق في الانتماء إليها وكانت تتوفر لديه أدوات العمل لمزاولتها من كفاءة وتكوين وسلوك وغيرها، وإنما أصبحت ملجأ وملاذا لمن انقطعت به سبل البحث عن عمل، بعد أن أضناه انتظار العثور عليه والظفر به. * نقيب سابق لهيأة المحامين بالجديدة

مشروعية فرض هيآت المحامين رسوم الانخراط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

محاكمة قاتلي بحار بالجديدة

رائحة تعديل تفوح من مؤتمر الاستقلال

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات