معركـة “المعقـل الأخيـر”

عصيد: هم المتشددين حماية قلعة الفقه وليس الإنسان والمزايدة على الدولة بعد فشلهم الانتخابي وصف أحمد عصيد، الكاتب والناشط الحقوقي، خطابات المتشددين حول تعديلات المدونة بالمواجهات مع القوى الحداثية، والتي لا تمت للحوار والنقاش بشيء، راهنوا فيها على الثلاثية المعهودة، الإشاعة/ التهديد/ التحريض، في حين استند الحداثيون على الدراسات المنشورة والأرقام ومعطيات المحاكم. وشدد عصيد على أن إمارة المؤمنين منعت الإسلاميين من نقل تهديداتهم إلى إحداث الفوضى، موضحا أن مفهوم "النصوص القطعية"، اخترعه الفقهاء لكي يغلقوا باب الاجتهاد قبل ألف عام، في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار : مصطفى لطفي ما تعليقك على المواجهات بين التيار الحداثي والديني حول تعديلات المدونة؟ > أحسنت باستعمال كلمة "مواجهات" عوض حوار أو نقاش، لأن الحوار في الحقيقة غائب وغير موجود، وهي فعلا مواجهات، لكنها طبيعية في مجتمع يعيش صراعا يوميا بين الماضي والحاضر على شتى المستويات، فهناك قوتان تشدان المغرب في اتجاهين منذ الاستقلال، قوة تشده نحو الماضي وتريد إعادة إنتاج ما كان قبل الدولة الحديثة، وتعتبر كل مسلسل التحديث انحرافا عن نموذج تقليدي كان فيه البلد من قبل، وهناك قوة ثانية تدفع بالمغرب نحو المستقبل، لاستكمال الانتقال نحو الديمقراطية بشكل شمولي، وتعكس المراجعات المستمرة للدستور وللترسانة القانونية هذا المسلسل التطوري منذ عقود. والمشكل ليس في الصراع في حد ذاته، وإنما في الوسائل التي تستعمل فيه من قبل التيار الديني المتشدد، والتي هي على العموم وسائل غير شريفة تستعمل الثلاثية المعهودة: الإشاعة/ التهديد/ التحريض، حيث يبدو أن هناك عدم توازن بين الحداثيين الديمقراطيين والمتشددين التقليديين من تنظيمات الإسلام السياسي، ففي الوقت الذي يستعمل فيه الحداثيون الدراسات المنشورة والأرقام ومعطيات المحاكم ومراكز الاستماع وشكايات النساء، يعمد المتشددون إلى تهديد الدولة والتلويح بالمظاهرات والتشهير بالطرف المطالب بالمراجعة. في نظرك ما سبب تبني التيارات الدينية لغة التهديد والوعيد؟ > السبب هو الضعف الكبير الذي يعانيه التيار المحافظ، وخوفه من التغيير، وحرصه على الحفاظ على وضعية الأسرة على علاتها، لأنها أساس نظام اجتماعي متخلف قائم على العنف والوصاية ويتغذى عليه الإسلام السياسي. ولعل العقبة الكبرى في طريق هؤلاء، والتي تمنعهم من أن ينتقلوا من التهديد إلى إحداث الفوضى، فعليا هو إمارة المؤمنين، التي بيدها السلطة الدينية، التي لا يمكنهم احتكارها أو ادعاؤها لأنفسهم. وبسبب هذا التدني في مستوى أداء الطرف الآخر، لا يجد الحداثيون من يحاورهم بعقلانية وبروح منفتحة، حيث لا يجدون أمامهم إلا من يشتمهم ويهددهم وينشر الأكاذيب والإشاعات ضدهم، والنتيجة انعدام نقاش عمومي حقيقي في هذا الموضوع. هل يمكن اعتبار هذه الخلافات مفتعلة من قبل جهة معينة، ولماذا مدونة الأسرة فقط التي تشهد هذه الحدة من الخلافات؟ > لا ليست خلافات مفتعلة، فكل ما له علاقة بالقيم يتسلط عليه المتطرفون الدينيون لممارسة الوصاية على المجتمع وعقول الأفراد، خشية انتشار القيم الديمقراطية، وقيم المواطنة التي تساوي بين الجميع بغض النظر عن معتقدهم أو لونهم أو عرقهم أو نسبهم العائلي. وسبب إثارتهم للصراع بهذا الشكل العنيف، هو أنهم يعتبرون بأن مجال الأسرة والأحوال الشخصية، هو الذي بقيت فيه بعض المواد القانونية ذات الصلة بالشريعة والفقه الإسلامي التراثي، ولذلك يستعملون عبارة "آخر معقل" للحديث عن مدونة الأسرة، وهذا يدل على أن ما يهمهم هو حماية قلعة الفقه القديم وليس مصلحة الإنسان، فيتعمدون إنكار الواقع وحالات الظلم الموجودة، والتي تتناسب مع قولهم إن المدونة في صيغتها الحالية مناسبة للأسرة المغربية "المستقرة" و"المطمئنة"، وهو كلام غير صحيح لأن الأسرة المغربية تعاني مشاكل لا حصر لها، أبرزها العنف الذي ارتفع ليصير 61 % من نسبة العنف العام الذي يطول النساء. يرى البعض أن حدة الهجوم الإخواني على معارضيه سببه نجاح التيار الحداثي في انتزاع مكتسبات مهمة في التعديل السابق، هل هذا صحيح؟ > نعم هذا صحيح إلى حد بعيد، خاصة أنهم يعلمون بأن المراجعة التي تتم حاليا مهما كانت محدودة، فستمس ببعض الجوانب التي يعتبرونها ثوابت في الشريعة والفقه التراثي. ولكن ينبغي أن نضيف إلى هذا السبب عاملا سياسيا آخر، وهو خروج الإخوان المسلمين من الحكومة وانهيار حزبهم في الانتخابات الأخيرة، حيث يحاولون تذكير الدولة بوجودهم عبر المزايدة عليها باستعمال الدين كعادتهم، ويفعلون الشيء نفسه بالقضية الفلسطينية وحرب غزة، إذ تهدف كل تحركاتهم إلى جعل الناس ينسون مسؤوليتهم في الحكومة السابقة، كما يحاولون أن يجعلوا أتباعهم ينسون توقيعهم على الاتفاقية الثلاثية، مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عندما كانوا في رئاسة الحكومة. إلى جانب التكفير، وصل الأمر بمتطرفين إلى حد التهديد بحرب أهلية، كيف ترى هذا التهديد؟ > إنه سلوك غير مسؤول ويدل كما قلت سابقا على ضعف كبير، حيث يبدو في المشهد الآن، أن هناك من يترافع من أجل حقه، وهناك من لا يريد له الحصول على ذلك الحق، فالذي يترافع من أجل حقوقه، يقدم ما يكفي من الأدلة على أنه مظلوم، أما الظالم فيخفي الحقائق الواقعية ويهرب من مناقشتها لأنها ليست في صالحه، إذ يعمل على الحفاظ على الواقع كما هو. الملاحظ أن من بين الرافضين للتعديلات في المدونة أعضاء بالمجالس العلمية، من بينهم مصطفى بن حمزة، ما تعليقك؟ > لقد سبق لـ"الصباح" أن نشرت تقريرا يتحدث عن أن المجالس العلمية والمجلس العلمي الأعلى، مخترقة بنسبة 70%، من قبل تيار الإسلام السياسي المتطرف، وبنحمزة يمثل أحد مظاهر هذا الاختراق، فهو ليس فقيها وسطيا، بل ينتمي عمليا إلى تيار التطرف، والدليل على ذلك مواقفه الحالية البعيدة عن السماحة والوسطية والمغرقة في التشدد وإنكار الواقع. كما أنه لا يقدم أي حل لمشاكل الأسرة، كما تطرحها التقارير المؤسساتية، التي منها تقارير وزارة الأسرة وتقارير المجلس الاقتصادي الاجتماعي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذا إحصائيات وأرقام المندوبية السامية للتخطيط. أسباب التعديل الخمسة أعتقد أن ما ينبغي أن يعرفه المغاربة، هو أن مراجعة المدونة وراءها خمسة أسباب رئيسية وهي: وجود دستور جديد منذ 2011، صارت المدونة بموجبه متجاوزة، حيث تعود إلى 2004، ثم هناك سبب آخر هو وجود تحولات اجتماعية كثيرة مست الأسرة، وعلى رأسها جهود المرأة في كل القطاعات، باعتبارها معيلة للأسرة، وهناك كذلك سبب ثالث هو صدور نموذج تنموي جديد، يسند للمرأة أدوارا لا يمكن أن تلعبها في ظل المدونة الحالية، ثم بجانب هذه الأسباب هناك سبب رابع، هو الثغرات التي أبان عنها العمل بالمدونة الحالية منذ عشرين سنة. والسبب الخامس هو التزامات الدولة المغربية بتوقيعها ومصادقتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، وتصويت البرلمان المغربي بالإجماع على البروتوكول الاختياري الملحق بتلك الاتفاقية في عهد حكومة بنكيران. ويمكن أن نضيف لهذه الأسباب سبب آخر، هو احتلال المغرب دوليا ومنذ سنوات لرتبة مخجلة في معاملة النساء، وهي الرتبة 136. فهذه الأسباب تعطي للمغاربة صورة واضحة عن الرهانات الكبرى، التي يرمي إليها المغرب من هذه المراجعة، لأن من شأنها أن تعطي دورا قويا في إسهام المرأة في التنمية، لأن المغرب لا يمكن أن ينهض ونصف المجتمع مهمش ويعاني الإقصاء والوصاية. ضرورة الاجتهاد هل أحكام المدونة "قطعية" لا تقبل النقاش كما يروج الإسلاميون؟ > هذه من أكبر الأكاذيب، فمفهوم "نصوص قطعية" مفهوم اخترعه الفقهاء لكي يغلقوا باب الاجتهاد قبل ألف عام، بينما الذي يمكن اعتباره ثابتا لا يمسه التغيير، هو العقائد والعبادات، فلا أحد يطالب بتقليص عدد الصلوات أو عدد أيام الصوم أو إلغاء الحج، ولكن كل ما له علاقة بمؤسسات الدولة وقوانينها وبالظواهر الاجتماعية المتحركة، فهو موضوع نقاش وتوافق، ولا سبيل أبدا إلى تثبيته وتجميده لأنه أحيانا ينقلب بنسبة 180 درجة، ولا يمكن تدبير واقع متحرك بنص ثابت وفقه جامد، بل لابد من الاجتهاد لإيجاد الحلول الملائمة لوضعية الأسرة اليوم. فمثلا لم يعد يمكن قبول تزويج الطفلات، لأن مكانهن في مقاعد الدراسة إلى سن 18 سنة، والحل هو توفير المدارس ودور الطالبة في المناطق المهمشة، عوض تزويجهن لأن ذلك تضحية بهن وليس حلا، كما لا يمكن قبول حضانة الأم لأطفالها دون أن تكون لها الولاية عليهم، ولم يعد مقبولا انتزاع الطفل من أمه بمجرد زواجها، ولا يمكن اعتماد مفاهيم ومصطلحات عتيقة وبالية في إثبات النسب، ولم يعد تعدد الزوجات مبررا في النص، بينما ينقرض من المجتمع، كما لا يمكن هضم المرأة حقوقها الاقتصادية بحرمانها من اقتسام الأموال المكتسبة خلال مدة الزواج، ومن حقها كاملا في الإرث، مادامت اليوم مساهمة في الثروة بنسبة كبيرة، مما يقتضي إلغاء ما يسمى التعصيب وإقرار نظام للإرث يكفل حقوق الذكور والإناث معا. وهذا كله حتى تكون المدونة نصا منسجما بين المبادئ المعلنة في الديباجة وبقية المواد، وأهم مبدأ في مطلع نص المدونة، هو أن الزواج تعاقد بين طرفين يتقاسمان المسؤولية عن الأسرة، وهما الزوج والزوجة. نحارب التشويش اعتمد الإسلاميون على ترويج مغالطات خطيرة، سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، هل نجحتم في فضحها بصفتكم متنورين وحداثيين؟ > نعم، لقد تناولنا الكثير من هذه المغالطات بالتفكيك والتحليل، سواء عبر المقالات أو الحوارات أو الفيديو، ومنها مثلا سعيهم إلى التشويش على النقاش بإقحام مواضيع تتعلق بالقانون الجنائي وليس المدونة، مثل العلاقات الجنسية الرضائية، والمثلية الجنسية التي هي قضايا تتعلق بالحريات الفردية وليس الأسرة، ومنها أيضا قولهم إن الذين يطالبون بتعديل مدونة الأسرة، إنما يسعون إلى أن يتزوج الرجل بأمه وأخته، ومنها أيضا أننا نسعى إلى تقليد الأسرة الغربية وأن هدفنا تنفيذ مخطط أجنبي ومؤامرة خارجية تستهدف الإسلام، وغير ذلك من الترهات الفارغة، التي تظهر مقدار انعدام المسؤولية لديهم وعدم قدرتهم على خوض النقاش العمومي بنزاهة. شهادات صراع فارغ "أثيرت نقاشات محتدمة مباشرة بعد توجيه جلالة الملك رسالة لرئيس الحكومة لإعادة النظر في مدونة الأسرة، وحثه كل الفاعليين الحكوميين والمجالس وفعاليات المجتمع المدني والمختصين والباحثين في المجال، على المشاركة الوازنة في النقاش العمومي والإسهام في خطة التعديل لأجل تسريع إخراج المدونة إلى حيز التنفيذ. وأخذت النقاشات طابعا إيديولوجيا وتصارع فيها التياران الحداثي والإسلامي، ووصلت بعض التدوينات إلى حد التهديد. وبنظرة تأملية للنقاش في اللقاءات المنظمة بشكل حضوري أو ما يجري بمواقع التواصل الاجتماعي، نجد أن الأمر يتعلق بمن هي القوى الضاغطة التي ستجعل هذه المدونة توافق توجهاتها الإيديولوجية الضيقة. وما هو ملاحظ بالأساس هو من يقدر على التجييش لأجل خلق البوز ولا يهم هل لهؤلاء مستوى علمي ومعرفي ونتائج مبنية على أبحاث وتجارب علمية وإحصائيات تهم الأسر المغربية، على اعتبار أن مدونة الأسرة هي اللبنة الأساسية لتشكيل المؤسسة الاجتماعية الأولى بعد المدرسة، وأي انحراف في الأسس هو انحراف مجتمعي ككل. إن هذا الصراع بين التيارين، صراع فارغ تغيب فيه الحدود الدنيا من احترام الحقوق والحريات، إذ أن هناك من دافع على التيار الأصولي ليس حبا في الدين وإنما الرغبة التدينية للبعض ما زالت متعطشة لثقافة اغتصاب القاصر والتلذذ بآلامها، نفس الأمر لفئة تنظر إلى لذة العيش في الانحلال الأخلاقي والأسري والحرية والحداثة... شخصيا لا أوجه اتهاما لأحد وإنما ما يروج من نقاش بين التيارين تغيب فيه المرتكزات الأخلاقية والعلمية لإصلاح حقيقي لمدونة الأسرة، لأن النقاش الحقيقي والفعلي هو أن يكون مبنيا على تشخيص علمي للظواهر التي نعيشها اليوم من ارتفاع لحالات الطلاق التي وصلت لأكثر من 1200 حالة يوميا وإلى حالات التشرد والفقر والهشاشة وامتلاء السجون بضحايا التفكك الأسري لظروف تجمع بين النص القانوني الزجري وواقع الأسر اليومي. كل هذا لا يهم في نظر هذين التيارين، والأهم بالنسبة لهما أن يوافق الإصلاح الميول الضيقة، وهذا النقاش يعود بالأساس إلى تدني المستوى الفكري والثقافي وغياب الحس الإنساني وطغيان ثقافة التجييش الإيديولوجي الفارغ من المضمون، على ثقافة الإصلاح المجتمعي. وبالتالي فهذا التصارع، لن يفيد في شيء". عبد الحق قسال (مختص اجتماعي ونفسي مديرية فاس) لغط وتهويل "يذكرنا موضوع تعديل مدونة الأسرة والنقاش الدائر حولها، بخطة إدماج المرأة في التنمية وكيف وصلت الاصطفافات والاستقطابات وتبادل الاتهامات إلى أوجها، وكيف خرج الفريقان المتناطحان في مسيرات ضخمة سواء لتأييد المشروع من طرف العلمانيين والحداثيين أو لرفضه من الطرف الآخر المحافظ . وفي رأيي الشخصي فإن القوى الأصولية تبالغ كثيرا في تهويل الأمر وتصويره على أنه حرب على الإسلام ودعوة للكفر والإباحية والمجون. وهو الأمر الذي تتخذه قوى متطرفة مطية لتصفية حساباتها مع خصومها واصفة إياهم بشتى الأوصاف والنعوت، في خرجات غير محسوبة العواقب يمكن أن تكون لها تبعات. أعتقد أن الأمر لا يحتاج لكل هذا اللغط على اعتبار أن هناك لجنة مختلطة مكلفة بعملية المراجعة والتعديل، وهي لجنة تضم مختلف الحساسيات والتوجهات الفكرية والسياسية، وفتحت المجال لكل الأطراف لإبداء ملاحظاتها واقتراحاتها، وبالتالي فمن المفترض أن يكون عملها توافقيا يراعي كل المشارب. وكأي عمل توافقي يستلزم تقديم تنازلات من جميع الأطراف قبل الوصول إلى صيغة نهائية تعبر عن الكيان الجمعي للمجتمع بأسره، وهذا للأسف ما لا أراه حاضرا في هذه النقاشات خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي". محمد الهاشمي (حقوقي ومستشار جماعي) استقاهما: حميد الأبيض (فاس) نقاشات عادية وصحية ليست المرة الأولى التي تتم فيها المواجهة بين الإسلاميين المحافظين واليساريين الحداثيين بخصوص القضايا المجتمعية، بل سبق أن شهدت المملكة صراعات قوية وتجاذبات بين التيارين حول عدة قضايا تتعلق بمرجعيات التقليد والحداثة، من بينها الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 2000، التي عرفت تدافعا قويا بين المناهضين والمؤيدين للخطة، وشهدت مسيرتين حاشدتين بكل من الدار البيضاء والرباط، أثارت الانتباه الدولي وبرهنت على أن المغرب كمجتمع قادر على تجاوز كل المراحل العصيبة من خلال التوافقات وليس المغالبات. فالنقاش الدائر حاليا بين التيارين الإسلامي واليساري، الذي انطلق منذ الرسالة الملكية الرامية لتعديل مدونة الأسرة في المغرب وإعادة مراجعتها، أعتبره نقاشا عاديا وصحيا، رغم أن هناك تباينا واضحا في وجهات نظر تيارين مختلفين، إذ تسعى القوى الإسلامية، الممثلة في حزب العدالة والتنمية ومنتدى الزهراء وحركة التوحيد والإصلاح، إلى فرض تصور معين يرتبط بالمرجعية والهوية، ويلغي باقي الاجتهادات، فيما يشدد المطالبون بحقوق المرأة على ضرورة إعادة النظر في المادة 400 من مدونة الأسرة وفتح الباب أمام الاجتهاد لتصحيح وضع يرفضه الإسلاميون بشدة. وإذا لم يتم تأطير هذا النقاش بالتوجهات التي تم الإعلان عنها في بيان الديوان الملكي، أعتقد أننا سنعود إلى حالة من الاستقطاب، خصوصا أن التيارين الإسلامي واليساري يعتبران الانحياز إلى طرحهما في مسألة الأسرة والمرأة بشكل عام جزءا من مشروعهما السياسي والمجتمعي بشكل عام. عبد الله الزايدي (فاعل حقوقي بطنجة) تنازلات بين المحافظين والحداثيين أرى أن النقاش الدائر حول مدونة الأسرة أصبح حاليا يتميز بنوع من الحذر والريبة، بعد أن كان في البداية حادا وعنيفا بين جبهة حداثية مكونة من جمعيات حقوقية ونسائية وأحزاب يسارية، وجبهة دينية تمثلها تشكيلات محافظة وتقليدية وحركية، هذه الأخيرة، التي أضحت أكثر ليونة وقبولا لإدخال تغييرات على مدونة الأسرة، تتوافق نسبيا مع ما يطالب به الحداثيون، ولم تعد تتحدث عن الخروج إلى الشارع للتظاهر، كما سبق أن لوحت بذلك في بداية الصراع. حاليا، التوجه العام، الذي يحكم النقاش حول مدونة الأسرة، أصبح بيد جهات لها من الخبرة القضائية والقانونية والسوسيولوجية ما يؤهلها للتريث والحكمة وإدارة النقاش بكثير من الهدوء والرزانة والانفتاح على فعاليات المجتمع، مع مراعاة شرعية الدولة الدينية، وما يحتمه نظام إمارة المؤمنين من الحرص على أن تخرج المدونة الجديدة متوافقة مع مقاصد الشريعة، ملبية لمتطلبات الأسرة المغربية. وللخروج بنصوص متوافق عليها، ولو نسبيا، ينبغي التركيز على المشاكل الحقيقية التي تعانيها المرأة والأسرة في الواقع، باستحضار الوثيقة الدستورية باعتبارها أسمى قانون، ومكانة الدين الإسلامي في هوية المجتمع المغربي، وتجنب بعض المطالب التي تتعارض مع القطعيات الدينية، مع الاجتهاد الذي يعطي للمرجعية الإسلامية خصوبتها وثراءها، ويجعلها قادرة على مسايرة العصر دون تفريط في حدود الله، ودون تضييع لحقوق الإنسان. أنوار الكلاف (محام بهيأة طنجة) استقاهما: المختار الرمشي (طنجة)

معركـة “المعقـل الأخيـر”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الأسرة... الغائب الأكبر

نقاط خلافية بين الأحزاب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات