اليهود نموذج للانصهار في المجتمع

لطالما عكست الدار البيضاء التنوع الثقافي والإثني والديني في المغرب، فالمدينة التي جذبت مطلع القرن الماضي مهاجرين من مختلف مناطق المملكة، تحولت إلى وعاء حضاري غني، قوامه التعايش والسلام بين مختلف مكونات الحاضرة الجديدة، بين الريفي والجبلي والعروبي والأمازيغي، بل حتى بين المسلم واليهودي. وسط المدينة انتصبت أحياء ومناطق احتضنت هذه الشريحة من المواطنين المغاربة على مدى سنوات، قبل أن تنتزعهم الهجرة من هذا الحيز الجغرافي، لتتراجع أعدادهم بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن هذه الانتكاسة الديمغرافية النوعية لم تؤثر في ارتباط اليهود المغاربة بأصولهم ووطنهم، وعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة عن الأجداد.وفي قلب العاصمة الاقتصادية ينبض شريان تجاري، ظل على مدى سنوات وعاء للتعايش بين مختلف المكونات المجتمعية، إذ استقطب سوق درب عمر التاريخي في البيضاء عددا مهما من اليهود المغاربة، الذين كانت التجارة والحرف مهنتهم الأساسية، فأسسوا طيلة الفترة الماضية قاعدة مهمة من الزبناء والشركاء أغلبهم من المسلمين، من خلال علاقات تطبعها الجدية والبعد الإنساني، فارتبطت الأطراف بعقود وتفاهمات شفوية رسخت رصيدا مهما من المصداقية والثقة، ما زالت ثماره ظاهرة للعيان حتى يومنا هذا، يقول أحمد، التاجر السبعيني، إن "التجار اليهود نموذج للثقة والجدية في معاملاتهم، وهاذان العاملان جذبا التجار والزبائن إليهم فكانت محلاتهم الأكثر رواجا في سوق درب عمر".يتشاطر هذا الرأي أغلب تجار السوق، خصوصا الذين عاصروا حقبة ازدهار سوق درب عمر، قبل أن يتناقص عدد التجار اليهود فيه إلى الحدود الدنيا خلال السنوات القليلة الماضية. إميل بوزاغلو، واحد من التجار اليهود المغاربة، الذي فضل البقاء في المغرب والاستمرار في تدبير تجارة العائلة، التي رسخت إرثا في السوق، إذ امتهن والده رحميم بوزاغلو وجده من قبله حرفة التلفيف، ليؤسسوا مصنعا ثم متجرا وشركة تشعبت فروع أنشطتها بعد ذلك. يقول التاجر المغربي اليهودي بفخر، إن "مهنيي التلفيف وصناعة الخيام في شارع محمد السادس حاليا، تتلمذوا على يدي والدي، واستقلوا بعد ذلك بتجارتهم الخاصة". وغير بعيد عن سوق درب عمر، منطقة سيدي بليوط وسط الدار البيضاء التي تضم خمسة معابد يهودية، أبرزها معابد، "ابن هاروس" و"إيم هابانيم" و"دفيد" و"بيث إيل"، مكان خاص لممارسة الشعائر الدينية ونقطة تجمع سكاني لعدد كبير من اليهود البيضاويين. معابد أغلبها كانت في الأصل منازل لحاخامات ورجال دين، قبل أن تتحول إلى مزارات، يحج إليها اليوم اليهود المغاربة من داخل المملكة وخارجها.معبد "ابن هاروس"، أقدم معابد المنطقة وأكثرها حظوة، تجذب واجهته المشيدة بالحجر الأسود الزوار، فيما يوحي شكل بوابته المقوس بطابع معماري يعود إلى الفترة الكولونيالية، وهو معطى ينطبق على مجموعة المباني في زنقة ابن رشد، "لوزيتانيا" سابقا، المحتضنة للمعبد. تقول أمينة، مدبرة المعبد بنبرة واثقة، "إن المعبد تحفة فنية يعود تشييدها إلى سنوات مضت، من قبل أحد الحاخامات اليهود من أبناء هذه المنطقة". لم يكن المعبد بتلك المساحة الكبيرة التي يوحي بها مدخله. بناء من طابقين، الأرضي يضم مطبخا وحجرة صغيرة، ثم درج رخامي مسيج بالخشب يحيل على الطابق العلوي الذي يضم قاعة العبادة الرئيسية وغرفة صغيرة مجاورة لها.بدر الدين عتيقي

اليهود نموذج للانصهار في المجتمع

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

20 ألف مسيحي مغربي أغلبهم في الجنوب

بهائيون مغاربة يواجهون الرفض بالصمت

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات